كشف مدير مركز أبحاث اللجوء والهجرة (IGAM) في أنقرة البروفيسور مراد أردوغان أن 80 في المئة من اللاجئين السوريين في تركيا لا يريدون العودة إلى بلادهم، معتبراً أن "الحكومة استسلمت للخطاب الشعبوي".
وفي ظل الأجواء الحساسة للانتخابات في تركيا، تبدو مسألة اللاجئين هي أحد أكثر موضوعات النقاش سخونة، فالقلق والانزعاج من وجود أكثر من خمسة ملايين لاجئ في تركيا، بسبب تأثير الأزمة الاقتصادية، دفع الحكومة أمام الضغوطات إلى منع السوريين من الذهاب لقضاء إجازة العيد في بلادهم، في حين تشدد المعارضة خطابها وتتوعد بإعادة السوريين. وفق ما ذكرت صحيفة "جمهورييت" التركية في تقرير نشرته اليوم الأحد.
وفي حديثه للصحيفة قال البروفيسور أردوغان إن بداية دخول اللاجئين السوريين إلى تركيا بتاريخ 29 من نيسان 2011 كان علامة فارقة في البلاد، حيث وصل في العام الأول نحو 14 ألف شخص، وبعدها تغيرت ظروف الحرب في 2013، واضطر 6.7 ملايين سوري إلى ترك بلادهم، وجاءت أكبر مجموعة منهم إلى تركيا.
وأضاف أنه خلال 11 عاماً من وجود السوريين في تركيا وقعت أخطاء كبيرة، حيث ألقى كل من المجتمع والسياسيين المشكلة إلى الخلف، وفي حين رأى المجتمع التركي في البداية السوريين ضيوفاً، إلا أن هذه النظرة تغيرت الآن وباتوا يرون وجودهم يمثل تهديداً محتملاً. كما دخلت هذه القضية مجال السياسة والاقتصاد.
80 في المئة من السوريين لا يريدون العودة
ووفقاً لاستطلاع "البارومتر السوري" الذي أجراه مركز أبحاث اللجوء والهجرة، فإن نسبة السوريين في تركيا الذي لا يريدون العودة إذا انتهت الحرب ارتفعت من 60 إلى 80 في المئة، لأنهم يرون أنه من غير الممكن أن تعود سوريا إلى طبيعتها في وقت قصير. فإعادة إعمار سوريا ستستغرق سنوات، وإمكانية نشوب حروب ما زالت مرتفعة جداً.
يقول أردوغان إن أسباب العودة الطوعية للسوريين في تركيا غير مرئية حالياً، ومن الضروري قبول عدم رغبة اللاجئين بالعودة إلى بلدانهم طواعية، وإذا كان الأمر يتعلق بالعودة القسرية، فهذا شيء آخر، لأنه من السهل استغلال إثارة المجتمع، لكن هذا الموضوع سيخلق مشكلات خطيرة للحكومة إذا لم يتخل السياسيون عن هذا الخطاب خلال فترة الانتخابات.
هل يسمح القانون الدولي بإعادة اللاجئين؟
ووفقاً للقانون الدولي، لا يمكن إرسال أشخاص إلى أفغانستان أو سوريا في الوقت الحالي. ويضيف مراد أردوغان: "لنفترض أننا أغلقنا أعيننا وقررنا إرسالهم، كيف سيكون شكل هؤلاء الأربعة ملايين شخص؟ يُعتقد أن تطبيق هذا بسيط جداً ولا يستهان به، لكن لا أحد يدرك مدى صعوبة إعادة حتى المهاجرين غير الشرعيين، عملية العودة ليست سهلة، دعونا لا نكون حالمين".
ويشير البروفيسور التركي إلى أن 90 في المئة من المجتمع التركي يعتقد أن الأجانب سيبقون في تركيا بشكل دائم، وأحزاب المعارضة تعتقد أن التوصل إلى اتفاق مع نظام الأسد سيحل مشكلة اللاجئين ويعيدهم إلى بلادهم، أما سياسة الحكومة فهي أن نظام الأسد يجب أن يرحل، فلا عودة للاجئين ما دام موجوداً.
