تختلف الطرقات في شوارع سراييفو عن تلك التي في أي مدينة سورية، حيث تحملك الأبنية القديمة والعمارة المتنوعة إلى أزمنة وعوالم مختلفة، ولكن هناك جروح متشابهة تركتها الحرب في نفوس الشعبين السوري والبوسني بعد مئات آلاف الضحايا.
ورغم اختلاف ظروف الحرب ومسبباتها في كلا البلدين، إلا أن حديث البوسنيين عن سوريا كان ينم عن شعور عميق عما يفعله الظلم إذا ما وقع على شعب متروك لمصير مجهول.
وربما لا يعرف كثيرون أن هناك مئات العائلات السورية تعيش في البوسنة والهرسك الواقعة بين دول الشرق الأوروبي أو ما يعرف بدول البلقان، بقي قسم منهم وأكمل آخرون طريقهم عبر صربيا أو كرواتيا إلى دول الاتحاد الأوروبي الغنية للحصول على حق اللجوء.
وبعد مأساة التهجير السورية على يد النظام السوري بعد عام 2011، انتشر السوريون في أنحاء العالم، ورغم أن البوسنة والهرسك لا يوجد بها عدد كبير من السوريين، إلا أن ما يقارب الـ 1000 شخص يعيشون فيها عبر إقامات مؤقتة أو دائمة إلى جانب من حصل منهم على الجنسية البوسنية خلال السنوات القليلة الأخيرة.
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" حالة السوريين في البوسنة والهرسك، والتقى بالعديد منهم خصوصاً في العاصمة سراييفو ومناطق قريبة منها، لتسليط الضوء على واقع معيشتهم في بلد أكهلت ساعده الحرب، ولا يستطيع تقديم أي مساعدة مادية للمقيمين فيه.
"لا عنصرية" في البوسنة والهرسك
بعد هبوط الطائرة في مطار العاصمة سراييفو، تستقبلك ابتسامة من العاملين في المطار. تختم الموظفة جواز السفر دون أي أسئلة عن الوجهة أو مكان الإقامة أو مدتها.
ورغم أن حصول السوريين على تأشيرة إلى البوسنة والهرسك ليست بتلك السهولة، إلا أن السوريين المقيمين هناك يقولون إنه يمكن الحصول عليها بعدة طرق مع التأكيد على صعوبتها أسوة بجميع دول العالم التي أقفلت أبوابها بوجه السوريين.
وعن حسن التعامل مع السوريين، أجمع من التقى بهم موقع "تلفزيون سوريا" أنه جيد جداً، وهم شعب مثل أي شعب فيه الجيد والسيء، ولكن يغلب عليه الجيدون.
وتصنف "سراييفو" الذي يبلغ عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة، في المرتبة 202 بين المدن الأقل في معدل الجريمة والأمان بعد العاصمة السويدية استوكهولم التي حلت في المرتبة 201، بحسب مؤشر "numbeo".
وفي سياق ذلك، قالت أروى العظم المقيمة في البوسنة مع زوجها منذ نحو عامين ونصف، إنه "لا يوجد عنصرية أبداً في البوسنة والهرسك، شعب طيب ويرحب بالضيف، ورغم غلاء البلد إلا أنها أرخص من ألمانيا وفرنسا والسويد".
وأضافت في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، أنه رغم أن النفوس مليئة بالأحزان ومقابر بجانب كل مسجد وكتابات حائطية تذكر بالشهداء الراحلين، إلا أن الشعب طيب وغير عنصري".
وأكّدت أن "الشعب البوسني يحترم خصوصية الآخرين وحريتهم، حيث لا يتدخلون في شؤونك الخاصة أبداً، ما يجعل الحياة مريحة جداً".
وأشارت إلى أن "الوصول إلى البوسنة بالنسبة للسوريين صعب، لكن في حالة الوصول هناك العديد من الفرص لتأسيس عمل خاصة أن البلد ما زالت مادة خام ويمكن الاستثمار بها خصوصاً مع أعداد العرب المتزايدة في الدولة".
هل يجد السوري عملاً في البوسنة؟
ولا شك أن العمل في البوسنة قد يكون من أصعب الأمور التي قد تواجه السوري القادم إليها لصعوبة اللغة بالنسبة للقادمين الجدد، ولكن وعدم سهولة التواصل مع أصحاب الشركات أو المعامل أو المحال التجارية.
وتعاني البوسنة من هجرة العمالة الشابة إلى دول الاتحاد الأوروبي خصوصاً أن البوسنيين رُفعت التأشيرة عنهم لدخول منطقة اليورو بسبب عضوية الدولة في المجلس الأوروبي.
ومع النقص في اليد العاملة إلا أن الأجور القليلة مقارنة مع كلفة المعيشة ونسب التضخم المتزايدة في الآونة الأخيرة، جعلت عدداً من الشباب السوريين يعملون في أي مجال مثل الخدمة في المطاعم أو الفنادق أو في قطاع السياحة، بحسب ما قال إسماعيل حداد.
وأوضح حداد المقيم في البوسنة منذ 6 سنوات لموقع "تلفزيون سوريا" أنه عمل في العديد من المجالات وخصوصاً في المطاعم العربية أو البوسنية فهو يتكلم البوسنية بشكل جيد.
وأردف أنه بانتظار الحصول على الجنسية بعد 3 سنوات من الإقامة الدائمة، ومن الممكن أن يسافر إلى دولة أخرى أو يبدأ بمشروع صغير هنا.
