اعتاد أهالي حماة في السنوات الأخيرة سماع تراتبية واحدة تتردد عند غلاء أي سلعة أو مادة تموينية، تبدأ بظهور شائعة عن غلاء تلك المادة، ثم خبراً ينفي تلك الإشاعة، يعقبه تأكيداً أن هذه المادة متوافرة وبكميات كافية، إلا أنه بعد مرور زمن قصير وبشكل مفاجئ تُفقد تلك المادة، لتعود بعدها بالظهور بجودة متردية وأسعار مرتفعة جداً.
هذا ما حصل مؤخراً حيال أزمة الخبز في مدينة حماة، حيث فقد الخبز بين ليلة وضحاها، ليعود خبزاً سيئاً بطحين أسمر فاسد غالباً، أو معجون ببقايا الحشرات والحيوانات القارضة، ومتوفر بشكل ضئيل جداً، فضلاً عن احتكاره من قبل معتمدي التوزيع.
خبز بالحشرات
يُجمع أهالي مدينة حماة على تردي جودة الخبز المتوفر في الأفران وعند المعتمدين، وتسببه بأمراض في الأمعاء عند الكثيرين، أم رعد، من أهالي حي عين اللوزة تؤكد ما قالته فاطمة بأن الخبز يسبب أمراضاً، مؤكدة أنه يحتوي على الحشرات.
تقول أم رعد "الخبز سيئ بشكل كبير، معجّن وأسمر وطعمه بشع"، وتؤكد أنها وجدت حشرات كالصراصير والذباب عدة مرات معجونة في رغيف الخبز، كما أن أحد جيرانها وجد بقايا فأر ضمن الخبز.
وتضيف أم رعد "يستغلوننا بلقمة عيشنا، وضعونا تحت الأمر الواقع بعد رفع سعر الخبز، ولا نستطيع سوى القبول، لأننا لا نستطيع العيش بلا خبز، لكن أن يكون مخلوطاً بالحشرات وبقايا الحيوانات فهذه مرحلة جديدة من المعاناة".
الخبز يسبب أمراضاً في المعدة
"الخبز هو المادة الأساسية في حياتنا، وأبسط حق من حقوقنا الطبيعية كبشر، نحتاج اليوم للوقوف في الطوابير لساعات طويلة للحصول على خبز حتى الدواب لا تستطيع أكله، بالإضافة لأنه يسبب أمراضاً في المعدة"، هذا ما قالته فاطمة، وهي أم لأربعة أولاد، بعد شرائها خبزاً من أحد معتمدي بيع الخبز في حي طريق حلب بحماة.
ومع ارتفاع أسعار الخبز، ازدادت أعباء العائلات، وخاصة الكبيرة منها، فمثلاً عائلة مكونة من خمس أشخاص أصبحت تحتاج وسطياً لربطتي خبز يومياً، أي حوالي 14 رغيفاً، مقابل 400 ليرة سورية، وهذا غير متاح لكافة العائلات، وبالتالي فإن الغالبية يعانون نقصاً في تأمين مادة الخبز بشكل يومي.
وتشير فاطمة إلى أنها تضطر أحياناً لحرمان أطفالها من وجبة الإفطار، أو إرسالهم إلى المدرسة بدون سندويشات، لأن كمية الخبز التي تحصل عائلتها عليها لا تسمح بذلك، وتوضح "بعد أن كنا نحصل على ربطة واحدة ذات 7 أرغفة، مقابل 100 ليرة، أصبحنا نحصل عليها كل يومين مقابل 200 ليرة".
تمييز ضد النازحين واحتكار من المعتمدين
وتحل معاناة الخبز أشد وطأة على النازحين، الملزمين بدفع الإيجارات، والذين يعيشون أصلاً ضائقة اقتصادية نتيجة قلة فرص العمل وانعدام الدخل.
ومع أزمة الخبز، أضيفت البطاقة الذكية إلى قائمة معاناتهم، حيث لا يتمكن جزء كبير منهم من استخراجها، لعدم توفر الأوراق اللازمة غالباً، فضلاً عن تعرضهم للتمييز من أبناء البلد المضيف، حيث يفضل المعتمد بيع الخبز لأبناء المنطقة على بيعه للنازحين، مما يضطرهم لشرائه من السوق السوداء بأسعار مضاعفة.
يقول أبو عماد النازح من مدينة الرقة "أسكن بحي الأربعين جانب جامع الخيرات، المندوبين ما عم يسجلولي لأني نازح ولا أملك بطاقة ذكية، ذهبت لمخبز في منطقة الأربعين، ما عطاني، فقط يعطي معارفه وأقربائه"، ويضيف أبو عماد "ذهبت لرئيس لجنة الحي قال إن الأزمة عامة ولا توجد كفاية من الخبز، فما الحل للحصول على الخبز، والله حرمنا ولادنا الأكل كرمال نأمن إجار البيت، كمان نحرمهم الخبز، والله مافينا نجيب سياحي".
