يستعد السوريون في مصر لاستقبال عيد الأضحى للسنة الثالثة عشرة على التوالي، وسط ظروف اقتصادية متردية نتيجة لارتفاع الأسعار المستمر بعد انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويجد السوريون صعوبة في الحفاظ على عاداتهم في عيد الأضحى المتمثلة بذبح الأضحية، وشراء الملابس، وصنع الحلويات.
تضاعفت أسعار اللحوم خلال الأشهر الماضية، حيث تتراوح الأسعار بين 350 و 450 جنيها للكيلو بعد أن كانت 150 جنيها، وارتفع سعر الأضاحي لتصل إلى نحو 13 ألف جنيه للخاروف الواحد (430 دولاراً أميركياً) بعد أن كان 6 آلاف في عيد الأضحى الماضي.
كما ارتفعت أسعار المواد الأولية المستخدمة في صنع الحلويات، الطحين والسكر والمكسرات، ارتفاعا يصل إلى الضعف، مما جعل السوريين في مصر يضطرون لبدائل أرخص ثمناً.
يقول عبد الغني محمد، سوري مقيم في منطقة المعادي، استطعت العام الماضي أن أذبح خاروفا وأضحي عن والدي المتوفى، ولكن أسعار الأضاحي تضاعفت هذا العيد جعلتني أعدل عن هذه الفكرة على الرغم من أني كنت أضحي كل سنة.
يضيف عبد الغني، أعتقد أن الأضحية في هذه الأوضاع أصبحت "لمن استطاع إليها سبيلا"، حيث إن أوضاع الطبقة المتوسط أصبحت صعبة جدا، ناهيك عن ذوي الدخل المحدود الذين كانوا ينتظرون العيد من أجل الحصول على اللحوم ممن يستطيعون الهدي.
بدورها، رغد الحمصي، تشتكي من ارتفاع الأسعار بشكل عام في مصر نتيجة الأزمة المالية والتضخم.
تقول رغد، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، لا نستطيع هذا العام، تقديم أضحية لأنه مع الارتفاع الجنوني للأسعار أصبحت الرواتب بالكاد تكفي لتأمين المعيشة.
وتضيف، تستغني العائلات عن العديد من المواد والكماليات في البيت والبحث عن السلع الأقل سعراً من أجل أن يكفي الراتب إلى آخر الشهر.
اضطرت رغد لصنع حلويات العيد في المنزل لكي لا تحرم أطفالها من بهجة العيد وضيافته.
وتشير رغد إلى أنها بدأت منذ شهرين بشراء المواد المستخدمة بصناعة الحلويات تدريجيا للتخفيف من الأعباء المالية على زوجها المعيل الوحيد للعائلة.
وبالنسبة لملابس العيد، تقول رغد، أحاول البحث عن الأماكن الأقل سعرا لكي لا يشعر أولادي بالنقص.
استعداد اللحامين السوريين
يستعد اللحامون (الجزارون) في مدينة "السادس من أكتوبر"، التي تضم أكبر تجمع للسوريين في مصر، للعيد عبر شراء الخراف ووضعها أمام محالهم.
يقول سالم أبو نذير، صاحب محل جزارة في السادس من أكتوبر، تضاءلت أعداد السوريين الراغبين بشراء الأضحية هذا العام بسبب غلاء الأسعار، وحتى بالنسبة لنا كجزارين فإن الأسعار أصبحت غير محتملة.
يضيف سالم، هناك العديد من المحال أقفلت بسبب الغلاء، حيث زادت كلفة الأعلاف وصعوبة الحصول عليها وأصبحت تربية المواشي أكثر صعوبة على المربيين سواء من السوريين أو المصريين.
كل ما سبق زاد من ارتفاع أسعار الخراف والبقر، مما جعل بعض الجزارين يقفلون المحال والبحث عن مصدر رزق آخر.
أسعار اللحوم
بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في تقرير عن حجم التضخم في شهر أيار/مايو الماضي، فقد ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 87.9% عن أسعارها في الشهر نفسه من العام الماضي.
وأشار التقرير إلى عزوف المصريين عن استهلاك البروتين الحيواني وبخاصة اللحوم الحمراء، وتراجع استهلاكهم للحوم بنسبة 85% في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
من جهة أخرى، أعلنت بعض المطاعم السورية عن خدمة توفير مواشي تابعة لمزارع خاصة بها، بأسعار السوق المصري، مع إمكانية ذبحها وتقطيعها وفرزها بمبالغ تختلف حسب المطعم.
