شهد الأسبوع الفائت في لبنان زيادة في وتيرة الهجوم على سوريين، حيث قتل الفتى خالد حمود الصالح (14 عاماً) على يد عائلة لبنانية، وأدلت الإعلامية اللبنانية داليا أحمد بتصريحاتها العنصرية، كما أضرم عدد من الشبان النار داخل مخيم للنازحين السوريين في عكار، الأمر الذي سبب قلقاً لدى السوريين من تنامي معاداتهم، وارتباط ذلك بالتدهور المتسارع للظروف المعيشية في البلاد المتعبة منذ أكثر من عامين.
وازداد قلق السوريين بعد أن كشف وزير المهجرين اللبناني بداية الشهر الجاري عن خطة الدولة اللبنانية لإعادة 15 ألف سوري شهرياً إلى بلادهم.
وتسبب العنف الذي مارسته قوات النظام عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، بأكبر أزمة لاجئين في العقدين الأخيرين، وكانت انعكاسات أزمة اللاجئين هي الأكبر على دول الجوار لسوريا، مما شكل ضغطاً كبيراً على حكومات هذه البلدان، وجعل وضع اللاجئين السوريين ورقة استغلال سياسي وضغط داخلي أو خارجي لهذه الحكومات.
ويعتبر الوضع في لبنان أكثر حرجاً، حيث يعيش أكثر من 90% من السوريين في فقر مدقع، وذلك بحسب تقرير لمفوضية شؤون اللاجئين، ومن العام 2011 حتى العام 2014 وتحديداً بتاريخ 3 نيسان 2014، تمّ تسجيل اللاجئ السوري الرقم مليون في لبنان.
واستمرت موجة اللجوء السوري إلى لبنان بعد تدخل "حزب الله" اللبناني في المعارك الدائرة في سوريا عسكرياً إلى جانب النظام السوري، وتحديداً على امتداد الحدود اللبنانية السورية، كما أن الأمين العام للحزب "حسن نصر الله" دعا في أكثر من كلمة له القوى التي تعارضه في لبنان لمواجهته في سوريا، ما خلق موجة كبيرة من اللجوء إلى خارج الأراضي السورية، أبرزها لبنان.
وما كان هناك من ردة فعل للقوى السياسية اللبنانية على تدفق اللاجئين سوى اعتباره سلبياً، حيث تركتهم الحكومة اللبنانية من غير مساعدة أو دعم أو حتى تنظيم لمخيماتهم، إضافةً إلى المشكلات الحاصلة بين اللاجئين السوريين والمواطنين اللبنانيين، ما خلق توتراً في العلاقة بينهم.
بالأرقام والإحصائيات
عام 2012 ازداد عدد اللاجئين السوريين إلى قرابة 150 ألفاً؛ ومع حلول عام 2013 ارتفع العدد إلى 463 ألفاً، وبحلول تشرين الأول عام 2014، وتحديداً بعد عودة "فوز بشار الأسد بانتخابات الرئاسة السورية"، وفي الوقت ذاته شن حزب الله معركة ضخمة ضد أهالي القصير في حمص، ما خلق موجة لجوء جديدة، ليبلغ عدد السوريين في لبنان مليوناً و151 ألف سوري.
وبحسب إحصائية لمفوضية شؤون اللاجئين فإن 12% من اللاجئين السوريين يعيشون في مستوطنات غير رسمية (مثل الخيَم والمساكن الخشبية والبلاستيكية)، ويعيش 17٪ في المباني غير السكنية (مواقع العمل والمحال التجارية وأقبية مبان أو معامل مهجورة)، في حين يعيش 71٪ في منازل أو غرف صغيرة.
ومخيمات اللاجئين مبنية بطريقة عشوائية على أراضٍ مُستأجرة من قبل منظمات وجمعيات وأفراد داعمين، ولكن مع طول أزمة اللجوء السوري وتراجع دعم المنظمات التي تُعنى بشؤون اللاجئين، إضافة إلى عدم التزام الدول الداعمة بالدفع للمفوضية، والأزمة الاقتصادية؛ جعلت اللاجئ يواجه ظروفاً قاهرة.
