icon
التغطية الحية

العدالة السريعة في بريطانيا.. من المنشورات العنصرية إلى السجن في خمسة أيام فقط

2024.08.14 | 18:56 دمشق

أعمال الشغب في بريطانيا - المصدر: الإنترنت
أعمال الشغب في بريطانيا - المصدر: الإنترنت
The Economist- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

ثلاثة منشورات على فيسبوك كانت كفيلة بأن تردي جوردان بارلور أسفل السافلين، إذ في الثاني والثالث من آب، تعرض فندق بريتانيا في ليدز والذي كان يؤوي طالبي لجوء لرشقات بالحجارة، وفي اليوم التالي، نشر بارلور منشوراً كتب فيه بأنه ينبغي: "رشق كل شخص مع كلابه وإخراجهم من فندق بريتانيا"، وبالرغم من أنه لم يعتزم مهاجمة الفندق بنفسه، ذكر للشرطة فيما بعد بأنه كان يحس بالسخط بسبب تجشم دافعي الضرائب تكاليف إقامة المهاجرين الذين "يغتصبون أطفالنا ولهم الأولوية في كل شيء" على حد وصفه. وبعد إدانته بإثارة الكراهية العنصرية، صدر الحكم على بارلور في التاسع من آب بالسجن لمدة 20 شهراً، فأخذ يتنفس بصعوبة وهو يغادر قفص الاتهام، أما شفتاه فصارتا ترتجفان إذعاناً واستسلاماً.

يبدو بأن المظاهرات وأعمال الشغب التي عمت بريطانيا في مطلع شهر آب قد انحسرت، على الرغم من بقاء الحكومة في حالة التأهب القصوى، وبعض تلك المظاهرات أخمدتها مظاهرات مضادة لما يجري، وسرعان ما فاقت أعداد مناهضي العنف أعداد القلة التي فكرت بمواصلة ما جرى من أحداث في السابع من آب الجاري. بيد أن الأهم من كل ذلك هو الاستجابة السريعة والقوية التي أبداها جهاز الشرطة والنيابة والقضاء، وهذا ما تمثله رحلة بارلور التي لم تتجاوز خمسة أيام من لوحة مفاتيح حاسوبه إلى السجن.

الضرب بيد من حديد

أثار مقتل رجل أسود على يد رجال الشرطة في عام 2011 بلندن أعمال شغب في مدن مختلفة بالبلد، وكان السير كير ستارمر وقتئذ يشغل منصب رئيس النيابة العامة، ولذلك عمل على إيداع نحو 1300 شخص من المتورطين في السجن. لكن الاستجابة الأولية لجهاز الشرطة أتت بطيئة وغاية في الهشاشة، بحسب اعتراف الجهاز نفسه. ولكن هذه المرة، وبعد أن أصبح السير كير رئيساً لوزراء بريطانيا، حث السلطات على الضرب بيد من حديد لإنهاء أي حالة عنف أو تحريض، وهكذا جرى القبض على ألف شخص وجهت لنصفهم الاتهامات.

المعاملة بالمثل

وهذا ما أدى إلى ظهور مزاعم تفيد بأن الحكومة تطبق نوعين من التعامل، إذ إنها تتعامل مع احتجاجات البريطانيين البيض بقسوة أشد مما تبديه مع غيرهم، كما حدث مثلاً مع احتجاجات حركة حياة السود مهمة في عام 2020، أو في المسيرات المؤيدة لفلسطين التي نزلت إلى الشوارع منذ فترة قريبة. ولذلك انتشرت مقاطع فيديو عبر الإنترنت يظهر فيها شبان مسلمون وهم يتجمعون ضمن مجموعات صاخبة ويشرعون بالقتال، ليكون ذلك دليلاً على سعي الشرطة للقبض على البيض فحسب. وقد عزز تلك الفكرة عدد من السياسيين اليمينيين، وعلى رأسهم زعيم حزب إصلاح المملكة المتحدة، ناجيل فاراج، الذي يرى بأن الحكومة تعتمد أسلوبين في ضبط أمن البلد.

