يواجه السوريون في الأردن أزمة إنسانية جديدة تلقي بظلالها عليهم بعد قرار برنامج الغذاء العالمي بوقف دعم المساعدات الغذائية عنهم، بسبب أزمة تمويل غير مسبوقة، وتدرجت قرارات برنامج الغذاء العالمي لتشمل في البداية اللاجئين خارج المخيمات، إذ تقلصت المساعدات الغذائية الشهرية لنحو نصف مليون لاجئ مستفيد، وتمنح الأولوية للأسر الأشد احتياجاً لتلقي المساعدة بدءاً من هذا الشهر، بينما سيتم استثناء نحو 50 ألف لاجئ تماماً من المساعدة الشهرية.
أما اللاجئون داخل المخيمات فقد أعلن البرنامج عن المزيد من التخفيضات في المساعدات الغذائية، تخفيض قيمة المساعدات الشهرية بمقدار الثلث لجميع اللاجئين السوريين في مخيمي الزعتري والأزرق والبالغ عددهم 119 ألف لاجئ.
أزمة تمويل غير مسبوقة
"تفاجأت برسالة تخبرني عن قطع الكوبونات، كنت أخذ 180 ديناراً أردنياً شهرياً، المبلغ ما كان كبير بس كان ساترني وساند هالعيلة مع غلاء الأسعار بالأردن بنسد منه إيجار البيت وبنشتري المواد التموينية الأساسية"، بهذه العبارة بدأ اللاجئ السوري في الأردن ناصيف قطيف حديثه لموقع تلفزيون سوريا، عن تلقيه رسالة نصية تفيد بنية برنامج الغذاء العالمي قطع المساعدات عنه.
تلك المساعدات كانت المعيل الوحيد لقطيف وعائلته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال والمنحدرة من حماة، في ظل عدم قدرته على العمل لإصابته في قدمه، إذ يقول: "الحياة ضاقت بنا لا يوجد لدي أي معيل، موظفو المفوضية زاروني في بيتي أكثر من مرة، وملفي لديهم يوضح إصابتي في قدمي وعدم قدرتي على العمل.. بالرغم من ذلك قطعت المساعدات، يقولون لنا العائلات الأشد! هل هناك ما هو أشد احتياجا منا؟ و هل هناك لاجئ ليس بحاجة إلى شيء يسنده ولو قليلًا؟".
ويقول أذيب العلي وهو لاجئ سوري في الأردن لموقع تلفزيون سوريا: "كل السوريين في الأردن عايشين على الله وعلى هالكوبونات وبنشتغل أوقات بس عمال مياومة، الساعة بدينار ومو ملحقين إيجار البيوت، ومصاريف وحياة صعبة كيف بدنا نلحق وكيف بدنا نعيش بعد هالخبر!".
لتلك المساعدات دور مهم في إعالة اللاجئين السوريين ومع أخذ بعين الاعتبار الحجم الكبير للأزمة وارتفاع كلفة المعيشة في الأردن، إذ إن من دونها سيواجهون إشكالية كبيرة في الحصول على الغذاء الكافي.
الديون.. تثقل كاهل السوريين
حال خولة أسعد منصور وهي لاجئة سورية في الأردن ليس أفضل، إذ كانت تتلقى 23 ديناراً عن الشخص الواحد، ولكن تقلّص المبلغ ليصبح 15 ديناراً للفرد بمجموع مجمله 90 ديناراً (127 دولاراً أميركياً).
تحسب خولة المصاريف التي تحتاجها لتخرج الشهر بسلام، فمثلا تحتاج 130 ديناراً أردنياً لإيجار بيتها شهريًا، و17 ديناراً للكهرباء والماء، و100 دينار ثمن مستلزمات غذائية، و50 ديناراً ثمن مستلزمات أطفال رضع.
يبلغ المضروف الشهري لعائلة خولة في الحد الأدنى من المصروف والمعيشة ما يقرب من 300 دينار أردني، ما يعني أن المساعدة النقدية لا تكفي إلا ثلث هذه الاحتياجات. الكوبونات التي تقلصت لم تكن تسد ما ذكر أعلاه، لكنها كان تسند خولة، وفق حديثها.
