icon
التغطية الحية

السوريون في لبنان تحت رحمة القيود المتزايدة وشبح الترحيل

2024.07.11 | 11:55 دمشق

السوري عابد علي إبراهيم أمام المبنى السكني الذي يقيم فيه في بيروت الغربية
السوري عابد علي إبراهيم أمام المبنى السكني الذي يقيم فيه في بيروت الغربية
The World- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كانت مها رحمة في السابعة من عمرها عندما توفيت جدتها التي تعاني من الزهايمر، ومنذ ذلك الحين، صارت تحلم بدراسة المخ البشري، واكتشاف أسباب المرض الذي أودى بحياة جدتها، وعن ذلك تعلق قائلة: "أريد مساعدة الناس على تجنب هذا المرض".

لكن ما خبأته الحياة لها كان مختلفاً تماماً، إذ عندما بلغت التاسعة، اندلعت الحرب في سوريا، وتعرضت مدينها حمص للحصار، وذلك عندما قطعت عنها قوات النظام أي اتصال بالعالم الخارجي لمدة فاقت العامين، وتتذكر مها من تلك الأيام القصف المتواصل ورصاص القناصة والجوع الذي دهم الناس.

تدبر أهل مها أمور الهرب، وتكدسوا في نهار بارد في شهر كانون الأول من عام 2013 في سيارة عمها التي أوصلتهم إلى لبنان، وتتذكر مها وجود بضع حواجز أمنية على الطريق، لكنهم قطعوها من دون أي إشكال.

كانت مها وأهلها من بين نحو 1.5 سورياً فروا إلى لبنان الذي يبلغ تعداد سكانه خمسة ملايين.

بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على قيام الحرب في سوريا، تحول لبنان إلى الدولة التي تستقبل أكبر عدد للاجئين السوريين في العالم بالنسبة لعدد السكان فيه، والآن أصبح السياسيون في لبنان يتحدثون عن ضرورة عودة اللاجئين لديارهم، وخلال الأشهر القليلة الماضية، صار معظم أصحاب الأعمال في لبنان يمتنعون عن توظيف السوريين، كما فرضت بلديات بعض المناطق قيوداً جديدة وصلت حد طرد المستأجرين السوريين بحسب ما ورد في تقارير إخبارية.

بالنسبة لمها، لم تعد حياتها في لبنان سهلة أبداً.

إذ طوال الأسابيع التي تلت انتقالها هي وأهلها إلى لبنان، بقيت تسمع أصوات القصف داخل رأسها، ولهذا صارت تستيقظ في منتصف الليل مفزوعة اعتقاداً منها أنها ماتزال في حمص.

وبالتدريج، بدأ أهل مها بتأسيس حياتهم في سهل البقاع وسط لبنان، حيث عمل والدها في الحدادة، أما زوجة أبيها فقد تطوعت لدى جمعية خيرية، في حين صارت مها ترتاد المدرسة.

تتذكر مها تلك الأيام فتقول: "كانت صعبة، لأن النظام التعليمي اللبناني أخذ يضع عقبة في طريقنا تلو الأخرى"، وتخبرنا مها بأنهم أجبروها على العودة سنة دراسية إلى الوراء لأنهم لم يعترفوا بعلاماتها الدراسية، وفي نهاية الأمر، نجحت مها في امتحانات الشهادة الثانوية عندما صار عمرها 23 عاماً، وأصبحت اليوم تدرس في جامعة خاصة بلبنان.

لم يكن علم الأعصاب خياراً مطروحاً في هذه الكلية كما تخبرنا مها، ولهذا اختارت أقرب فرع متوفر وهو الكيمياء الحيوية، وطوال بضع سنوات، شعرت مها بأنها تقترب أكثر فأكثر من الحصول على الشهادة الجامعية، إلى أن أتى وقت تجديد أوراق إقامتها.

أخبروها بأن عليها أن تأتيهم بشهادتها المدرسية من سوريا وأن تصدقها في لبنان، ولكن كلما حاولت أن تصدق شهادتها، صدمت بالبيروقراطية التي تعترض سبيلها.

ومن دون تجديد إقامتها، لم يعد بوسع مها مواصلة تعليمها، وهي ليست الوحيدة في هذا، إذ هنالك كثير من زملائها وزميلاتها السوريين الذين يتعرضون للمشكلات عينها.

العودة للوراء

زادت المشاعر المعادية للسوريين في لبنان منذ عام 2019، كما تخبرنا دلال حرب الناطقة باسم وكالة اللاجئين الأممية بلبنان، وتقول: "يعاني لبنان من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه المعاصر، والوضع ليس بالسهل مطلقاً".

خلال العام الماضي، تعرض نحو 14 ألف سورياً للترحيل أو لعمليات الصد على يد الجيش اللبناني بحسب ما أوردته منظمات إغاثية، وفي ذلك زيادة مرعبة مقارنة بالحالات الألف وخمسمئة الموثقة خلال العام الذي سبقه.

