"بعيدٌ على قُرْبٍ قريبٌ على بُعْدِ"؛ شطرٌ يصف العلاقة بين السوري واللغة التركية، تستعيره المادة الصحفية من ابن الرومي العباسي، وتُسقطه على واقع معاصر في زمن يعيش فيه السوري "غريبَ الوجهِ واليدِ واللسانِ" وفق تعبير المتنبي.
تُعد اللغة التركية من بين المصاعب التي يواجهها السوريون في تركيا والتي تقف عائقاً بينهم وبين الاندماج مع الأتراك على الرغم من لجوئهم إليها منذ سنوات، إلا أن معظم اللاجئين السوريين في تركيا لا يتحدثون اللغة التركية مكتفين بتعلم بعض الكلمات التي يستخدمونها في حياتهم اليومية ليس أكثر.
وهناك أسباب عدة تمنع السوريين في تركيا من تعلم لغة البلد الذي يقيمون فيه، منها ساعات العمل الطويلة التي لا تسمح لهم بتعلم اللغة التركية، وشعور معظمهم بعدم الاستقرار، بالإضافة إلى خلق مجتمع سوري داخل المجتمع التركي جعل بعضهم يشعر أنه ليس بحاجة إلى تعلم اللغة والاكتفاء بحفظ بعض الكلمات والجمل البسيطة التي تساعدهم في حياتهم اليومية ليس أكثر.
ظروف دفعت بعضهم إلى تعلم اللغة التركية
بدأ السوريون اللجوء إلى تركيا منذ العام 2012 ولكن بأعداد قليلة، حيث اضطرت معظم هذه الفئات إلى تعلم لغة البلد، بسبب اختلاطهم بالشعب التركي وعملهم معه، وعدم وجود سوريين أو أشخاص يتحدثون اللغة العربية، ليجدوا أنفسهم مرغمين على تعلم لغة البلد للعيش فيه وتدبير أمورهم الحياتية، وإن كان وجودهم فيها مؤقتاً لبضعة أشهر كما كان يظن البعض، لكنه سيتعلم لغة ربما تفيده في المستقبل.
وقال خلدون العدي سوري مقيم في تركيا لموقع تلفزيون سوريا إنني "جئت إلى إسطنبول نهاية العام 2012 ولم أكن أعلم شيئا عن لغة هذا البلد، حيث عانيت كثيراً بسبب عدم وجود أشخاص يتحدثون اللغة العربية، لذلك بدأت أتعلم لغة البلد حتى أتمكن من تدبير أموري اليومية، وأصبحت أحفظ بعض الكلمات التركية من الإنترنت أو من خلال كتب تعلم اللغة وأتحدث مع الأشخاص الذي كنت أعمل معهم حتى تمكنت بعد عام من إتقان المحادثة بشكل جيد"، مضيفاً أن الأمر الذي سهل عليه تعلم اللغة هو عدم وجود من يتحدث العربية، لأنه كان سيعتمد عليه في الترجمة.
وأكد محمد الخلف الذي لجأ إلى تركيا في العام 2014 ما قاله العدي لموقع تلفزيون سوريا إن عدم وجود من يتحدث العربية كان له تأثير إيجابي على السوريين الذين لجؤوا في البداية إلى تركيا، لأنهم وجدوا أنفسهم مرغمين على تعلم اللغة ليتمكنوا من العيش في فيها.
وأشار إلى أنه في المقابل هناك أشخاص لم يكن لديهم الرغبة في تعلم اللغة التركية لأنه كان باعتقادهم أنهم سيمكثون في تركيا بضعة أشهر ثم سيعودون إلى سوريا، أو أنهم لن يستقروا فيها وسيهاجرون إلى أوروبا، والكثير من هؤلاء لجؤوا إلى أوروبا خاصة في العام 2015 ومنهم من استقر في تركيا لكن الكثير منهم لا يتحدث اللغة التركية إلى الآن.
ساعات عمل طويلة
تعمل نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين في تركيا بالعمالة أو في المناطق السياحية، والأفضل حالاً في شركات السياحة أو المراكز الطبية، حيث يقضي من يعملون في "ورشات" الخياطة أو الأحذية أو غيرها نحو 12 ساعة عمل تشمل ساعات العمل الإضافي، ولا يستطيع هؤلاء ممارسة حياتهم الطبيعية حتى يتمكنوا من تعلم اللغة خاصة أن معظم المصانع التي يعملون فيها إما يملكها سوريون أو نسبة السوريين فيها كبيرة وهو ما يجعلهم يتحدثون العربية.
وقال عبد الله وهو يعمل في ورشة لصناعة "الإكسسوارات" لموقع تلفزيون سوريا "جئت إلى تركيا في العام 2016 وعملت في العديد من المهن وجميع من عملت معهم سوريون، وأنا أقضي ساعات طويلة في العمل لا تمكنني من تعلم اللغة التركية، ولو رغبت في التسجيل بأحد المعاهد أو مراكز تعليم اللغة، لا أملك الوقت سوى يوم الأحد والذي أخصصه لراحتي أو لقضاء يوم خارج المنزل بصحبة الأصدقاء أرفه به عن نفسي".