بعد أن انتهت خولة من الحساب، تقول لي إنها تصدم بواقع لا يتطابق مع حساباتها دائمًا، فقرار تقليص المساعدات، وعدم قدرة زوجها على الحصول على تصريح العمل، والحديث مع جاراتها السوريات أن هناك نوايا لإعادتهم لبلاد نجوا من الموت فيها بأعجوبه؛ يجعلها لا تتوقف عن التفكير.
تقول خولة إن الديون أثقلت كاهلها، فبعدما تراكمت عليها اضطرت إلى اللجوء لصندوق المرأة والحصول على قرض لتسديد ديونها ويترتب عليها 70 ديناراً شهرياً سداداً للقرض، ولتسديده لجأت للعمل في تنظيف البيوت.
قبل قرار تخفيض دعم المساعدات الغذائية عن البعض وقطعها عن البعض الآخر، كانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أصدرت تقريراً أشارت فيه إلى أن "الديون تثقل كاهل اللاجئين السوريين في الأردن، وأن 62% منهم يحتاجون حالياً إلى شراء طعامهم بالدين، و11% مجبرون على بيع أصول منتجة.
وأظهر التقرير، الذي حمل عنوان "إطار تقييم الضعف: المسح السكاني للاجئين في المجتمعات المضيفة"، إلى أن 62 % من الأفراد الذين يبلغون عن ضعف شديد فيما يتعلق بالمأوى، معرضون أيضاً بشكل أكبر لسوء الصرف الصحي والنظافة الصحية، وفقاً للمسح الذي شمل 6427 أسرة لاجئة تقيم في المجتمعات المضيفة في الأردن.
وأضاف أن 17 % من الأفراد الذين يواجهون صعوبات شديدة في تلبية احتياجاتهم الأساسية يواجهون أيضاً ضعفاً شديداً في الصحة، فيما 15 % من الأفراد الذين يواجهون ضعفاً شديداً في التعليم، يواجهون أيضاً انعداماً شديداً للأمن الغذائي.
استياء اللاجئين
وعبر اللاجئون عن استيائهم من هذا القرار عبر وسائل التواصل الاجتماعي مطالبين المفوضية بإعادة النظر في القرار.
ومنحت المفوضية للاجئين الذين انقطعت عنهم المساعدات التقديم للاستئناف، بينما لا يحق للاجئين الذين تقلصت حصصهم الاستئناف.
موقف الأردن
لا يمكن إغفال أن مثل هذه القرار يقلق السلطات في ظل حديث دائم عن الأعباء التي يتحملها الأردن، وسبق أن قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في تغريدات على تويتر إن ملف اللاجئين مسؤولية عالمية، معتبرا أن توفير حياة كريمة للاجئين ليس على عاتق الأردن وحده.
يأتي ذلك الحديث بعد سلسلة تطورات للأردن مع النظام السوري، ويشكل موضوع عودة اللاجئين إلى سوريا أولوية قصوى شدد فيها على ضرورة البدء بتوفير الظروف المناسبة لعودتهم إلى ديارهم، مع تبني الأردن خيار العودة الطوعية لهم من دون إجبار.
وعلق وزير العمل السابق معن قطامين على قرار تقليص المساعدات الإنسانية أن القرار يعني أن 50 ألف لاجئ سيموتون جوعاً، وأن العالم بكل ما فيه من مقدرات ومليارات لم يعد قادرا على تأمين الغذاء للسوريين الذين ذاقوا ما لم يذقه أحد، موجهاً رسالة إلى الجمعيات العربية المعنية أن تتظافر جهودها وتتصدى للمأساة التي يعيشها السوريون.
اليوم وبعد 12 عاما من اللجوء إلى الأردن، وفي ظل غياب أفق لحل سياسي في سوريا، يجد السوريون أنفسهم أمام معاناة وتحديات جديدة تقلص من الخيارات التي أمامهم، وتجعلهم عرضة لفقد الأمن الغذائي، وتزيد هذه الأزمات من القلق المستمر والمتزايد.