يزداد في أوساط السوريين في تركيا عرض الأثاث المستعمل للبيع نتيجة اضطرار ورغبة كثير منهم في السفر إلى أوروبا للبحث عن ملاذ جديد بعد تدهور أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية في تركيا.
تجارة المستعمل ليست جديدة على الأسواق التركية إلا أن الجديد مؤخراً عرض السوريين الأثاث بطريقة ملفتة ضمن مواقع التواصل.
في غضون ذلك، امتهن كثير من السوريين تجارة المستعمل في ظل وفرة المعروض وقلة فرص العمل، ويلعب بعضهم دور الوساطة بين البائع والمشتري للحصول على مبلغ من المال (عمولة) من الطرفين، بينما افتتح البعض منهم متجراً خاصاً لبيع المستعمل.
واللافت، على الرغم من زيادة العرض إلا أن الأسعار لا تزال مرتفعة بالنسبة للزبائن، وفقاً لعدد من التجار والوسطاء والزبائن.
الوساطة أو "الدلالة" مهنة جديدة في تجارة المستعمل
يعمل عمر العلي، سوري مقيم في ولاية أضنة، دور الوساطة بين تجار المستعمل وأصحاب الأثاث المعروض من خلال مجموعات الواتساب.
يكون دور الوسيط عرض الأثاث على التجار والزبائن مقابل الحصول على أجر مالي من الطرفين.
ويقول عمر (40 عاماً)، وهو رب أسرة مكونة من أربعة أطفال، إن حالي كحال كثير من الشباب ممن وجدوا العمل بالوساطة مصدر رزق.
ويضيف في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، أن هذا العمل ليس فيه خسارة أو تأمين رأس مال للعمل، وهو فرصة نشأت في ظل الظروف الصعبة.
ويشير عمر إلى أن العروض كثيرة ومعظمها أثاث منزلي اضطر أصحابه للسفر بداعي السفر إلى أوروبا.
ويوضح أن زيادة العرض لم تفض إلى انخفاض الأسعار، أولاً لأن أصحاب العفش في ظل ارتفاع الأسعار يظنون أنهم سيبيعون الأثاث بالسعر نفسه الذي اشتروا به الأثاث قبل سنوات أو أشهر.
وبحسب عمر، يلعب عامل الزمن دوره في هذه التجارة، فأصحاب الأثاث التركي لديهم وقت للمناورة والحصول على السعر الجيد.
أما السوريون فمجبرون بإخلاء المنزل والسفر لذلك يتم وضع الأثاث أمانة عند الأقارب أو الأصدقاء، وبالتأكيد لن تكون الفترة طويلة.
مهنة جديدة تنتشر في أوساط السوريين
وجد المدرس مصطفى الخلف، سوري مقيم في ولاية هاتاي جنوبي تركيا، في تجارة الأثاث المستعمل فرصة عمل بعد أن فقد عمله في التدريس قبل عامين، وبات مصدر رزق يعيل فيه أسرته.
يقول مصطفى افتتحت مستودعاً لجمع الأثاث قبل عرضه على تجار المفرق.
ويضيف بدأت بشراء كميات كبيرة وتخزينها بعدما استدنت مبلغاً من المال لتوسيع المستودع.
ويشتكي مصطفى من سوء حظه في هذه المهنة التي لم ينجح بها، ويقول كنت أسمع سابقاً أن تجار المستعمل يحصلون على أرباح عالية لكن للأسف يبدو أنني اخترت التوقيت الخاطئ.
ويوضح قائلا إن زبائني هم من السوريين وفي ظل غلاء المعيشة هناك إقلاع كبير منهم على شراء أي شيء غير الاحتياجات الأساسية، أما الأتراك هم يتجهون إلى تقسيط الأثاث الجديد.
كانت خطة مصطفى أن يقوم بالتسوق وشراء الأثاث المستعمل وتخزينه في المستودع ومن ثم عرضه على تجار المفرق والزبائن، ولكن الإقبال "كان منخفضاً" على حد تعبير مصطفى.