وتابع "عندما جئت إلى تركيا عشت أقل من عام في مدينة الريحانية، لم أشعر خلالها أنني خارج سوريا فمعظم سكان هذه المدينة من السوريين، الأمر الذي يجعلك لا تضطر لتحدث التركية، حتى الأتراك في هذه المدينة يتحدثون العربية، ولكن عندما قدمت إلى إسطنبول شعرت في البداية بضرورة تعلم اللغة التركية لأنها مدينة كبيرة والسوريون موزعون فيها بمناطق محددة، ولكن عندما عملت مع السوريين وأقمت معهم لم أعد أشعر بالحاجة إلى تعلم اللغة التركية.
مجتمع سوري داخل مجتمع تركي
ارتفع معدل لجوء السوريين إلى تركيا بسبب تصاعد عنف النظام وقصفه مناطق معارضيه وملاحقتهم، لتكون تركيا ملاذهم الآمن، خاصة أن الحدود كانت مفتوحة بين البلدين، ومع لجوء عدد كبير من السوريين وعدم تعلم معظمهم للغة التركية بدؤوا بشكل أو بآخر بتشكيل مجتمع خاص بهم داخل المجتمع التركي، الأمر الذي كرس وخاصة عند الأشخاص الذي تجاوزت أعمارهم الـ 30 عاماً عدمَ الحاجة إلى تعلم اللغة، حيث أصبح يتسوق من المحال السورية ويذهب للعلاج في المراكز الطبية الخاصة بالسوريين، ويعتمد في تسيير جميع أموره اليومية على السوريين، وبذلك أصبح يبتعد شيئاً فشيئاً عن الاختلاط بالشعب التركي، إلا في الأمور التي تتطلب مراجعة الدوائر الرسمية، وبعض الأمور الأخرى.
وأفاد عماد لموقع تلفزيون سوريا وهو يعمل في مجال البرمجة وتصميم المواقع الإلكترونية "جئت إلى تركيا في العام 2016 ولم أجد نفسي بحاجة إلى تعلم اللغة في بادئ الأمر بسبب وجود السوريين الذين آخذ جميع احتياجاتي من خلالهم فهم أصبحوا يعملون في مختلف المجالات، بالإضافة إلى أن مجال عملي لا يتطلب الاحتكاك بالأتراك، فأنا أعمل مع شركات عربية داخل وخارج تركيا".
"ولكن في الآونة الأخيرة شعرت أنني بحاجة إلى تعلم اللغة التركية لأنها أساس للاندماج في المجتمع، بالإضافة إلى أنها من المحتمل أن تفتح أمامي أبواب عمل إضافية مع الشركات التركية، وبين الحين والآخر أعزم على التسجيل في دورة لتعلم اللغة التركية لكنني أنسحب منها، وذلك لشعوري بعدم تمكني من تحدث التركية لأن جميع محيطي من السوريين والعرب.
وقالت رنده وهي ربة منزل تعيش في تركيا لموقع تلفزيون سوريا "إنني لجأت إلى تركيا في العام 2015 وعملت في سوق الأميننو الذي يقصده السياح وخلال فترة عملي لمدة عام تعلمت العديد من الكلمات وأصبحت أتحدث التركية بشكل متواضع ولكنني بدأت أنسى ما تعلمته عندما، بسبب عدم ممارستي للغة.
وأضافت "إنني لم أعد أستخدم التركية إلا نادراً فنحن في المنزل كما الجميع نتحدث العربية وجميع صديقاتي عربيات، وعائلتي هنا نتحدث العربية أيضاً، حتى أصبحت أشعر بعدم إفادة اللغة التركية في حال تعلمتها.
وقالت إن أطفالي يتحدثون التركية بطلاقة حيث تعلموها في المدرسة وأصبحت أستعين بهم للترجمة في حال اضطررت إلى أمر ما ولم تسعفني لغتي التركية البسيطة التي أصبحت أفقدها شيئاً فشيئاً.
تركيا لم تجبر السوريين على تعلم اللغة التركية كما دول الاتحاد الأوروبي
لم تجبر تركيا السوريين الذين لجؤوا إليها على تعلم اللغة التركية كما دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل معظم السوريين في تركيا يتراخون في موضوع تعلم اللغة، والاندماج مع المجتمع التركي، فلم تُعلن الحكومة سوى عن دورة في العام 2019 وحتى الآن تحت مسمى "دورة اندماج" وهي تُقام في البلديات والهدف منها التعرف إلى قوانين البلد والأساسيات البسيطة للغة، ومدة الدورة 8 ساعات فقط على مدى يوم أو يومين، وهي لا تعد دورة لغة تركية.
وعاد عدم تعلم السوريين للغة التركية بالأثر السلبي عليهم، فهي وقفت حاجزاً بينهم وبين الشعب التركي الذي يدعو السوريين بشكل مستمر إلى تعلم لغة البلد حتى يتمكنوا من التواصل معهم والتعرف إلى ثقافة المجتمع التركي وقوانينه.
ووصل عدد اللاجئين السوريين في تركيا المسجّلين تحت بند الحماية المؤقتة إلى 3 ملايين و710 آلاف، بينما وصل عدد السوريين حاملي إقامات العمل والدراسة نحو مليون و207 آلاف سوري، وذلك وفق إحصائية صرح بها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو منتصف أيلول الجاري.