في دمشق، تعتبر سكبة رمضان تقليداً متعارفاً عليه منذ القدم، لكن ضيق الأحوال المعيشية، حدّ من هذه العادة، بل جعلها تندثر في كثير من الأحياء خاصة الشعبية منها، رغم حاجة الأغلبية لها مع تردي الوضع الاقتصادي في العاصمة.
تعتبر بعض الأسر تقديم السكبة للجيران المحتاجين نوعاً من الصدقة والحسنة، وآخرون يعتبرونها تقليداً يمكن أن يقدم لأي جار من الجيران لكن حصة الفقير غالباً ما تكون أكبر. يقول جمال 65 عاماً وهو رب عائلة من 5 أشخاص في منطقة ركن الدين العشوائية في دمشق، إنه "لم يحصل على أي سكبة من أي جار هذا العام".
يضع جمال لجيرانه كثيرا من المبررات رغم حاجته لأي طبق إضافي على سفرة إفطاره، بقوله "ربما يخجلون من نوعية الطعام الذي يفطرون عليه، وقد تكون الكميات التي يطهونها بالكاد تكفيهم".
يعتبر جمال أن رمضان هذا العام هو الأصعب في حياته من كل النواحي، وقال لموقع تلفزيون سوريا "حالياً أنا لا أعمل ولا يريد أحد أن يوظفني بسبب عمري، ورواتب أولادي بالكاد تكفي متطلباتهم الشخصية وبعض الطعام ومستلزمات المنزل".
توقف مساعدات الجمعيات الخيرية في دمشق
وأضاف "اعتادت الجمعيات الخيرية توزيع الوجبات على المحتاجين كل عام، لكن حتى الجمعيات بدأت منذ عامين أو أكثر بخفض الكميات حتى توقفت نهائياً هذا العام ولم تصلنا أي وجبة من أي جمعية، وكل هذا يضاف إلى توقف عادة سكبة رمضان".
وبحسب متطوع في إحدى الجمعيات التي كانت توزع سكبة رمضان بعدة أحياء في دمشق وريفها يومياً وبالآلاف، فإن عدد المتبرعين انخفض بشكل مقلق، قائلاً "المبالغ التي تم التبرع بها لم تكف إلا لإعداد بين 700 - 1000 وجبة في اليوم، وهذا الرقم قليل جداً لو قسمته على خمسة كوسطي عدد أفراد الأسرة، ستكون وجباتنا مشبعة لـ200 عائلة بدمشق فقط، لذلك اختصرنا التوزيع بالكميات لطبق واحد لكل أسرة واتجهنا إلى المناطق الريفية حول دمشق".
يبرر حكمت وهو رب عائلة نازحة من ريف دمشق في جرمانا، توقفَه عن توزيع سكبة رمضان على جيرانه هذا العام "بالنوعية التي لا تبيض الوجه"، مضيفاً "نفطر بعض الأحيان على الفول والتسقية والسلطة أو الشوربة، وأغلب طبخاتنا تفتقد للحوم، فماذا ستقدم لجارك؟ صحيح أن المثل يقول أظهر عذرك ولا تظهر بخلك، لكن الوضع سيئ لدرجة أننا بالكاد نتناول إفطارنا وسحورنا لدرجة الشبع بسبب ضيق الحال".
ارتفاع كلفة الفطور والسحور
وقال الخبير الاقتصادي سنان ديب مؤخراً، إنه من النادر أن تكون العائلة السورية حالياً قادرة على تحضير الفطور والسحور كما اعتادت سابقًا في رمضان، وأشار إلى أن أقل إفطار لعائلة بحاجة إلى أكثر من 70 ألف ليرة بالحدود الدنيا، وسط تقديرات بحاجة الأسرة إلى أكثر من مليون ونصف شهرياً لمعيشة عادية.
وبدوره، قدر الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، علي كنعان، الحد الأدنى لكلفة وجبة الإفطار برمضان لخمسة أشخاص تتراوح ما بين 40 – 60 ألف ليرة سورية، بينما كلفة سفرة رمضان الاعتيادية تصل إلى 100 ألف ليرة سورية. بحسب إذاعة "شام إف إم" المقربة من النظام السوري.
وقدر المدير السابق لمكتب الإحصاء المركزي شفيق عربش العام الماضي معدل الفقر بين العامين 2020 – 2021 بين 90 –95% بحسب دراسة رسمية لم تنشر نتائجها.
ومن جهته، أكد عضو لجنة الخضر والفواكه في سوق الهال محمد العقاد أن هناك أربع أو خمس أكلات فقط من الممكن أن تكون الطبق الرئيسي للمواطن هذا العام، ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار الخضر إنما بسبب مجيء شهر رمضان في أواخر فصل الشتاء ولم يحن نضج معظم الخضر والفواكه بعد.
وبحسب صحيفة الوطن المقربة من النظام، فإن كلفة وجبة السحور باتت تعادل نصف مرتب أي موظف حكومي. وكانت الأجبان والألبان والبيض والتمور عنوان أي سحور، لكن مع وصول سعر كيلو اللبنة إلى 30 ألف ليرة، ومثله للجبنة الشلل، باتت الأعباء المادية كبيرة جداً.