تزايدت حاجة السوريين في تركيا للخدمات والتثقيف القانوني نظراً لانعدام أفق عودتهم إلى بلادهم وكذلك استمرار حالات الترحيل وضرورة التعامل مع الإجراءات القانونية في حياتهم بصفتهم "تحت الحماية المؤقتة" ودون أن يحصلوا على صفة "اللاجئ" القانونية، وهنا يبرز دور الجمعيات والمنظمات الحقوقية كعنصر أساسي لضمان حمايتهم وإعانتهم وعيشهم بأمان وكرامة.
تلعب الجمعيات والمنظمات التي تقدم الدعم القانوني للسوريين دوراً حيوياً في توفير المشورة والمساعدة في كيفية التعامل مع القضايا القانونية المعقدة بما يضمن حقوقهم، لكن هذه الجهود لم تبلغ مرحلة الكفاية ولا تسد الحاجة.
ولا يقتصر الدعم القانوني أو الحديث عن أهمية الخدمات القانونية على الترحيل إلى سوريا، لكنه الهاجس الأكبر، ففيه تفكك أسر وعودة إلى بلد يحوم حوله الموت والفقر في كل جنباته، حيث بلغ – على سبيل المثال- عدد السوريين المرحلين من معبر باب الهوى في إدلب، أكثر من 7400 شخص في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، في حين تغيب الإحصائيات من المعابر الثلاثة الأخرى التي تصل الشمال السوري بتركيا.
محاولات الجمعيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني
رصد موقع تلفزيون سوريا ما لا يقل عن عشرة منظمات مجتمع مدني وجميعات حقوقية تقدم الخدمات والدعم القانوني للاجئين في تركيا، ومن بينها "مشروع حماية" الذي أطلقه منبر منظمات المجتمع المدني في آب 2023، ويقول منسق المشروع سنان بيانوني لموقع تلفزيون سوريا إن المشروع يعمل على الحماية والمناصرة، ويقدم الدعم القانوني لمن يطلبه من خلال 3 مسارات:
- تقديم الاستشارة القانونية والتوعية ليتجنب الموقوف الوقوع بالإشكالات القانونية الناتجة عن قلة الوعي القانوني التي تزيد سوء الوضع
- كفالة بعض الحالات ضمن إمكانيات الجمعية، وتكون الأولوية للحالات التي صدر قرار ترحيل بحقها وبناء على معيارين للتحقق من قدرات طالب المساعدة المادية وآخر قانوني حيث يتم التدخل ضد قرارات الترحيل الناتجة عن انتهاك حقوقي.
- الوساطة والمناصرة للقضية التي يتم تقييمها على أنها حالة فيها انتهاك حقوقي
وأوضح بيانوني أن السوري من حملة بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) قد يتعرض للحجز والتوقيف الإداري والنقل إلى مراكز الترحيل لأسباب قد لا يكون على دراية بها أو لأسباب جديرة مثل تهديد الأمن القومي، وفي الحالة الأولى يكون الحديث عن السوريين الذين تم شراء خطوط هاتف على أسمائهم دون درايتهم بذلك، على سبيل المثال.
وعن آلية الترحيل، يقول بيانوني إنها تتم من خلال طريقتين، الأولى من خلال التوقيع على العودة الطوعية وبهذه الحالة يتم ترحيل الشخص بشكل مباشر وبالتالي لا يمكن تقديم أي دعم قانوني أو مناصرة أو مساهمة في إيقاف قرار الترحيل، وهنا يجب التنويه إلى أن التوقيع قد يكون ناتج عن قلة معرفة الموقوف لما يوقع عليه، أو ناتج عن الضغوط والتي غالبا ما تكون نفسية قد يتعرض لها أثناء الاحتجاز، علماً أن ورقة العودة الطوعية مكتوبة باللغتين العربية والتركية.
أما الطريقة الثانية التي يتم فيها الترحيل هي بعد صدور قرار رسمي لترحيل الموقوف، ويحق للمحتجز تقديم اعتراض على قرار الترحيل من خلال توكيل محامي خلال 7 ايام من إبلاغه بالقرار، وعندما يتم الاعتراض على القرار يتم تجميد تنفيذ القرار إلى حين صدور قرار الاعتراض.