ويقول مصطفى كان هدفي تأمين دخل لي ولأسرتي، ولكن كانت النتيجة عكسية، مشيرا إلى أن الخبرة تلعب دوراً كبيراً في تجارة المستعمل.
"مستعمل.. ولكن الأسعار ليست رخيصة"
أم علاء، امرأة سورية، تزور متاجر المستعمل للبحث عما يناسبها من أثاث لأنها لا تملك القدرة المالية على شراء أثاث جديد لمنزل ابنها المقبل على الزواج.
تشتكي أم علاء من ارتفاع أسعار الأثاث المستعمل في تركيا، وتقول لم تعد الأسعار "منطقية" تحت ذريعة أن هناك غلاءً عاما.
وتقول أم علاء اتفقت مع أهل العروس على شراء الأثاث من المستعمل، ولكن فوجئت بالأسعار أنها تقارب بشكل كبير الأثاث الجديد.
وتضيف، بدأت أتابع مجموعات على "الواتساب" و"الفيسبوك" بحثاً عما يلزمني بسعر أفضل من المتاجر.
بحسب أم علاء، في السابق كان بالإمكان أن يأثث العريسان منزلاً بسعر تقريبي سبعة آلاف ليرة تركية (الدولار يساوي 18.5 ليرة تركية)، أما اليوم لم يعد يكفي هذا المبلغ لشراء غرفة نوم مستعملة.
وتنتشر في الآونة الأخيرة مجموعات "الواتساب" لبيع المستعمل، الأمر الذي يساعد في منع استغلال التجار لأصحاب الأثاث وللمشترين.
ويعرض تجار المفرق وأفراد الأثاث في هذه المجموعات بشكل مباشرة مع صور ورقم هاتف للتواصل.
النساء يدخلن على خط تجارة المستعمل
عبير الخليل، مقيمة في الريحانية القريبة من الحدود السورية، أجبرتها ظروفها الصحية للتوقف عن العمل الزراعة بعدما كسرت قدمها.
تقول عبير، أم لخمس بنات وزوجها متوفى، وجدت في تجارة المستعمل من ملابس "بالة" وأثاث فرصة تحقق دخلاً مقبولاً، وأهم ما في الأمر أن العمل من المنزل.
وتضيف في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، تشهد هذا الفترة زيادة كبيرة في عروض بيع المستعمل من قبل السوريين بسبب دواعي السفر.
وتوضح عبير، هناك أشخاص يخجلون من الشراء بشكل مباشر ممن يعرضون البضاعة، لذلك يتواصل الزبائن معي لشراء المستعمل ثم يشترونها مني مقابل مبلغ يتراوح بين 20 إلى 50 ليرة تركية.
وعلى الرغم من الدخل المالي الذي تجنيه عبير لا يسد كل احتياجاتها إلا أنه يساعدها نسبياً، وتأمل أن يتطور عملها وتزداد الأرباح مع الزمن.
أسواق المستعمل في تركيا
تنتشر أسواق المستعمل في معظم المدن التركية وتعتبر أسواق ولاية أضنة من أكبرها، حيث يجمع تجار المستعمل بضائع من ولايات غازي عنتاب وأنطاكيا والعثمانية وكلس ومرسين، وفق ما ذكر الوسيط عمر العلي.
إضافة إلى سوق المستعمل هناك سوق الأحد (بازار) في أضنة يعرض فيه كل أنواع الأثاث من سجاد وأدوات كهربائية وألعاب أطفال وغيرها.
ويبلغ عدد السوريين في تركيا نحو 4 ملايين نسمة وفقاً للإحصائيات الرسمية ويتوزعون بين إسطنبول والولايات الجنوبية.
وشهد هذا العام موجة كبيرة من مغادرة السوريين في تركيا إلى أوروبا في ظل غلاء المعيشة والتضخم وحملات التضيق، تقدر الأعداد غير الرسمية بعشرات الآلاف.