وبالإضافة لتمييز المعتمدين بين النازح وابن البلد، يتهمهم الغالبية باحتكارهم مادة الخبز، وذلك بالتواطؤ مع المختار ولجان الحي، يقول سمير من أهالي حي العدية "ما عم نعرف وين عم يروح مخصصات خبز العدية، رحت اليوم لجيب ربطة من المعتمد فأعطاني نصف، ونحن عائلتين مسجلتين بالبطاقات الذكية، والبقال كل ما سألوا حدا يقول إجاني نصف الكمية، ولا نعلم أين ذهب النصف الآخر".
انتهى عصر التراحم بالخبز
الكثير من العادات الاجتماعية التي نُسج عليها المجتمع السوري أصابها الهزل والفتور يوماً بعد يوم، إلى أن اندثرت بعد مرور سنوات من الوجع الذي لم تتعافَ منه سوريا بعد، فالسوريون الرحيمون فيما بينهم، اعتادوا أن يطرقوا أبواب بعضهم البعض مساءً، أو في وقت متأخر من الليل عند نفاد بيت أحدهم من الخبز، طالباً منه رغيفين على مبدأ الاستعارة الودودة، ليقابله جاره بربطة وربما أكثر.
أما اليوم فكيف يجرؤ من لا يجد رغيفاً يتعشى به أن يطرق باب جاره، وهو يعلم أن حاله كحالِه، والمعاناة واحدة في الحصول على الرغيف، ويصف الحالة أحمد بقوله "انتهى عصر التراحم بالخبز".
يقول أحمد "الحمد لله أمنت على أولادي تعشوا قبل ما يناموا، أنا بحسن أتحمل ونام بلا عشا، مافينا نستعير من جيرانا متل أول، فكلنا لا نشبع الخبز الآن".
كان يمكن للخبز السياحي، الذي كان ملجأ السوريين سابقاً إن انقطعوا من الخبز، أن يكون بديلاً اليوم للرغيف العادي لو لم تكن تلك الربطة بـ 1700 ليرة، وهذا رقم لا يمكن لمحدودي الدخل، وهم الغالبية، دفعه يومياً.
وكان يمكن للخبز المنزلي أن يكون بديلاً عن الأفران لو لم تكن شكوى الأفران الدائمة عدم توفر الطحين من "غرفة الطحين"، التي اعتاد سابقاً أهالي حماة شراء الطحين منها، فمن أين له أن يتوفر في المتاجر ليشتريه الناس.
60 مخالفة بحق المخابز في حماة
يذكر أن عدد من أهالي حماة قدموا شكاوى تموينية رسمية، تتعلق بتدني جودة الخبز وانخفاض وزنه وارتفاع سعره، مشيرين إلى أن وزن الربطة في معظم الأحيان بين 850 – 900 غرام فقط، في حين يتراوح سعرها بين 150 – 200 ليرة.
ونقلت صحيفة "الوطن" الموالية، عن عضو المكتب التنفيذي لقطاع التموين في حماة، مسعف العلي، قوله إن "المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة حدد سعر الربطة للمعتمدين بـ 120 ليرة، إذا كان محل المعتمد ضمن نطاق 10 كم من المخبز الذي يستلم منه مخصصات المواطنين المقيمين في حيه، و125 ليرة إذا زادت المسافة التي تفصل بين محله والخبز عن 10 كم.
من جانب آخر، أكد مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حماة، زياد الكوسا، أن "التعليمات الوزارية واضحة وصريحة، وتقضي بعدم المساس برغيف الخبز، واتخاذ العقوبات الشديدة بحق المخالفين".
موضحاً أن "الدوريات تتابع إنتاج المخابز العامة والخاصة، من حيث النوعية والوزن والسعر، وعند وجود أي مخالفة تتخذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين والغشاشين"، لافتاً إلى أنه تم تنظيم أكثر من 60 ضبطاً مؤخراً بحق العديد من المخابز لإنتاجها خبزاً سيئ الصنع، ولنقص الوزن، وبحق معتمدين للبيع بسعر زائد، وللامتناع عن البيع".
وتشهد مناطق سيطرة النظام، منذ ثلاثة أشهر، أزمة خانقة نتيجة نقص مادة الخبز، حيث فشلت حكومة النظام وأجهزته في إيجاد حل حقيقي لعلاج أزمة الخبز المتفاقمة، وسط تخبّطٍ في التصريحات الرسمية أمام مشهد الازدحام والطوابير في العاصمة دمشق وريفها وكثير من المدن السورية، وإغلاق أفران عديدة نتيجة عدم توافر الطحين.
اقرأ ايضاً: إيجارات المنازل في حماة: عبء على النازحين ومصدر دخل للمؤجرين
اقرأ أيضاً: 600 ألف ليرة حاجة الأسرة السورية شهرياً
اقرأ أيضاً: أهالي حلب وحماة يشتكون من سوء جودة الخبز