وحذّر منسق مشروع "حماية" من أنه وبعد مرور الأيام السبعة يصبح قرار الترحيل نافذاً، ولن يجدي الدعم القانوني وتوكيل المحامي بعد ذلك. وأشار إلى أن الإجراءات القانونية تأخذ وقتاً طويلاً والاعتراض على قرار الترحيل غير كاف لخروج الشخص المحتجز، وقد يبقى المحتجز في مراكز الترحيل لحين صدور القرار النهائي لمدة تقارب السنة".
توسع مشروع "العيادة القانونية" الذي بدأ في غازي عنتاب بالشراكة بين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين واتحاد نقابات المحامين في تركيا، وبدعم من ألمانيا والنرويج والولايات المتحدة الأميركية، ليصبح عدد فروعه 6 تنتشر في ولايات أورفا وكلس وملاطيا وهاتاي وفان.
وتقدم العيادات القانونية خدمات الدعم القانوني والاستشارات للاجئين في تركيا، فيما يتعلق بقضايا الحجز الإداري والترحيل والمعاملات المدنية مثل الطلاق والحماية وغيرها.
استنتج موقع تلفزيون سوريا في المقابلات مع الجمعيات والمنظمات الحقوقية أنها لا تتدخل في قضايا الأحوال الشخصية المدنية مثل الطلاق، أو دعاوى إيجارات المنازل التي تؤرق النسبة العظمى من السوريين حيث يطالبهم أصحاب المنازل بزيادات سنوية تصل لأكثر من 100% (نسبة الزيادة القانونية 25%) مستغلين عدم قدرة السوريين على الدفاع عن حقوقهم وتقييد الأماكن المسموح السكن فيها بالنسبة للأجانب.
وتقتصر الخدمات القانونية والحقوقية للمنظمات والجمعيات على الدفاع عن حقوق اللاجئين ضد الانتهاكات التي تمارسها الحكومة، وهنا تطغى قضايا الترحيل بنسبة كبيرة. كما يوجد عدد من مشاريع الحماية في المنظمات النسائية تقدم خدمات حقوقية وقانونية للسيدات السورييات ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي.
تتعدد الأسباب والمصير ذاته في معظم الحالات
يتطابق ما قاله بيانوني مع ما رواه سوريون مرحلون وآخرون تعرضوا للحجز الإداري لموقع تلفزيون سوريا، وطلبوا عدم ذكر أسمائهم.
يروي التاجر السوري محمد (43 عاماً اسم مستعار) قصة ترحيله، حيث كان عليه قضية في محكمة إدارية ولذلك لم يتم تجديد إقامته السياحية، ولذلك بات بحكم المخالف لقانون الهجرة التركي ووجوده غير شرعي، وتجنب الخروج من المنزل قدر المستطاع حتى وقع ما كان يؤرقه كل يوم، حيث أوقفته دورية شرطة، وانتهى به المطاف عند الحدود السورية.
قال محمد إنه لا يعلم بوجود جمعيات قد تتدخل في قضيته، ولذلك سارع لتوكيل محام لمنع الترحيل، وأبلغ محمد الشرطة وموظفي الهجرة أن لديه محكمة إدارية غير منتهية وتتعلق بمبلغ 600 ألف ليرة تركية، لكنهم لم يراعوا ذلك وأجبروه على توقيع ورقة العودة الطوعية.
بعد أربعة أشهر من ترحيل محمد، صدر قرار المحكمة ببراءته. حينذاك كانت عائلة محمد قد اجتمعت به في سوريا كي لا تتمزق العائلة، وكانت أولى المهام الجديدة في الشمال السوري تعليم اللغة العربية جيدا لابنتهم الصغيرة التي درست 4 سنوات في مدرسة تركية، في حين لدى شقيقته الأصغر فرصة أفضل كونها بعمر الخمس سنوات.
تتعدد الأسباب بين شجار أو ملاسنة أو دفاع عن النفس يكون لاجئ سوري أحد أطرافه، وتنتهي بالحجز الإداري أو المحاكم أو الترحيل، لكن تبرز مخالفة إذن السفر كونها السبب الأكثر شيوعاً في حالات الترحيل، رغم وجود قانون بإصدار مخالفة مالية لمخالفي قانون التنقل. في جميع القصص التي استمع إليها موقع تلفزيون سوريا لم يكن لدى أصحابها علم بوجود منظمات تقدم الخدمات القانونية، وهنا مؤشر عن وجود تقصير في التواصل والوصول.