ولفت إلى أن الإقامة الدائمة تشعرك بالأمان فلم يعد هناك داعٍ لتجديد جواز السفر من سفارة النظام السوري في صربيا، خصوصاً مع صعوبة الحصول على فيزا والتكاليف الباهظة التي تصل إلى أكثر من 1000 دولار كل عامين.
تكاليف المعيشة في البوسنة
ولا تعد المعيشة في البوسنة سهلة بالنسبة لسكانها، وهذا ما يزيد من الصعوبات على المقيمين الأجانب سواء كانوا سوريين أو عرب أو غير ذلك، حيث زادت نسب التضخم مؤخراً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتأثير الحرب على الاقتصاد العالمي.
وفي إطار ذلك، قال عمر الحراكي المقيم في سراييفو برفقة عائلته وابنه منذ أكثر من عامين، إن الوجود السوري في البوسنة قليل، ولا يتجاوز 200 إلى 300 عائلة، يعني جالية صغيرة لا تربطهم سوى اللغة العربية والطعام وبعض العلاقات البسيطة، ونسبة كبيرة منهم درسوا في البوسنة (أو يوغسلافيا سابقاً).
وأضاف الحراكي في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن تكاليف المعيشة في البوسنة ليست قليلة حيث تحتاج العائلة من 4 أشخاص ما بين 1200 إلى 1500 مارك بوسني (600 إلى 700 يورو) شهرياً حتى تكفيه على أقل تقدير.
ولا يتجاوز الحد الأدنى للأجور في البوسنة 900 مارك بوسني (458 يورو)، فيما بلغ متوسط الأجور الشهرية نحو 1140 مارك بوسني (583 يورو)، وفق آخر تعديل جرى في شهر تشرين الثاني الماضي.
ولفت إلى أن إيجارات البيوت أو الشقق (جميعها مفروشة) تبدأ من 300 إلى 600 مارك بوسني، وهناك تكاليف التدفئة والفواتير، كما تختلف الإيجارات بحسب المكان وعمر الشقة.
وعموماً تعد تكاليف المعيشة مرتفعة حيث تستورد البوسنة كثيراً من المنتجات ما يرفع من سعرها، إلى جانب أنها تستورد المحروقات والأدوية والألبسة ولا تصنع سيارات أو آليات ثقيلة.
وبحسب الحراكي فإن شبكة المواصلات في البوسنة ضعيفة جداً مقارنة بدول مجاورة أو قريبة مثل صربيا أو تركيا، حيث لا تتوافر المواصلات العامة في العديد من المناطق وأجرة التكاسي غالية.
وتبدأ أسعار تذاكر المواصلات العامة من 1.40 مارك إلى 2 مارك (نحو 1 يورو)، إلى جانب وجود ترامواي رئيسي وباصات نقل كبيرة وشبكة قطارات وحافلات نقل بين المدن الكبرى وعدة مطارات دولية وداخلية.
ولا تفتقر البوسنة والهرسك لأي من الخدمات الأساسية على العكس فهي رغم الحرب التي مرت بها قبل أكثر من عقدين تقريباً، فلا تنقطع فيها الكهرباء أو الماء أو خطوط الاتصالات والإنترنت أو المحروقات.
كيف يمكن أن يصل السوري إلى البوسنة؟
ولعل السؤال الأصعب بالنسبة للسوريين الذين يودون أن يفروا من الجحيم السوري إلى مكان يوفر أدنى مقومات المعيشة، هو كيف يمكن الوصول إلى هذه الدولة التي لا تعطي التأشيرة للسوريين أصلاً.
وبحسب المقيمين السوريين في البوسنة، يمكن الوصول إليها عبر عقد عمل في الشركات أو المصانع التي تطلب أشخاص يتحدثون اللغة الإنكليزية والعربية أو الشركات السياحية التي يكون لديها مواسم جيدة في الصيف مع السياح العرب خصوصاً من دول مجلس التعاون الخليجي.
كما أنه يمكن الحصول على تأشيرة دراسية عبر القبول الجامعي من إحدى الجامعات البوسنية سواء العامة أو الخاصة، وإن كان القبول الجامعي بالجامعات الخاصة التي تدرس باللغة الإنكليزية أسرع.
التعليم في البوسنة
وقالت ديمة الشيخ، إحدى الطالبات السوريات في جامعة سراييفو الدولية، إن مستوى الدراسة في الجامعة جيد جداً، وهناك متابعة من قبل الأساتذة ومواكبة ممتازة للتطور العلمي الأكاديمي.
وأضافت في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن تحصيل القبول الجامعي يمكن عبر المكاتب العربية الموجودة في سراييفو (وهي مكاتب سياحية أيضاً) أو عبر مراسلة الجامعة مباشرة.
وتبدأ الكلفة الدراسية في الجامعات الخاصة بالبوسنة من 2500 إلى 4000 يورو سنوياً، بحسب الفرع والجامعة ولغة التدريس، حيث تعد الإنكليزية أعلى كلفة فيما تكون الدراسة بالبوسنية أقل، بحسب الشيخ.
وأكّدت أنها مرتاحة جداً في الحياة الجامعية بالبوسنة ولا تواجه أي مشكلات عنصرية على العكس جميع أصدقائها من البوسنين وحتى الصرب والكروات يحترمونها ويساعدونها فيما لو طلبت منهم المساعدة.