تكاد إيران أن تفتقد كل أصدقائها فليس لديها دولة حليفة بشكل كامل. مؤشر الانتخابات العراقية ونتائجها يفيد بأن إيران تلقت ضربة سياسية قوية من جهة الغرب. بالإضافة إلى استمرار التوتر على حدودها مع أفغانستان وأذربيجان، في هذا الوقت تتحدث معلومات عن إعادة تموضع إيراني في سوريا، ذلك سينعكس تشدداً إيرانياً أكبر في لبنان واليمن. ففي لبنان التشدد الإيراني واضح من قبل حزب الله وتصعيده في ملفات مختلفة آخرها الأحداث التي شهدتها بيروت الأسبوع الفائت والاستشراس ضد المحقق العدلي طارق البيطار في قضية تفجير مرفأ بيروت.
أما في اليمن فإن السياسة الإيرانية تسعى إلى الضغط أكثر على مدينة مأرب في محاولة للسيطرة عليها لتحقيق مجموعة أهداف ميدانية وسياسية خصوصاً في حوار الجمهورية الإسلامية مع المملكة العربية السعودية، وفي استعدادها لعودة المفاوضات النووية في فيينا.
هذه الوقائع كلها تدفع إيران إلى الحماسة للعودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي مع واشنطن، ولو اقتضى ذلك تقديم تنازلات إيرانية عما يعتبره الإيرانيون من الثوابت التي لا يمكن التنازل عنها، لا سيما في ظل تشدد أميركي وعدم الاستعداد لتقديم أي تنازلات تريدها طهران. وهنا لا بد من تسجيل الموقف الذي أطلقه المبعوث الأميركي إلى إيران روبرت مالي وهو أكثر المتحمسين لعقد الاتفاق، وأشار فيه إلى صعوبة الوصول إلى الاتفاق النووي أو إعادة إحيائه، إلى جانب مؤشرات تفيد بأن هناك صعوبة لدى واشنطن بتقديم أي تنازل لطهران، كل ذلك سيفرض على إيران تقديم تنازلات.
فسابقاً كانت إيران تستفيد من مناخات التصعيد والتوتير على مرحلة سريعة، ولكن على المدى البعيد لا بد من أن يرتد عليها سلباً، خصوصاً في لحظات التسويات
لا يظهر أن المواقف الروسية والصينية والأوروبية، في سياق مختلف عن السياق المنتهج في منطقة الشرق الأوسط، وترسيخ نوع من الاستقرار المحلّي الذي يتدرج من عنوان التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. وبالتالي فإنه على مستوى المواقف الدولية لا يوجد انقسام حقيقي في الاصطفافات السياسية، وهذا سيكون له انعكاس سلبي على الموقف الإيراني، خصوصاً في ظل الإصرار الإسرائيلي على تحشيد مواقف دولية ضد طهران وبرنامجها النووي، وكأن إسرائيل تضغط أكثر على الولايات المتحدة لعدم تسليف طهران ما تم تسليفه لها أيام ولاية باراك أوباما. ولا يمكن إغفال أيضاً المواقف السعودية المتصاعدة خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية فيصل بن فرحان إلى واشنطن ولقائه مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وإشارته إلى أن الحوار السعودي الإيراني مستمر وبنفحة إيجابية ولكنه لم يحقق أي تقدم حتى الآن.
ثمة من يعتبر أن الخيارات الإيرانية تضيق أكثر فأكثر. المعارك كلها رست على برّ قادر على تطويق طهران من خلال ملفين أساسيين هما أفغانستان وأذربيجان. فسابقاً كانت إيران تستفيد من مناخات التصعيد والتوتير على مرحلة سريعة، ولكن على المدى البعيد لا بد من أن يرتد عليها سلباً، خصوصاً في لحظات التسويات، ولا سيما في ظل عدم توفر أي مقومات قادرة على إفادة الموقف الإيراني القابل لابتزاز كل القوى في كل الساحات. تبحث إيران عن فرص الانتقال إلى خطوات جديدة من خلال إحياء المفاوضات النووية التي تجعلها تلتقط أنفاسها لفتح الأبواب أمام تفاهمات جديدة، فبعد أن كانت إيران هي التي ترفض مناقشة الملفات الإقليمية ونفوذها في المنطقة مقابل المطالبة بحصر التفاوض في سبيل الاتفاق النووي تقنياً، سيكون هناك تحول في هذا الموقف ويصبح موقفها الأول هو المطالبة بالوصول إلى تسويات في الإقليم للتخفيف عن نفسها، خصوصاً أن التطورات بدأت تقترب من حدودها. لحظة الوصول إلى هذه القناعة، يعني الدخول في منطق تقاسم النفوذ بدون إنهاء الأزمات، ولا يؤدي إلى إنهاء النفور والتنافر، بل توفير الحدّ الأدنى من الاستقرار، وفق قواعد ستكون خاضعة لحسابات إسرائيلية، ووقائع سورية ولبنانية، مقابل حسابات إيرانية على حدود أفغانستان وأذربيجان، حيث تتجلى الحاجة الإيرانية لخلق التفاهمات.