أما حسن (24 عاماً اسم مستعار) الذي يعمل في ورشة صناعية بمدينة أضنة، حاول الهجرة إلى أوروربا عبر الحدود التركية اليونانية، وبعد الإمساك به وبأصدقائه السبعة وإعادتهم إلى تركيا بعد ضربهم ونزع ملابسهم كاملة، ألقت الجندرمة التركية القبض عليهم ووصلوا إلى مركز الترحيل في ولاية غازي عنتاب، وكان حسن الوحيد الذي خرج من المركز بعد 7 أشهر ودفع لمحام مبلغ 1600 دولار أميركي إدخرها في 5 سنوات من العمل ليخطب بها حبيبته.
خرج حسن من مركز الترحيل لكن بشرط التوقيع كل أسبوع في مركز الهجرة، لإثبات وجوده في تركيا.
عبدالكريم حمود ونقابة محامين أورفا.. قصة نجاح
في قضية هي الأولى من نوعها في تركيا، قضت المحكمة الدستورية العليا في تركيا في أيار 2023 ببطلان ترحيل اللاجئ السوري، عبد الكريم حمود، من تركيا إلى سوريا بعد إجباره على توقيع ورقة العودة الطوعية، وغرمت المحكمة الموظف الذي أجبر حمود على التوقيع بحسب ما نشر في الجريدة الرسمية.
تقدم المحامي سلامي كليتش بدعوى إلى المحكمة الإدارية لإيقاف عملية ترحيله إلى سوريا، وصدر القرار بإيقاف الترحيل بعد شهرين من تاريخ الطلب، إلا أن حمود كان قد أصبح في سوريا.
بعد ترحيل حمود، وبناء على قرار من المحكمة الإدارية ببطلان عملية الترحيل، بدأت عملية المرافعة في المحكمة الدستورية بوثيقة منحت الصلاحية للمحامي سلامي كليتش لتمثيل حمود في المحكمة بدلاً عن التوكيل الرسمي، وذلك بناءً على تكليف من نقابة المحامين في شانلي أورفا، واتحاد الجمعيات القانونية في تركيا.
وشرح المحامي كليتش لموقع تلفزيون سوريا تفاصيل القضية، وأوضح السبل القانونية المتبعة والتي أفضت إلى كسب هذه القضية.
وتحدث المحامي عن صعوبة القضية التي استمرت عدة سنوات، لإثبات أن التوقيع على ورقة "العودة الطوعية" كان بالإكراه: "إن ورقة العودة الطوعية التي وقع عليها موكلي كانت معدة مسبقاً، وتوزع على الجميع، وهو ما أثار الشكوك في مصداقيتها".
وقال: التوقيع على ورقة العودة الطوعية يجب أن يكون بحضور أطراف تابعة إلى جهات ومنظمات غير حكومية، وذلك وفق تعميم وزارة الداخلية رقم 2017/10، الذي ينص على حضور التوقيع ممثل عن منظمة الأمم المتحدة للاجئين أو الهلال الأحمر التركي أو ممثل منظمة غير حكومية معتمدة من قبل الولايات القضائية".
وتابع: "في حالة عدم وجودهم، يطلب توقيع مسؤولي مجلس حقوق الإنسان والمساواة في الولاية على المستندات الرسمية المتعلقة بالعودة الطوعية، ويكون ذلك بحضور مترجم، وهو ما لم يحصل مع موكلي".
بعد 4 أشهر من ترحيله، عاد حمود إلى تركيا بناء على قرار المحكمة، وهو الآن مع عائلته في شانلي أورفا.
انخفض عدد السوريين في تركيا بمقدار 39 ألف شخص في الفترة ما بين 22 شباط الفائت والرابع من نيسان الجاري، بحسب آخر إحصائية صدرت عن رئاسة الهجرة، ويبلغ عدد اللاجئين السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في جميع أنحاء البلاد، 3 ملايين و120 ألفاً و430 شخصاً. هذا الانخفاض المتواصل منذ العام 2020 والذي بلغت قيمته 552 ألف سوري له أسبابه الكثيرة ومنها الترحيل إلى سوريا والهجرة غير الشرعية إلى أوروربا أو البحث عن بلد بديل لللإقامة مثل مصر.
تم إنتاج هذه المادة بدعم من منظمة "JHR - صحفيون من أجل الإنسان".