انخفاض بعد ارتفاع
وفي نهاية عام 2020، تم تسجيل نحو 865,531 لاجئاً، أي انخفاض (بنسبة 5.4٪) منذ نهاية عام 2019.
كان لهذا الانخفاض أسباب عدّة، أبرزها انخفاض العمليات العسكرية في سوريا في العديد من المناطق، خاصةً بعد التدخل العسكري الروسي مسانداً نظام الأسد، وبدء انتفاضة 17 تشرين 2019 في لبنان، وذلك خوفاً من اندلاع حرب في لبنان كما حصل في سوريا، أضف إلى ذلك موجة الترحيل للسوريين منذ أوائل العام ذاته، وتوجه آلاف اللاجئين إلى أوروبا إما من خلال عمليات إعادة التوطين أو بطريق غير شرعية من خلال مهربين.
معاناة تتكرر سنوياً
هذه الظروف ليست جديدة، ففي كل عام نرى معاناة اللاجئين تتكرر من انهدام خيم فوق قاطنيها أو غرقها أو احتراقها أو ارتفاع نسبة العبء والحرارة وغيرها، حيث تسجل عدة وفيات سنوياً لأطفال يقضون تحت الخيم المهدمة عليهم من جراء العواصف، وآخرين حرقاً، وغيرهم تجمداً من البرد، إضافة إلى الأمراض الجلدية والرئوية.
وتأتي هذه الحالات بالدرجة الأولى في عرسال ثم البقاع ثم الشمال اللبناني، وهذه المناطق في أساسها مناطق ذات بيئة محرومة، ما أدى إلى ضغط إضافي، حيث إن اللبنانيين المنحدرين من تلك المناطق، باتوا شاهدين على حصول اللاجئين السوريين لبعض المساعدات، في الوقت الذي لا تؤمن لهم دولتهم أية مساعدة، مما شكل حالة غضب، وزاد هذا الموضوع من خطاب الكراهية تحديداً، والذي أتبعته بعض القوى السياسية اللبنانية المعارضة لوجود اللاجئين السوريين، وكان آخرها تصريحات بعض الساسة أن اللاجئ السوري يحصل على مخصصاته المالية من مفوضية شؤون اللاجئين "بالفريش دولار" (خاصةً بعد ارتفاع الدولار مقابل الليرة اللبنانية 20 ضعفاً عما كان عليه).
المساعدات الأممية للسوريين.. البنوك تبتلع ربع المبلغ
وأكد عاملون إنسانيون ولاجئون سوريون لموقع تلفزيون سوريا عدم صحة هذه الادعاءات، لأن سياسة مصرف لبنان لا تعطي قيمة المساعدات على الدولار، إنما تقوم بتصريفها لهم بحسب سعر صرف تحدده وفق ما تريد "وعلى ذوقها".
وقالت المتحدثة باسم مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان دلال حرب لموقع تلفزيون سوريا: "إن وضع اللاجئين السوريين في لبنان بحالة تفاقم متزايد بفعل تداعيات الأزمة الاقتصادية في لبنان وما سبقها من أزمات متعاقبة كجائحة كورونا، ما يعني بأن الاحتياجات في تزايد مستمر ومتصاعد يوماً بعد يوم".
ومنذ بدايات الأزمة الاقتصادية وتدهور سعر صرف العملة اللبنانية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، قامت المفوضية بزيادة قيمة المساعدات للاجئين السوريين، ولكن هذه المساعدات لا تكفي. ولهذا لا تنفكّ المفوضية عن مناشدة المجتمع الدولي للاستمرار في مساعدة لبنان، لا سيما أنه بأزمة خانقة.
ويقدم برنامج الأغذية العالمي المساعدة لأكثر من مليون شخص في جميع أرجاء لبنان -بما في ذلك المواطنون اللبنانيون واللاجئون السوريون. أي 1 من كل 6 أشخاص في جميع أرجاء البلاد.
