أعلنت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أنه تم توثيق نحو 193 حالة اعتقال تعسفي من قبل جميع أطراف النزاع في سوريا خلال أيلول الفائت، بينهم 10 أطفال و5 سيدات، مشيرة إلى أن النظام استهدف بعمليات الاعتقال مدنيين حاولوا الخروج من مناطق سيطرته.
وأضافت في تقريرها، اليوم السبت، أنه تحول 154 من المعتقلين إلى مختفين قسرياً، حيث اعتقل النظام 87 شخصاً بينهم 7 أطفال وسيدتان، في حين احتجزت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" 71 شخصاً بينهم 3 أطفال، كما ذكر التقرير أن المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني احتجزت 26 مدنياً بينهم 3 سيدات، وهيئة "تحرير الشام" اعتقلت 9 مدنيين.
وأوضح التقرير أن أكثر حالات الاعتقال كانت في حلب تلتها دير الزور ثم الحسكة ودرعا، مشيراً إلى أن الأشخاص جاء اعتقالهم على خلفية المشاركة في الحراك الشعبي، وضمن أي نشاط سواء كان سياسيا أو حقوقيا أو إعلاميا أو إغاثيا.
وأفاد التقرير أن الفروع الأمنية توجِه تهما إلى الغالبية العظمى من المعتقلين وتنتزع منهم الاعترافات تحت الإكراه والترهيب والتعذيب، ويتم تدوين ذلك ضمن ضبوط لتحول إلى النيابة العامة، ثم يتم تحويل الغالبية منهم إما إلى محكمة "الإرهاب" أو محكمة "الميدان العسكرية"، مؤكداً أن هذه المحاكم لا تحقق أدنى شروط المحاكم العادلة، وهي أقرب إلى فرع عسكري أمني.
الاعتقالات في مناطق سيطرة النظام
وقالت الشبكة إن قوات النظام لم تتوقف عن ملاحقة واستهداف المدنيين في مناطق سيطرتها على خلفية معارضتهم السياسية وآرائهم المكفولة بالدستور السوري والقانون الدولي، الأمر الذي يُثبت حقيقة أنه لا يمكن لأي مواطن أن يشعر بالأمان من الاعتقالات، لأنها تتم من دون أي ارتكاز للقانون أو قضاء مستقل، حيث تتم عمليات الاعتقال عبر الأجهزة الأمنية بعيداً عن القضاء وغالباً ما يتحول المعتقل إلى مختف قسرياً ولذا فإن مناطق سيطرة النظام لا يمكن أن تشكِّل ملاذاً آمناً للمقيمين فيها، وليست ملاذاً آمناً لإعادة اللاجئين أو النازحين.
وأكَّد التقرير أنه لن يكون هناك أي استقرار أو أمان في ظل بقاء الأجهزة الأمنية ذاتها، التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية منذ العام 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن، مشيراً إلى أنه من خلفيات الاعتقال/ الاحتجاز التي سُجلت في أيلول، استمرار قوات النظام في ملاحقة واعتقال الأشخاص الذين أجروا تسوية لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها أن وقَّعت اتفاقات تسوية مع النظام، وتركَّزت هذه الاعتقالات في محافظتي ريف دمشق ودرعا.
وسجل التقرير أيضاً عمليات اعتقال نفذتها فروع الأمن الجنائي في حمص وحلب ودمشق استهدفت المدنيين بينهم طلاب جامعيون بذريعة تواصلهم مع جهات إعلامية خارجية والحديث عن تردي الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة النظام بالإضافة إلى عمليات اعتقال استهدفت عدداً من المدنيين التجار وأصحاب رؤوس الأموال، وذلك على خلفية إيقاف أنشطتهم التجارية ومحاولتهم مغادرة البلاد، ووجهت إليهم تهم ممارسة أعمال من شأنها المساس بهيبة "الدولة".
وتركزت الاعتقالات في مدينة حلب، كما تم اعتقال أشخاص في دير الزور خلال مرورهم على إحدى نقاط التفتيش التابعة للنظام عند المدخل الجنوبي للمدينة، في حين كانوا في طريقهم من مدينة دير الزور إلى دمشق. وأيضاً اعتقلت قوات النظام اللاجئين الفلسطينيين، عبر عناصر "لواء القدس" خلال مداهمة مكان إقامتهم في مخيم النيرب للفلسطينيين في حلب.
وأكد التقرير أنه تم تسجيل عمليات اعتقال استهدفت المدنيين على خلفية محاولتهم السفر خارج مناطق سيطرة قوات النظام، وتركزت هذه الاعتقالات في مدينة دمشق.
