تحدثت السباحة الأولمبية السورية يسرى مارديني، 24 عاماً، والتي ستعرض قصتها المثيرة في فيلم على نيتفليكس عن العنصرية التي يتعرض لها اللاجئون، فقالت إن بعض الغربيين يظنون أن اللاجئين الذين قدموا إلى المملكة المتحدة سيأخذون أعمالهم ووظائفهم.
غير أن يسرى اللاجئة التي تحولت إلى سباحة أولمبية ترى بأنك: "إن كنت بارعاً في عملك فلن يسرقه أحد منك" وذلك عندما أطلت في برنامج حواري تلفزيوني يوم الخميس الماضي، تحدثت فيه بصراحة عن فيلم "السباحتان" الذي سيعرض على نيتفليكس والذي تدور أحداثه حول قصتها الحقيقية هي وشقيقتها سارة مارديني، بعدما اضطرتا للرحيل عن سوريا بسبب الحرب.
اللاجئون والعنصرية
تمنت يسرى لمن يشاهد قصتها عبر هذا الفيلم أن يتبنى رأياً "أكثر إنسانية" تجاه اللاجئين، حيث قالت: "لقد بنيت المملكة المتحدة على يد لاجئين ولهذا قد يتماهى كثيرون مع هذه القصة (أي قصة الفيلم)، وإن لم يتماهوا هم، فآباؤهم وأمهاتهم لا بد أن يتماهوا".
وأضافت: "كل ما أريده هو أن يدرك الناس بأن هنالك الملايين الذين يعيشون تلك المحنة، فنحن لم نترك وطننا بإرادتنا، بل هربنا من الحرب والعنف الدائر فيها، ولم نأت إلى هنا لنحظى بحياة مرفهة.. ثمة الكثير من الناس في العالم الغربي يقولون: "إنهم يسرقون مالنا ووظائفنا"، وأنا دوماً أقول بأنك إن كنت بارعاً في عملك فلن يسرقه أحد منك".
اقرأ أيضا: جوزيب بوريل يوضح ما قصده بـ تصريح "أوروبا حديقة وبقية العالم أدغال"
ثم شرحت كيف كانت تخجل من كلمة "لاجئة" إلا أن كل ذلك تغير اليوم، وتضيف: "عندما كنت صغيرة لم أكن أدري ماذا تعني كلمة لاجئ، كما أني كنت بعيدة كل البعد عن تلك الفكرة، ولكن عندما أصبحت لاجئة شعرت بالخجل، ولهذا بوسعكم أن تشاهدونني في الفيلم وأنا أقول: أنا لست لاجئة لأن لدي وطن.. فقد عانيت من تلك الفكرة عندما كنت في السابعة عشرة من عمري وتعين علي أن أترك كل شيء وأمضي، بل إنني أنا وشقيقتي تركنا أبانا وأمنا خلفنا ومضينا".
وتابعت يسرى بالقول: "كانت الأمور صعبة عندما سافرنا إلى ألمانيا، إذ اعتقدنا أن الأمر سيحتاج إلى سنة أو سنتين وبعدها سنعود إلى بلدنا، وهذا مكمن الصعوبة بالنسبة لي".
وأضافت: "عندما ترشحت للانضمام لفريق اللاجئين الأولمبي لم أكن أريد لأي أحد من الناس أن يشعر بالشفقة تجاهي، ولا أن يعتبروني بأني لا أستحق المشاركة ضمن هذا الفريق".
رحلة كادت تنتهي بمأساة
يذكر أن يسرى غادرت مع شقيقتها سارة، 26 عاماً، بيتهما في دمشق في آب 2015، أي بعد مرور أربع سنوات على اندلاع النزاع في سوريا، وقررتا يومها الوصول إلى أوروبا، حيث سافرتا إلى إسطنبول قبل أن تصلا إلى اليونان بحراً، ثم إلى ألمانيا براً.
بيد أن رحلتهما تخللها حدث مؤسف وذلك عندما تعطل محرك القارب المطاطي الذي استقلتاه وسط بحر إيجة، ما عرض حياة 18 راكباً للخطر.
أدركت يومها الشقيقتان بأن المركب المخصص لنقل سبعة ركاب لا يمكن أن يتحمل وزن أي شخص آخر على متنه، ولهذا قفزتا لتسبحا وسط المياه التي شارفت حرارتها على بلوغ درجة التجمد، وبقيتا تسبحان طوال ثلاث ساعات إلى جانب المركب المطاطي وهو في طريقه بين تركيا واليونان. إلا أن تصرفهما البطولي لم يكن أن يحدث لولا تدربهما على السباحة طوال عمرهما على يد أبيهما عزت.
وللمفارقة العجيبة، وصل القارب إلى جزيرة ليسبوس اليونانية ونجا كل من كان على متنه.
الشقيقتان السباحتان سارة (إلى اليمين) ويسرى (إلى اليسار) خلال حفل توزيع جوائز بامبي في برلين
وحول تلك التجربة تقول يسرى: "كان علينا أن نقوم بذلك، لأن القارب مخصص لنقل سبعة أو ثمانية أشخاص، لكن كان على متنه عشرون شخصاً".
