شهدت محافظة حمص انتشاراً هائلاً وغير مسبوق لعمليات السرقة، حتى تحولت لظاهرة تمتهنها عصابات منظمة، ترهق الأهالي مادياً ومعنوياً وتزيد من معاناتهم، وخصوصاً مع تساهل الجهات المسؤولة في ضبط الوضع الأمني.
"وخلال الأشهر الماضية بات من النادر جداً أن يمر يوم واحد من دون وقوع حالة سرقة واحدة على الأقل في المحافظة"، بهذه الكلمات استهل جمال عبدالرحمن أحد أصحاب المحال التجارية في سوق كرم الشامي بمدينة حمص حديثه عند سؤالنا عن ظاهرة السرقة التي تجتاح مدن وقرى المحافظة، وأضاف: "كل شيء أصبح هدفاً لعصابات السرقة بدءاً من أدوات المطبخ وصولاً لأثاث المساجد"
سرقات تستهدف كل شيء
المنازل والمحال التجارية وورشات التصليح والبنى التحتية والمدارس والحقول وحتى دور العبادة أصبحت مستباحة من قبل السارقين.
محمود عباس من حي السبيل في مدينة حمص تحدث عن تفاقم سرقة موتورات المياه التي يتم استخدامها لسحب مياه الشرب إلى المنازل، إلى جانب سرقة عدادات المياه والكهرباء والكابلات وصحون التقاط الإشارة الفضائية.
من جانبه سالم أبو محمد من مدينة الحولة قال: "كل شيء قابل للسرقة، سابقاً كان السارق يركز على ما قلّ وزنه وغلا ثمنه أما الآن فلا يوفرون شيئاً، سُرقت مواد تموينية من محل تجاري في حارتي، وفي الليلة نفسها سرقوا كابلات الكهرباء من الشارع".
وأشار سالم إلى أنه تعرض للسرقة مرتين خلال الأشهر الماضية، الأولى كانت لمزرعته التي يربي فيها الأبقار، والثانية لدراجته النارية حيث قدر خسارته بأكثر من 6 ملايين ليرة سورية.
جمانة علي، من ناحية شين غربي حمص، تحدثت لنا عن سرقة مصاغها الذهبي الذي يبلغ ثمنه 4 ملايين ليرة من منزلها بعد أن غابت عنه لأقل من ساعتين، حيث قالت: "تعرضت أجهزة الكمبيوتر الخاصة للمدرسة القريبة من منزلي للسرقة، وبعد فترة قصيرة سرق اللصوص عدة رؤوس أغنام لجيراننا، كما سرقوا خزانات تحويل الكهرباء.. لا شيء يسلم من يد السارقين".
أما عبد المعين عبد القادر من السعن الأسود الذي تحدثنا إليه في أثناء حراسته لحقل الزيتون الذي يمتلكه فقال: "لم أقطف الزيتون بعد، أنتظر ليكون إنتاج الزيت أفضل ولا أستطيع أن أترك الحقل وأغادر لأنه على الأكيد سيسرق، منذ فترة أمسك جيراني بسارق وبحوزته أكثر من مئتي كيلو زيتون قطفها من أشجارهم، لم نسمع في تاريخنا عن سرقة المزروعات قبل حصادها، أما الآن فهناك عصابات تسرق كل شيء".
جُرأة في سلوك السارقين
وبحسب ما تم رصده من شهادات الأهالي فإن أهم ما يميز مظاهر السرقة الحالية جُرأة السارقين وتخطيهم للخطوط الحمراء، محمد لطوف من تلبيسة تحدث عن مهاجمته من قبل سارق اقتحم منزل والده، "سمعت صوتا غريبا من سطح منزل والدي القريب من منزلي، وعندما صعدت إلى السطح للتأكد هاجمني شخص بسكين مما أدى إلى أصابتي بجروح في رقبتي وعندما وصل أخي وأمسك به، تفاجأنا بوجود اثنين من رفاقه حاولوا مساعدته قبل أن يلوذوا بالفرار بعد أن اجتمع عدد من الجيران".
أما صالح عمران من تيرمعلة فقال: "كانت تحدث سرقة الدراجات النارية في السابق من الشوارع، أما حاليا فقد أصبح شائعا أن يقتحم السارق مدخل المنزل ثم يفتح قفل البوابة الرئيسية بواحدة من طرقه العجيبة ويسرق الدراجة أو أي شيء يجده ويخرج".
محمود .ض صاحب ورشة تصليح دراجات نارية قال: "صاحب إحدى الدراجات النارية ترك دراجته على باب ورشتي، فغافلني سارق وقام بتشغيلها والهرب.. لاحقته لأكثر من 4 كيلومترات، فتركها وهرب".
أحوال معيشية سيئة أم دوافع أخرى
يختلف الناس الذين رصدنا آراءهم حول تفسير انتشار ظاهرة السرقة، فمنهم من يرى أن الأحوال المعيشية السيئة هي التي دفعت باتجاه زيادة هذه الحالات، بينما يعزو آخرون ارتفاع معدل السرقات إلى سياسة ينتهجها النظام لإرهاق الناس.
عبدالرحمن المحمود، مهندس، قال "أحوال الناس سيئة جداً والبطالة منتشرة مما يدفع الشباب إلى السرقة، وإن كان هذا غير مبرر بالطبع لكنه السبب الرئيسي".