ويخصص برنامج الغذاء العالمي للاجئ السوري شهرياً 27 دولاراً أميركياً، أي ما يعادل اليوم بسعر صرف السوق السوداء 780 ألف ليرة لبنانية، لكن المبلغ الذي يصل إلى المستفيد 500 ألف ليرة لبنانية فقط (17 دولاراً أميركياً)، لأن البنوك تسلم المبلغ بالليرة التركية بحسب سعر صرفها، ولذا فإن ما يقارب 300 ألف ليرة لبنانية أي 10 دولارات يخسرها اللاجئ السوري شهرياً لصالح الجهة القابضة للمساعدات بالدولار الأميركي والمسلّمة للمساعدات إلى اللاجئين.
وبناء عليه، فإن اللاجئ يحصل على المساعدة الأممية المخصصة له بالعملة اللبنانية، ليس كما أُرسلت إليه.
معاناة صحيّة
قال الدكتور فراس الغضبان مدير فريق إيما الطبي الذي يُعنى بالوضع الصحي في بعض مخيمات اللاجئين السوريين في البقاع: "إن نسبة كبيرة من اللاجئين الذين وصلوا إلى لبنان منذ بداية الثورة السورية، يؤكدون على أن المساعدات قد قلّت كثيراً عما كانت عليه سابقاً، ويعود السبب إلى ضعف إمكانيات الحكومة اللبنانية والجمعيات الداعمة في الثلاث سنوات الأخيرة".
وأضاف لموقع تلفزيون سوريا: "إن استراتيجيات الأمم المتحدة وشؤون اللاجئين قد تغيرت من سنة لأخرى نحو الأسوأ، ويعود السبب لعدة عوامل أثّرت سلباً على الأوضاع الصحية للاجئين، فهناك قسم كبير من الأمراض والحوادث غير مغطّاة من قبل المنظمات الداعمة، وأصبح علاج الأمراض المزمنة شاقاً بالنسبة للمرضى".
ويقول منسق مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال ماهر المصري عن الأسباب التي أدت إلى تراجع أحوالهم: "هناك لاجئون أتوا عام 2012 و 2013 أي أن عمر خيام هؤلاء يقارب العشر سنوات، وطبعاً المعاناة السنوية دائمة ومستمرة بالنسبة للاجئين السوريين".
وعن الوضع السكني قال المصري لموقع تلفزيون سوريا: "إن اللاجئ السوري يقطن داخل خيمة، في فصل الصيف لا تقيه الحر الشديد، وفي الشتاء لا تقيه البرد القارس، وهذا ما يؤثر على الصحة، خاصةً الأطفال، فهذه الخيم مصنوعة من مواد بلاستيكية، ما يجعل الحر أشد والبرد اقسى فيها".
وأضاف: "في فصل الشتاء الماضي كانت المعاناة كبيرة بسبب ارتفاع اسعار المحروقات مما جعلها صعبة المنال، ولذا فإن أغلب اللاجئين استخدموا الملابس والأحذية البالية والمخلفات البلاستيكية للتدفئة".
وشدّدت منظّمة هيومن رايتس ووتش على أن سوريا غير آمنة للعودة.
ورداً على تصريحات وزير شؤون المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، أكدت المنظمة الدولية في بيان على أن "أي إعادة قسرية للاجئين السوريين ترقى إلى حد انتهاك التزامات لبنان الخاصة بالإعادة القسرية بعدم إعادة الأشخاص قسراً إلى بلدان يواجهون فيها خطراً واضحاً بالتعرض للتعذيب أو غيره من الاضطهاد".
واعتبرت المنظّمة أنَّ الإعادة القسرية غير قانونيّة وتخرق التزامات لبنان بصفته طرفاً في "اتفاقية مناهضة التعذيب" والقانون الدولي العرفي، ما يلزمه بعدم إعادة أو تسليم أفراد معرّضين لخطر التعذيب والاضطهاد.
وأضافت المنظمة أن لبنان يتبع أجندة واضحة تدفع نحو إعادة قسرية للاجئين، وأن المراسيم التي تصدرها الأجهزة الرسمية اللبنانية "صُمِّمَت لجعل حياة اللاجئين السوريين صعبة للضغط عليهم للمغادرة".
وكانت التقارير الحقوقيّة قد وثّقت أنَّ عدداً من اللاجئين السوريّين الذين عادوا بين 2017 و2021 من لبنان والأردن إلى سوريا تعرّضوا لتعذيب ممنهج واعتقال وإخفاء قسري وحتّى القتل.