ترصد فصول كتاب "الصراع في سوريا.. حرب العقائد والجغرافيا" لمؤلفه فراس علاوي، حقبتين مفصليتين في تاريخ سوريا المعاصر ضمّتا شكلين من الصراع الذي شهدته البلاد.
الشكل الأول يتمثل بالصراع على السلطة الذي برز مع بداية تكوّن الدولة السورية بعيد الاستقلال (1946) حتى وصول حافظ الأسد إلى الحكم عبر انقلاب ما سمي بـ "الحركة التصحيحية". حيث مهّد الكاتب لهذا الصراع بالحديث عن تاريخ سوريا السياسي وكيفية تشكل النواة الأولى للسلطة السياسية من خلال الشخصيات التي صنعت الاستقلال، مع مرور سريع على مظاهر الحياة السياسية في سوريا والانقلابات العسكرية التي فتحت باب تحكّم الجيش في السلطة، ومن ثم ظهور ما أُطلق عليها "اللجنة العسكرية" التي قادت الصراع على السلطة على خلفية انقلاب الـ8 من آذار وتسلّم حزب البعث السلطة في البلاد.
ويتابع المؤلف في وصف الصراع الذي نشب بين البعثيين أنفسهم، والذي انتهى بتصفية حافظ الأسد "رفاقه" تمهيداً للوصول إلى سدة الحكم، ومن ثم تحويل نظام الدولة إلى سلطة العائلة/ الفرد، مستعيناً في كل مرحلة بحلفاء يخدمون مصلحته. ويعرج على تفاصيل تهيئة الأسد الأب الأجواء لتوريث السلطة لنجله باسل ومن ثم بشار بعد مقتل الأول.
وخلال ذلك، يفند الكتاب أسباب انطلاق الربيع العربي متحدثاً عن أبرز النقاط التي ساهمت في اندلاع ثورات الربيع العربي، في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن قبل أن يرصد الأجواء السائدة في سوريا ويفصّل الأسباب البعيدة والمباشرة لانطلاق الثورة السورية في منتصف آذار 2011 بمختلف أشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشيراً إلى سياسات السلطة القمعية وكيفية محاولاتها لاختراق المجتمع السوري وتقسيمه بغية إخضاعه، ومن ثم إرهاصات الثورة الأولى وانطلاقها وأبرز التحولات التي طرأت عليها خلال مرحلتيها السلمية والمسلحة.
في الحقبة التالية- الشكل الثاني للصراع، يسلّط الكاتب الضوء على الصراع الدولي في سوريا، ومحاور ذلك الصراع، والتداخلات الدولية، سواء المؤيدة للحراك الثوري أو الداعمة للنظام، والعلاقات البينية والتنافسية بين هذه الدول والحروب التي خاضتها بالوكالة، وأبرز محطات العلاقات الإقليمية والدولية، ومآل التدخلات في ظل استعصاء الحل وتحول سوريا إلى ساحة صراع دولي وإقليمي قلّ نظيره في العصر الحديث.
ويختتم الكاتب تلك الحقبة بالحديث عن أبرز محطات التدخل الدولي عبر مؤسساته الدولية، كمجلس الأمن والأمم المتحدة والجامعة العربية، وعن الصعوبات التي واجهتها عبر قراراتها الدولية أو من خلال مندوبيها، وكذلك الانقسام في مجلس الأمن ومعضلة "الفيتو" الروسي والروسي- الصيني والمواقف الدولية منها.
وفي نهاية كتابه، يضع علاوي تصوراً لأبرز العوامل التي جعلت من الحل في سوريا يصل إلى طريق مسدود، ويجملها في خمسة عوامل هي:
- طبيعة سوريا الجيوسياسية.
- عوامل تتعلق بالمناخ العام الذي فرضته ثورات الربيع العربي.
- عوامل تتعلق بالخلافات والصراعات الثنائية (الأميركي الروسي، الأميركي الإيراني، الإسرائيلي الإيراني، العربي الإيراني).
- عوامل تتعلق بالخلافات العربية- العربية ومواقف دول الجوار العربي مما يجري في سوريا.
- عوامل تتعلق بطبيعة عمل مجلس الأمن والشلل الذي لحقه.
ليصل في نهاية المطاف إلى خلاصة مفادها أن التدخل الخارجي الدولي لم يكن بالمستوى المطلوب ولم يكن إيجابيا إن لم يكن سلبياً، إذ لم تتقاطع مصالح الدول المتداخلة بشكل كبير وواضح.