الاعتقالات في مناطق سيطرة "قسد"
وأكد التقرير أن "قسد" استمرت في سياسة الاحتجاز التَّعسفي والإخفاء القسري خلال أيلول الفائت، مع ارتفاع في حالات الاحتجاز والاختفاء القسري لديها، وذلك عبر حملات دهم واعتقال جماعية استهدفت بها مدنيين بذريعة محاربة خلايا تنظيم الدولة، وأن بعض هذه الحملات جرت بمساندة مروحيات تابعة لقوات التحالف الدولي.
ورصد التقرير عمليات اختطاف طلاب ومدرسين وأعضاء في "المجلس الملّي للسريان الأرثوذكس"، وذلك على خلفية انتقادهم ورفضهم المنهاج التعليمي الذي تفرضه "قسد" في مناطق سيطرتها، بالإضافة إلى اعتقال أعضاء في الحزب "الديمقراطي الكردستاني" وذلك لمشاركتهم في مُظاهرة مُناهضة لـ "قسد" تنتقد الأوضاع المعيشية والخدمية والاعتقالات في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
واختطفت "قسد" في أيلول الفائت من مناطق سيطرتها أطفالاً بهدف اقتيادهم إلى معسكرات التدريب والتجنيد التابعة لها وتجنيدهم قسرياً، ومنعت عائلاتهم من التواصل معهم.
الاعتقالات في مناطق سيطرة هيئة "تحرير الشام"
وسجل التقرير عمليات احتجاز نفذتها هيئة "تحرير الشام" بحق مدنيين، تركزت في محافظة إدلب، حيث شملت ناشطين إعلاميين وسياسيين، ومعظم هذه العمليات حصلت على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة الهيئة لمناطق سيطرتها، لافتاً إلى أن عمليات الاحتجاز جرت بطريقة تعسفية على شكل مداهمات واقتحام وتكسير أبواب المنازل وخلعها، أو عمليات خطف من الطرقات أو عبر نقاط التفتيش المؤقتة.
وبيّن أن عمليات الاعتقال التي نفذتها الهيئة في بلدة كفريا بريف إدلب الشمالي، جاءت على خلفية خروج مظاهرة مناهضة لـ "الحزب الإسلامي التركستاني" في بلدة الفوعة، وذلك رداً على إبلاغ الحزب عدداً من النازحين في كفريا بالخروج من منازلهم للاستيلاء عليها من قبله، واعتقال الحزب للمدنيين لرفضهم الخروج من المنازل التي يريد الحزب الاستيلاء عليها.
وبحسب التقرير نفذت المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني عمليات احتجاز تعسفي وخطف لم تستثنِ النساء، معظمها حدث بشكل جماعي، استهدفت القادمين من مناطق سيطرة النظام، بالإضافة إلى حالات احتجاز جرت على خلفية عرقية، وتركزت في مناطق سيطرتها في حلب، وحدث معظمها من دون وجود إذن قضائي ومن دون مشاركة جهاز الشرطة (الجهة الإدارية المخولة بعمليات الاعتقال والتوقيف عبر القضاء،) ومن دون توجيه تهمٍ واضحة.
وسجل التقرير عملية اختطاف لمدني من قبل عناصر تابعة لـ "الفرقة 20 /صقور السنة" إحدى تشكيلات الجيش الوطني، حيث تم "تعذيبه بطريقة وحشية، بعد تعريته بشكل كامل، وتصوير عملية التعذيب وإجباره على الاعتذار ثم إطلاق سراحه".
وطالبت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقريرها أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا بالتوقف فوراً عن عمليات الاعتقال التَّعسفي والإخفاء القسري، والكشف عن مصير جميع المعتقلين/ المحتجزين والمختفين قسرياً، والسماح لذويهم بزيارتهم، وتسليم جثث المعتقلين الذين قتلوا بسبب التعذيب إلى ذويهم.
وأكَّد التقرير على ضرورة تشكيل الأمم المتحدة والأطراف الضامنة لمحادثات أستانا لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري، والتَّقدم في عملية الكشف عن مصير 102 ألف مختفٍ في سوريا، 85 % منهم لدى النظام، والبدء الفوري بالضَّغط على الأطراف جميعاً من أجل الكشف الفوري عن سجلات المعتقلين لديها، وفق جدول زمني، والتصريح عن أماكن احتجازهم والسماح للمنظمات الإنسانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم مباشرة، مشددةً على ضرورة إطلاق سراح الأطفال والنِّساء والتَّوقف عن اتخاذ الأُسَر والأصدقاء رهائنَ حرب.
وقالت الشبكة، في آب الفائت، إن المختفي وذويه يعانون من الألم والفقدان بشكل لحظي، وإن عدد المختفين قسرياً منذ آذار من العام 2011 حتى آب 2021، بلغ نحو 102287 معظمهم محتجزون لدى النظام، الذي يخفيهم بهدف تحطيمهم وترهيب الشعب بكامله.