وبحسب أردوغان فإن العودة أمر يتمناه الناس بشكل طبيعي، لكنهم يخشونها وقد بنوا حياتهم هنا. فمثلاً يبلغ عدد الطلاب السوريين الذين يدرسون في المدارس التركية حالياً أكثر من 730 ألفاً، ووصل عدد المواليد في تركيا في العشر سنوات الماضية إلى أكثر من 750 ألف طفل، بالإضافة إلى 45 في المئة من السوريين في تركيا هم من الشباب وأغلبهم يعملون. فكل هذه أسباب تقلل من الرغبة في العودة.
ما السياسية الصحيحة للتعامل مع اللاجئين حالياً؟
يقول أردوغان: "يحتل اللاجئون المرتبة الثالثة من حيث الأهمية في العملية الانتخابية بعد الاقتصاد والإرهاب، وهذا يدفع الحكومة والمعارضة إلى استغلاله"، مشدداً على أن الخطابات الآن يجب أن تكون على أرضية صلبة.
ويضيف أن "زيادة التوتر والخطاب العنصري يشكلان خطورة على المجتمع، وليس هناك ما نفعله سوى مواجهة الحقائق. فمثلاً هناك سوريون وأفغان وباكستانيون استقروا بشكل غير منتظم، ونحن في تركيا قللنا من شأن هذه المسألة كثيراً ورأيناها مؤقتة لدرجة أننا لم نخطط للتسوية، فمن الناحية الاجتماعية، تم عزلهم وبنوا حياة جديدة لأنفسهم هنا".
ويرى أردوغان أن ذهاب اللاجئين السوريين إلى بلاهم خلال فترة العيد يجب أن يبقى، معتبراً أن إغلاق المعابر ومنعهم من الذهاب إلى بلادهم في العيد والاستسلام للخطاب الشعبوي، يجعل الطريق مسدوداً أمام العودة الطوعية. مبيناً أن هناك أكثر من 100 ألف شخص ذهبوا ولم يعودوا خلال العيد حتى اليوم وأغلبهم من كبار السن.
وحول مسألة عمالة السوريين قال البروفيسور أردوغان إن الحكومة لم تستطع توقع مجيء السوريون بأعداد كبيرة وبقائهم في هذه الحالة، فبدلاً من تقديم الدعم المالي والمال للسوريين بشكل مباشر، غضوا الطرف عن عملهم غير المسجل، لافتاً إلى أنه من أصل 2.5 مليون سوري فوق سن الـ 12 عاماً، فقط 60 ألفاً منهم لديه تصريح عمل، والباقي غير مسجل، ويعمل من دون أمان.
وشدد على أنه من الضروري تقديم الدعم المالي للإدارات المحلية من قبل الحكومة المركزية، وأن تتلقى البلديات دخلاً مالياً بناءً على عدد المواطنين، فعندما يتم تضمين السكان الأجانب في هذا الحساب، يمكنهم تقديم خدمات للجميع.
السوريون في تركيا قلقون من الترحيل
يقول أردوغان إن السوريين في تركيا قلقون من الترحيل، ويرون أنه بعد تغيير السلطة سيكون عملهم وحياتهم صعبة، لذلك يبحثون عن طرق للذهاب إلى بلد ثالث، لكن لا يريدون السفر بشكل غير قانوني، لأنه أصبح صعباً وخطيراً جداً.
ويضيف: أن "الوضع خطير جداً، والغضب والجدل يتراكم، ولنفترض أنك أرسلت مليوناً من أصل 4 ملايين سوري، سيبقى هنا 3 ملايين شخص، نحن لا ندرك الخطر، وبالتالي يجب على المعارضة أن تصوغ سياساتها وفقاً لذلك".
يشار إلى أن عدد اللاجئين السوريين الخاضعين لوضع "الحماية المؤقتة" في تركيا يبلغ اليوم 3 ملايين و762 ألفاً، وعدد حاملي الجنسية 193 ألفاً و793، وأكثر من 750 ألف طفل سوري مولود في تركيا خلال السنوات العشرة الأخيرة.