يتناسب اقتراب موعد عيد الأضحى المبارك طرداً مع ارتفاع حالة القلق المادي والنفسي لدى المواطن السوري المقيم داخل مناطق سيطرة النظام السوري، نظراً لاستمرار ارتفاع الأسعار بصورة جنونية وتكاد لا تُصدّق.
فأسعار اللحوم الحمراء في أسواق تلك المناطق تتابع تحليقها إلى مستويات قياسية ومقلقة بالنسبة للمواطن العادي (الموظف) الذي يعتمد في عيشه على المرتّب الشهري والذي يكاد لا يكفي لشراء 2 كيلو غرام من اللحم.
أما عيد الأضحى الذي بقي على موعده أقل من أسبوع واحد، فله حصته الخاصة من الأسعار الجنونية، نظراً للإقبال الاعتيادي على شراء الأضاحي بهدف أداء الشعيرة السنوية للمسلمين في هذا العيد المبارك.
حلم الحصول على أضحية العيد
صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري، أوردت اليوم الأحد تقريراً رصدت من خلاله حال أسواق اللاذقية التي باتت مثالاً معتمداً لارتفاع الأسعار الكبيرة في مختلف مناطق سيطرة النظام في الآونة الأخيرة.
واليوم، تشهد المدينة بالتزامن مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، شبه انعدام للقدرة الشرائية لأولئك المواطنين من ذوي الدخل المحدود، في محاولتهم اليائسة للحصول على أضحية في ظل وصول سعر الخروف الواحد إلى نحو مليون ليرة سورية والعجل إلى 5 ملايين.
أضحية العيد تساوي مرتباً لـ 5 سنوات!
الصحيفة نقلت عن أحد الموظفين في حكومة النظام "حسان" قوله إن "عادات وطقوس العيد باتت مختلفة هذا العام من حيث ذبح الأضاحي، إذ بات الناس يتقاسمون المبلغ الكبير لتقديم الأضحية السنوية بالتشاركية بين عدة عائلات".
ويضيف حسان: "فعلى سبيل المثال، يدفع كل شخص مبلغاً معيناً لشراء الأضحية وذبحها وتوزيعها على المشتركين بالتساوي، فلا قدرة لأي شخص وخاصة الموظفين على ذبح الأضحية بشكل إفرادي".
أما الموظفة وربة المنزل "أم إبراهيم" فتؤكد للصحيفة الموالية أنها لو جمعت مرتبها لمدة عام كامل (من العيد إلى العيد) فلن تستطيع جمع ثمن العجل إلا كل خمس سنوات مرة!
تراجع شراء اللحم بنسبة 50 بالمئة
من جهته، أوضح رئيس جمعية اللحامين في اللاذقية عبد اللـه خديجة، أن ارتفاع أسعار اللحوم مقارنة بسعرها في شهر رمضان الماضي، هو ما أدى إلى تراجع الإقبال على الشراء بنحو 50 بالمئة.
وقال خديجة: "إن سعر كيلو لحم الغنم للمستهلك يبدأ من 45 ألف ليرة وما فوق بحسب طلب الزبون في حال يريد اللحمة هبرة أو مدهنة، وسعر كيلو لحم العجل بالمفرق يباع بنحو 40 ألف ليرة، (بزيادة 5 آلاف ليرة عن الأسعار في شهر رمضان لكل صنف)" وفق ما نقلت الصحيفة.
وأضاف أن حاجة (محافظة) اللاذقية من الأغنام تتراوح بين 50 – 60 رأس غنم باليوم الواحد، في حين كان الاستجرار خلال شهر رمضان يتراوح بين 100 – 150 رأس غنم في اليوم الواحد، مشيراً إلى أن سعر خروف الأضحية (بعمر السنة وما فوق) يتراوح بين 500 ألف ليرة حتى مليون بحسب الوزن، والعجل (بعمر سنتين وما فوق) يتراوح بين 4 – 5 ملايين ليرة بحسب الوزن.
ويزعم خديجة أن أسباب غلاء اللحوم هو "الارتفاع المتواصل لأسعار المواد العلفية، إذ وصل سعر كيلو الشعير إلى ألفي ليرة بعد أن كان يباع بنحو 700 ليرة قبل نحو عام من الآن، ليرتفع تدريجياً مع ارتفاع سعر الصرف لكونه مادة مستوردة" بحسب قوله.
دمشق: الحوالات الخارجية تتسبّب بارتفاع نسبة الشراء وأسعار اللحم!
أما رئيس جمعية اللحامين في العاصمة دمشق أدمون قطيش، فيرى أن زيادة الحوالات المالية القادمة من دول اللجوء خلال فترة العيد، ستكون سبباً في ارتفاع الإقبال على شراء اللحوم والأضاحي، مشيراً إلى أن الإقبال على الأضاحي هذا العام من الممكن أن يزداد بنسبة 25 بالمئة عن العام الماضي.
ووصف قطيش الارتفاع في أسعار اللحوم الحمراء بـ "الضئيل" بسبب زيادة الطلب، مدّعياً أن عمليات تهريب اللحوم من محافظتي دمشق وريفها باتجاه حمص وحماة، ومن ثم إلى دول الجوار، هو السبب الرئيس في ارتفاع سعرها.
أسعار سلع العيد ترتفع بنسبة 30 بالمئة
المشهد واحد في أسواق مناطق سيطرة النظام في سوريا، سواء قبيل عيد الفطر السابق أو عيد الأضحى القادم. فالركود الاقتصادي وجمود الحركة الشرائية بقي مخيّماً على الأسواق، نتيجة ارتفاع الأسعار والتضخم الهائل الذي يكاد يحوّل عيد السوريين إلى مأتم.