تخبرنا حرب أن مقتل السياسي المسيحي باسكال سليمان زاد من المشاعر المعادية للسوريين في لبنان، فقد اختطف هذا الرجل واغتيل في السابع من نيسان، وعقب يوم على ذلك، عثر على جثمانه في سوريا، فاتهم الجيش اللبناني سوريين باغتيال سليمان، وعن ذلك صرح ناجي إيميل حايك نائب رئيس التيار الوطني الحر المسيحي بلبنان، فقال: "لم يعد هنالك مجال لإقامتهم هنا، ولهذا عليهم أن يعودوا إلى سوريا"، وذكر بأن اللاجئين السوريين القادمين إلى لبنان يدعون أنهم هربوا من الحرب السورية، لكنهم في الحقيقة تحولوا إلى حالة غزو اقتصادية، ولهذا قال: "يزعمون بأنهم لا يستطيعون العودة إلى سوريا، ولكن الحقيقة هي أنهم هنا لأسباب مالية لأن بوسعهم هنا جني مال أكثر، لأن مفوضية اللاجئين وبعض الدول الأوروبية تكتفي بأن تقول لهم: إن بقيتم في لبنان، فسنعطيكم مئة أو مئتي دولاراً بالشهر، ولهذا ظلوا هنا".

بقيت الأعمال العدائية بين حزب الله وإسرائيل على أشدها في جميع الأوقات بحسب ما يراه حايك، ولهذا فإن لبنان لا يعتبر بلداً آمناً أكثر من سوريا، وعليه من الأفضل للسوريين العودة إلى بلدهم.

إلا أن منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية وثقت حالات لاعتقال قوات الأمن السورية للاجئين فور عودتهم مع تعرضهم للتعذيب والقتل.

وتعليقاً على ذلك صرحت آية مجذوب نائب المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا خلال شهر أيار بما يلي: "تتفق المنظمات الحقوقية بالإجماع على عدم وجود أي جزء آمن في سوريا أمام عودة اللاجئين، ولهذا ينبغي على السلطات اللبنانية وقف الترحيل السريع للاجئين إلى مكان يتعرضون فيه لانتهاكات، مع الدعوة لرفع القيود عنهم وإنهاء الحملة المشددة ضد اللاجئين، وبالشكل ذاته تلتزم دول الاتحاد الأوروبي قانونياً وأخلاقياً بالإحجام عن إعادة القوارب التي تحمل مهاجرين قسراً إلى لبنان".

تخبرنا حرب من مفوضية اللاجئين بأن معظم اللاجئين السوريين في لبنان ذكروا بأنهم يريدون العودة إلى سوريا، ولكنهم بحاجة للإحساس بالأمان ولتأمين احتياجاتهم الأساسية مثل السكن والرعاية الصحية حتى يعودوا إلى بلدهم، وتعلق على ذلك بقولها: "ليس مرد وجود اللاجئين السوريين في لبنان إلى المساعدات التي تقدم لهم، بل إن مرده هو الوضع في سوريا".

"ليست تلك هي الحياة التي أود أن أعيشها"

يخبرنا عابد علي إبراهيم الذي فر من سوريا إلى لبنان في عام 2014 بأن ما يقلقه هو أنه سيتعرض هو وأسرته إلى اقتلاع جذورهم من جديد، فقد بقي إبراهيم عاطلاً عن العمل لمدة أربعة أشهر بسبب رفض رب عمله السابق دفع تكاليف إقامته، وعن ذلك يعلق قائلاً من شقة صغيرة استأجرها هو وأهله في بيروت الغربية: "إن وضعي سيئ، فأنا عاطل عن العمل، ومازلت أدفع الإيجار وبدل الكهرباء وكل شيء آخر، لدرجة أننا نبقى بلا طعام في بعض الأحيان".

لدى إبراهيم ستة أولاد، اثنان منهم ولدا في لبنان، ولا يحمل أي منهم إقامة حسبما ذكر لنا، كما أن سوريا ليست آمنة بالنسبة لهم، ولهذا يقول: "إما أن تكون في صف النظام أو المعارضة، ولهذا فإن سوريا ليست آمنة بالنسبة لأولادي"، وحالياً، يعيش هذا الرجل في متاهة من الضياع حسبما أخبرنا، فهو لا يدري ماذا ينبغي عليه أن يفعل، ولا يمكنه أن يعمل من دون إقامة.

ومع قلة الخيارات أمامه، يخبرنا بأنه صار يفكر بخوض تلك الرحلة الخطرة بواسطة قارب ينقله إلى أوروبا، ويعلق على ذلك بقوله: "ليست تلك هي الحياة التي أريد أن أعيشها".

المصدر: The World