لكن الفكرة التي شكلتها حفنة من المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا تشبه الواقع الذي تشهده المحاكم، إذ في صبيحة اليوم الذي مثل فيه بارلور في قفص الاتهام، صدر حكم على كل من سمير علي وعدنان غفور، وكلاهما تعود أصولهما إلى آسيا، وذلك لأنهما توجها إلى مركز مدينة ليدز في الثالث من آب للاحتجاج ضد مظاهرة معادية للمهاجرين خرجت في اليوم نفسه. وأثناء عودتهما إلى البيت، شاركا في شجار ضد محتجين من الطرف الآخر، فحكم على علي بالسجن لمدة عشرين شهراً، في حين صدر حكم على غفور بالسجن لمدة ثلاثين شهراً، أي إن هذا الأسلوب متبع مع الجميع، وفي غضون 24 ساعة ألقي القبض على ريكي جونز وهو أحد أعضاء مجلس حزب العمال في بريطانيا، وذلك لوصفه المظاهرات المناهضة للعنف في شرقي لندن بأنها مظاهرات للفاشيين وهؤلاء يستحقون أن تقطع رقابهم.

"برميل البارود ما يزال حاضراً"

إلى جانب التمييز، أسهمت عوامل أخرى في تفسير سبب استجابة الشرطة للأحداث بطريقة مختلفة، فأعمال الشغب المناهضة للهجرة كانت صغيرة وعنيفة، أما المظاهرات المناهضة للعنف والمسيرات التي خرجت دعماً لفلسطين قبلها فقد كانت أكبر وسلمية في الغالب. ولهذا بات لزاماً على الشرطة تقدير عدة عوامل في آن معاً، ويشمل ذلك عدد المشاركين في الحشد ومدى صخبهم، وعدد رجال الشرطة الموجودين، وهل سيؤدي اعتقال مثيري الشغب إلى تفاقم الوضع أم لا، بحسب رأي نيفين ريني الرئيس السابق لقسم مكافحة العنف لدى الشرطة الأسكتلندية، لكنه يؤكد بأن أي إيحاء بوجود نهج قائم على التعامل بطريقتين مختلفتين ما هو إلا وهم.

لكن هذا لا يعني عدم وقوع حالات إخفاق شديدة، ويأتي على رأسها فشل جهاز الشرطة في حماية الفتيات البيضاوات من اعتداءات عصابات المغررين البريطانيين الذين تعود أصولهم إلى آسيا وذلك في مدينتي روثرهام وروكدال خلال الفترة الواقعة ما بين أواخر ثمانينيات القرن الماضي ومطلع العشرية الثانية من الألفية الثالثة. ولذلك استغل المؤثرون من اليمين المتطرف تلك الإخفاقات لتحريض بارلور وأشباهه، بيد أن ذلك يعبر عن مشكلات مع رجال الشرطة أنفسهم، إذ يرى تيم نيوبيرن من كلية لندن للاقتصاد بأن المشكلة الأكبر تتمثل في "زيادة فرض الأمن على الأقليات مع عدم حمايتها كما يجب"، وثمة نزعة للتعامل مع الأقليات العرقية بقسوة أشد في المحكمة، إذ يرجح توجيه اتهامات لهم وسجنهم في حال إدانتهم.

يرى جون كوكسهيد من جامعة لوبورو بأن النهج المتبع في التعامل مع أعمال الشغب أتى كرد فعل، وذلك ضروري لقمع العنف، إلا أنه لن يحل مشكلة الغضب الذي يثور كما يثور أي ألم في الأسنان، والذي دفع كثيراً من البريطانيين البيض الفقراء لإلقاء اللوم في المشكلات التي يعيشونها على المهاجرين، ثم نزلوا إلى الشوارع ضدهم. ويتفق معه بالرأي ريني، إذ لعل الحرائق التي اشتعلت خلال الأسابيع الماضية قد أخمدت، لكن "برميل البارود لم يختف بعد".

 

المصدر: The Economist