يقول أحمد الصباغ صاحب أحد المطاعم بمنطقة الرحاب في القاهرة، يزداد عملنا بالمواسم، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار ما زال بعض السوريين والمصريين مستمرين بأداء الشعائر الدينية والذبح.
ويضيف، على الرغم من تضاؤل عدد الذين يضحون، ولكن هناك أصحاب أموال يضحون ويساعدون الفقراء.
ويوضح أحمد، يتراوح سعر الخاروف بين 11 و13 ألف جنيه، وأجرة الذبح والتقطيع نحو 700 جنيه داخل المطعم.
ويقول أحمد، نذبح الخاروف ونقطعه ونضعه في أكياس، كما نقدم بعدها خدمة توصيله إلى منزل المشتري مما يسهل عليه عملية التوزيع.
أعمال موسمية
تعمل العديد من النساء السوريات في أعمال بسيطة تزدهر بموسم الأعياد، فمنهن من تصنع الحلويات، وبعضهن يسوقن للملابس عبر الإنترنت، كما يعمل عدد منهن في التجميل ويقدمن خدمة الذهاب للمنازل بأسعار أقل من السوق.
هنادي الخجا، سورية تقيم في منطقة "العاشر من رمضان"، تعمل في صناعة الحلويات في المنزل في الأيام العادية وتوصلها للمنازل.
تقول الخجا، يزداد الطلب على الحلويات في الأعياد، وعلى الرغم من غلاء الأسعار أحاول تخفيض أسعار البيع، حتى لو كان المردود قليلا.
تضيف هنادي، أقوم بأخذ الطلبات عبر الإنترنت أو عبر التلفون مع تحويل عربون صغير، ثم أعد الحلويات قبل العيد بأيام وأرسلها لمنازل المشترين، أحاول بهذا العمل مساعدة زوجي بتغطية المصاريف فلم يعد راتب واحد يكفي.
بدورها، صفاء تيسير تقول، أعمل في مجال الحلاقة والتجميل، وفي العيد يزداد الطلب فأذهب إلى منزل الزبونة بأسعار أقل من صالونات التجميل.
تضيف صفاء، أسعار المواد في ارتفاع مستمر ولكن أصحاب الصالونات يبالغون في الأسعار، مما جعل العديد من السيدات يلجأن إلى من يأتي إلى المنزل بسعر أقل، وأحاول عبر هذا العمل برعاية أطفالي وتحسين معيشتي.
اختلاف مظاهر عيد الأضحى بين سوريا ومصر
تتمثل مظاهر عيد الأضحى عند السوريين بذبح الأضحية، وصنع النساء لحلويات العيد في المنزل، وشراء الملابس.
وعادة ما يستقبل السوريون العيد "بأكلة بيضاء" تعبيرا عن تمنيهم لسنة بيضاء خالية من المتاعب، فتعد النساء أكلات اللبن مثل (الكوسا بلبن، والشيشبرك، والشاكرية)، من ثم تبدأ طقوس زيارة الأقارب وتبادل العيديات، وزيارة المدافن، بالإضافة لمحاولة قضاء أيام العيد بطريقة مبهجة.
كما تصنع الحلويات في المنازل، ويتم شراؤها من المحال السورية التي تستعد أيضا في هذا العيد لصنع كميات كبيرة من الحلويات.
وتختلف طريقة المصريين في هذا العيد، فيطلق عليه اسم"عيد اللحمة" حيث يقوم المصريون بذبح الأضاحي، وتناول اللحوم كافة أيام العيد، وتوزيعها على المحتاجين.
ويبدأ المصريون اليوم الأول بوجبة معروفة في البلاد باسم"الفتة" مكونة من الأرز والخبز والطماطم وقطع كبيرة من اللحوم، ونادرا ما تصنع هذه الأكلة خارج أيام العيد.
كما تقوم العائلات المصرية باختيار يوم في العيد غالبا ما يكون اليوم الرابع، تجتمع فيه العائلة وتعد اللحوم للشوي وسط طقوس عائلية جميلة.
أما بالنسبة للحلويات فهي مقتصرة على عيد الفطر، فلا يصنعون الحلويات، ولايقومون بشرائها في عيد الأضحى، وتقتصر الضيافة في هذا العيد على تقديم وجبات مكونة من اللحوم.