وكشفت "الوطن" أيضاً في تقرير نشرته اليوم عن ارتفاع في أسعار مستلزمات عيد الأضحى بنسبة تزيد على 30 بالمئة مقارنة بعيد الفطر السابق. وأشارت إلى أن هذه المستلزمات أصبحت غير متاحة للمواطن السوري، وخاصة صاحب الدخل المحدود.
وبحسب الصحيفة، فإن العائلات التي كان لديها القدرة على المحافظة على طقوس العيد، تحوّلت قدرتها الشرائية هي الأخرى "من الشراء بالكيلوغرامات إلى الغرامات"!
غياب أدنى متطلبات العيد
حتى (الفوشار) الذي كان يعدّ من أبسط مستلزمات العيد بالنسبة للأطفال، بات اليوم أشبه بالحلم بعد أن اختفت "ذُرة الفوشار" من أسواق مناطق النظام، و"ارتفعت أسعارها بنسبة 40 بالمئة خلال الأيام الماضية بالنسبة للمستوردة (بين 2200- 2500 ليرة للكيلو الواحد)"، وفق الصحيفة التي تبيّن أيضاً اختفاء مشهد ازدحام المواطنين "عند المحامص ومحال الحلويات العربية والإفرنجية المعتاد قبل الأعياد".
ونقلت الصحيفة عن أمين سر "جمعية حماية المستهلك" في حكومة (عرنوس) عبد الرزاق حبزه، قوله إن سبب فقدان وارتفاع أسعار ذرة الفوشار هو "الحرب في أوكرانيا التي تعتبر المصدر الأكبر لمادة الذرة، والكميات المعروضة في الأسواق انتهت، ولا تتوافر البدائل المحلية، وتزامن ارتفاع أسعارها مع الطلب عليها في موسم الأعياد".
وأضاف حبزه أن "الموالح أصبحت من الكماليات ومن يتسوق بالكيلو أصبح يتسوق بالغرامات لدى بعض العائلات، وطبعاً أصحاب الدخل المحدود ليسوا من هذه العائلات" بحسب وصفه.
أما بالنسبة لحلويات العيد الجاهزة، فقد أكد حبزه أن أسعارها "محلقة جداً فوق التصور بسبب ارتفاع مكوناتها من السمنة والفستق والسكر والطحين، وتضاعفت أسعارها عن العيد السابق، ومن كان يستغني عن الحلويات بالصناعة المنزلية أصبح عاجزاً عنها بسبب تدني القدرة الشرائية". ووصلت أسعار بعض الحلويات الجاهزة إلى 100 ألف ليرة للكيلو الواحد، وهناك حلويات بين 50 و100 ألف ليرة سورية.
ألبسة عيد الأضحى كابوس يساوي 4 مرتبات شهرية!
وبالنسبة لما يتعلّق بالمستلزمات الأكثر أهمية بالنسبة للعيد، ونقصد الملابس، فقد أضحت الأسواق السورية وجهةً للمتفرجين أكثر بكثير من المشترين, فأسعار الأحذية وألبسة الأطفال باتت تعادل 4 أضعاف مرتب الموظف السوري، إذا يبدأ سعر أي قطعة في السوق بين 35-50 ألف ليرة سورية.
موقع "أثر برس" الذي يرصد الأخبار المحلية لمناطق سيطرة النظام، استعرض الأربعاء الفائت، بعضاً من الأسعار الجديدة. فذكر أن "سعر حذاء الجلد الرجالي وصل إلى 130 ألف ليرة سورية، مرتفعاً 40 ألف ليرة خلال الأسابيع القليلة الماضية، كما وصل سعر الحذاء الرياضي من البالة إلى 75 ألف ليرة".
وأضاف أن "سعر الحذاء المعروض على البسطة، وصل إلى 50 ألف ليرة، في حين سجّل الحذاء النسائي بين 50 و75 ألف ليرة، وبنطال الجينز، الذي استقر لفترة عند سعر 75 ألف ليرة، ارتفع سعره مع موسم العيد في بعض المحال لأكثر من 100 ألف ليرة".
وبحسب الموقع، فقد حافظت "الكنزة" الرجالية على سعرها لتبقى بين 35 و50 ألف ليرة، والكنزة النسائية بين 50 و75 ألف ليرة "بحسب النوعية والجودة والأسواق المعروضة، والمفاصلة النهائية بين البائع والشاري".
ارتفاع الأسعار في سوريا
وتشهد أسعار معظم أنواع السلع والمواد الغذائية في سوريا كالخضراوات واللحوم والزيوت وغيرها ارتفاعات يومية، في ظل عدم قدرة كثير من العائلات على تأمين احتياجاتها، إضافةً إلى قلة فرص العمل، وضعف القدرة الشرائية للعملة المحلية المتدهورة أمام الدولار.
ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، شهدت أسعار معظم السلع والمواد الأساسية في الأسواق السورية ارتفاعات مستمرة، بالتزامن مع تطبيق حكومة النظام قرار رفع الدعم عن فئات من السوريين. وسط تبرير حكومة النظام التي ترجع الارتفاع مرة إلى نقص المواد، ومرة إلى سعر الصرف، ومرة إلى الاحتكار أو وجود السوق السوداء. فضلاً عن تقاذف الاتهامات والمسؤوليات بين الجهات التابعة للنظام.