وأضافت: "قفزت أنا وسارة إلى الماء برفقة فتى يعرف السباحة، وبقينا نسبح طوال ثلاث ساعات، وأسوأ ما في الأمر هو أن الجو كان بارداً والظلام قد خيم علينا.. كان هنالك أشخاص لا يعرفون السباحة، ولهذا لم يطاوعني ضميري بأن أجلس هناك وأشتكي من خوفي من الغرق، وهكذا قفزت لأني بتلك الحالة إن كتب علي الغرق، فسأكون على الأقل فخورة بنفسي وبشقيقتي".
وأضافت سارة: "كان الوضع مرعباً بالنسبة للآخرين الذين كانوا معنا على متن المركب، إلا أن الوضع لم يكن كذلك بالنسبة لي، لأن كل ما كنت أتمناه هو أن يصل الجميع إلى الجزيرة بسلام، وهذا ما تم بفضل الله".
سبحت الفتاتان وسط مياه متجمدة جعلت قواهما تخور، لدرجة أنهما بقيتا بلا حذاء، إلا أن جهودهما لم تذهب سدى، إذ بعد مرور ثلاث ساعات وصل الجميع إلى جزيرة ليسبوس بسلام.
تذكر الشقيقتان بأنهما بقيتا في دمشق طوال السنوات الأولى للحرب، وهما تحاولان أن تتجاهلا أصوات القذائف التي دمرت المدينة من حولهما.
مصاعب في التدريب بسبب الحرب
في عام 2012، مثلت يسرى سوريا في بطولة العالم بتركيا. ولكن مع ازدياد الظروف سوءاً، تراجع أداؤها بالسباحة، وعن ذلك تقول: "كانت الحرب صعبة، إذ لم يكن بوسعنا أن نتدرب أحياناً بسبب الحرب، وفي إحدى المرات سقطت قذيفة على المسبح ونحن نتدرب فيه".
وأخيراً، جلس الأهل مع بعضهم في شهر آب وقرروا بأن وقت الرحيل قد حان، وتحدثنا يسرى عن تلك اللحظات فتقول: "رأى أهلي بأن التدمير في منطقتنا آخذ بالازدياد، إذ كنا نتعرض لإطلاق النار والقصف الجوي، ولذلك لم يعد بيتنا آمناً".
سافر الجميع إلى لبنان، ومنه إلى تركيا، حيث استقلت الشقيقتان، مثل أي لاجئ انقطعت به السبل، مركباً مطاطياً على أمل الوصول إلى اليونان.
وعندما تعطل محرك المركب، أدركت يسرى بأن كل الركاب سيغرقون إن لم تحسن التصرف، ولهذا كانت اللحظة التي وصلت فيها الشقيقتان إلى شاطئ جزيرة ليسبوس بمثابة نهاية لخمس سنوات من الرعب.
وفي نهاية المطاف، وبعد التنقل بين مخيمات لبنان، ودفع مبالغ طائلة للسفر إلى أوروبا، وصلت الشقيقتان لبر الأمان في ألمانيا، وهناك صارتا تترددان على أحد المسابح القريبة من مركز اللاجئين الذي أقامتا فيه، حيث عادتا للتدرب من جديد على يد مدرب ألماني.
أصبح هدفهما هو أن تتدربا لتشاركا في الألعاب الأولمبية لعام 2020.
يسرى مارديني مع مدربها في دورة الألعاب الأولمبية بريو في عام 2016
ولكن ولأول مرة في تاريخها، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية بأن فريقاً مخصصاً للاجئين سينضم إلى فرق الدول المشاركة في بطولة ريو، ويضم هذا الفريق رياضيين قد يشعرون بالحرمان أو الإقصاء أو أنهم عديمو الجنسية في حال عدم مشاركتهم.
الهدوء الذي أعقب العاصفة
أصبحت يسرى واحدة من بين الرياضيين البالغ عددهم 42 الذين مثلوا هذا الفريق، وذلك في سباحة الفراشة لمسافة 100 متر، كما فازت في إحدى التصفيات.
يسرى وهي تتدرب في ألمانيا
وعن ذلك الفريق، تقول يسرى: "أريد أن أمثل كل اللاجئين لأني أريد للجميع أن يرى بأن أياماً هادئة أعقبت الألم والعاصفة، كما أريد أن أتحول إلى مصدر إلهام لدى اللاجئين حتى يحققوا النجاح في حياتهم".
واليوم، تخلد نيتفليكس قصة الفتاتين عبر فيلم "السباحتان" الذي أخرجته سالي الحسيني الحائزة على جائزة بافتا السينمائية، وأنتجه ستيفن دالري.
وهذا الفيلم من بطولة الشقيقتين الممثلتين منال ونتالي عيسى اللتين تمثلان دور سارة ويسرى مارديني، حيث ورد في ملخص الفيلم ما يلي: "من سوريا التي مزقتها الحرب إلى بطولة الألعاب الأولمبية في ريو عام 2016، شقيقتان شابتان تستقلان قارباً في رحلة خطرة، غير أنهما تستغلان شجاعتهما ومهاراتهما في مجال السباحة بشكل بطولي".
بعد عرض هذا الفيلم بمهرجان تورنتو السينمائي الدولي، يطمح هذا الفيلم للفوز بإحدى أهم جوائز الأوسكار.
سيعرض هذا الفيلم على منصة نيتفليكس اعتباراً من 23 تشرين الثاني الحالي.
المصدر: Daily Mail