أما سامر حمزة، يعمل نجّار، فأضاف "النظام يدفع لزيادة هذه الأفعال، هو من يقوم بالسرقة أصلا عبر الفرقة الرابعة جهاراً نهاراً، وهو من يجعل المعيشة صعبة، هذه سياسة ممنهجة ليلتهي الناس بمشاكلهم الحياتية، كما أن كل السارقين هم من أفراد عصاباته الذين أصبحوا بلا أي وازع أخلاقي بعد خدمتهم في صفوف قواته لسنوات طويلة".
تساهل الجهات المسؤولة
لا يجد الأهالي عموماً أي فائدة من تقديم الشكاوى إلى مراكز الشرطة والمفارز الأمنية، وذلك بسبب عدم وجود عقوبات رادعة لهذا النوع من الجرائم وتهاون الشرطة والجهات المسؤولة في التعامل مع من يلقى القبض عليهم، وحيث يفرج عنهم مقابل مبالغ مالية.
ففي مدينة حمص نسق عناصر من ميليشيا القلعة وهو مكتب للحراسات الشخصية مع شعبة المخابرات العسكرية، لسرقة دراجات نارية ودراجات كهربائية من الشوارع، وفي حال أمسك بهم مالك الدراجة فإنهم يقومون بتهديده بتلفيق دعاوى إرهاب لدى الفروع الأمنية.
قاسم الأشتر من مدينة الرستن قال: "أمسكت بشاب لايتجاوز عمره 25 سنة في حقلي، كان يحاول سرقة غطاسة مياه أستخدمها لريّ المزروعات، فقمت بتسليمه بيدي لمركز الشرطة والادعاء عليه، لأراه في اليوم التالي يتجول في الشوارع، وعندما سألته كيف خرجت قال دفعت للشرطة!".
أما أحد وجهاء ريف حمص الشمالي فشرح لنا عن تساهل الجهات المسؤولة في المنطقة، حيث قال: "اجتمعنا سابقا مع رؤساء المخافر، وطالبنا بتسيير دوريات ليلية في الشوارع لوضع حد لهذه الظاهرة فاحتجوا بعدم كفاية عناصر الشرطة، وعندما طلبنا عدم التساهل مع من يلقى القبض عليهم، قالوا إن الغالبية لا تثبت التهم بحقهم، وعندما توجهنا لمفارز الأمن من أجل التدخل قالوا نحن لا نستطيع التحرك ليلاً لأننا مستهدفون من عناصر إرهابية".
أسواق لبيع المسروقات
يرعى النظام وجود أسواق لبيع مواد "التعفيش" التي يقوم عناصر جيشه وعصاباته بسرقتها في أثناء العمليات العسكرية، ولكن هذه الأماكن أصبحت أيضا سوقا لتصريف كل ما يُسرق في الأماكن الخاضعة لسيطرته، ومع أن معظم الناس تستنكف عن الشراء من هذه الأسواق إلا أن ضعاف النفوس يستغلون رخص أسعار المسروقات وشراء أي شيء بنصف قيمته الحقيقية.
محاولات تصدي الناس لهذه الظاهرة
نتيجة لفقدان أمل الناس بقدرة الجهات المسؤولة على ضبط الوضع الأمني والسيطرة على العصابات، لجأ الناس إلى حلول بديلة، مثل تركيب كاميرات المراقبة وأقفال داخلية وصافرات إنذار وزيادة تدعيم أبواب المحال التجارية والمخازن، كما قام البعض باستئجار حرس.
أمين العمر، صاحب محل تمديدات صحية قال إنه اضطر لزيادة تدعيم بوابة محله بعد محاولة اقتحام أحدهم لمحله، حيث وضع صفائح فولاذية وقفلين داخليين مخفيين ليمنع السارق من كسرهما، وسرقة المحل.
أما علي شعبان صاحب صيدلية فقال إنه ركب كاميرا مراقبة وجهاز إنذار صوتي يعملان على بطارية، وفي حال تم كسر باب الصيدلية أو فتحه فإن صوت جهاز الإنذار سينبهه لكونه يعيش بالقرب من الصيدلية.
محمد السليم، اجتمع مع أصحاب المحال التجارية القريبة منه واتفقوا على أن يدفعوا مبلغاً مشتركاً لأحد الأشخاص لقاء حراسة محالهم من الساعة 11 ليلاً حتى 6 صباحا، حيث أكد "أن مبلغ 350 ألف ليرة شهريا لا يعتبر مبلغا ضخما إن تم تقسيمه على 20 محلا تجاريا في الشارع نفسه، كما أن هناك العديد من الناس مستعدون للعمل بهكذا راتب شهري".
أما أمجد صاحب كراج سيارات شاحنة فقال: اشتريت سلاحاً وقمت بترخيصه، وبالفعل أطلقت النار في الهواء لإخافة شخص حاول دخول الكراج لسرقة مازوت وبطاريات.
يذكر أن مدير شركة كهرباء حمص التابعة للنظام صالح عمران قال في آب الماضي، إن خسائر الشركة نتيجة السرقات المتكررة بلغت أكثر من 175 مليون ليرة خلال شهر واحد، حيث أكد وقوع نحو 300 سرقة للشبكة الكهربائية منذ بداية 2021 ونُظمت بحقها ضبوط شرطة، مشيراً إلى أن عدد المسافات النحاسية التي تم سرقتها وصل إلى نحو 600 مسافة وكل مسافة أربعة خطوط بمجموع أطوال كلي 90 ألف متر ووزن 40 طنا من النحاس.