تعود عمليات الاستهداف لآليات ومدرعات الجيش التركي شمال غربي سوريا إلى الواجهة مجدداً، بعد تعرض آلية تركية لاستهداف بصاروخ مضاد للدروع في محيط مدينة مارع بريف حلب الشمالي، في حدث يرى محللون أنه يحمل في طياته كثيرا من الرسائل لأنقرة، وتحديداً للرئيس رجب طيب أردوغان.
يتزامن التصعيد ضد الوجود التركي في سوريا، مع أحداث دولية معقدة في مقدمتها الصراع الروسي - الأوكراني، ومع تركز الاهتمام الحكومي التركي على تهيئة أجواء مناسبة استعداداً للانتخابات الرئاسية العام القادم، إضافة لاهتمام أنقرة المنصبّ على خلق منطقة آمنة شمالي سوريا لإعادة اللاجئين إليها، ومحاربة حزب العمال الكردستاني "PKK" شمالي العراق، وإنهاء تهديده للأراضي التركية.
ليس الأول.. استهداف للجنود الأتراك
في 22 نيسان/أبريل الجاري، تعرضت عربة تركية لاستهداف بصاروخ مضاد للدروع، انطلق من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" القريبة من مدينة مارع شمالي حلب، ما أسفر عن مقتل شرطي من القوات الخاصة التركية.
أصيبت العربة بواسطة الصاروخ، واشتعلت النيران فيها، في أثناء مرورها على نقطة تفتيش على أطراف مدينة مارع، وأعلنت المديرية العامة للأمن التركي بعد ذلك مقتل شرطي من القوات الخاصة، إثر هجوم صاروخي نفذه إرهابيون في منطقة عملية "درع الفرات"، شمالي سوريا.
واتهمت المديرية "وحدات حماية الشعب" المرتبطة بقوات قسد، بتنفيذ الهجوم الصاروخي من منطقة خاضعة لسيطرتها، على نقطة تفتيش في مارع، ما أسفر عن مقتل الشرطي أيتاتش ألتونورس.
"قسد" تنفي وذراعها تؤكد
نفت "قوات سوريا الديمقراطية" صلتها باستهداف الآلية، وقال مدير المركز الإعلامي فيها، فرهاد شامي، إن القوات لا تملك أي معلومات عن الجهة التي استهدفت المدرعة، في حين تبنت ما تسمى "قوات تحرير عفرين" العملية، وادعت قتل 10 عناصر من قوات الشرطة الخاصة التركية، كما نشرت شريطاً مصوراً يظهر لحظة استهداف العربة بصاروخ موجه، واندلاع النيران فيها.
وبعد تبني هذه المجموعة للعملية، قال فرهاد شامي، في تغريدات على تويتر: "تابعنا من خلال وسائل الإعلام مشاهد لعملية عسكرية موضعية لقوات تطلق على نفسها قوات تحرير عفرين، استهدفت مدرعة للاحتلال التركي في مدينة مارع السورية المحتلة وأدت إلى مقتل عدد من الجنود الأتراك بحسب بيان للقوات".
١/٣تابعنا من خلال وسائل الإعلام مشاهد لعملية عسكرية موضعية لقوات تطلق على نفسها #قوات_تحرير_عفرين واستهدفت مدرعة للاحتلال التركي في مدينة مارع السورية المحتلة وأدت إلى مقتل عدد من الجنود الأتراك بحسب بيان للقوات #HRE. pic.twitter.com/1yE7aWaNEW
— Farhad Shami (@farhad_shami) April 23, 2022
وأضاف أن "المعلومات القليلة المتوفرة بأيدينا لا تسمح لنا بمعرفة هذه القوات وطبيعة نشاطها، ولكن، بحسب، النبذة التعريفية التي نشرتها على حسابها على التويتر فإنها تتشكل من أبناء وبنات عفرين المحتلة وكذلك عدد من المتطوعين المتعاطفين وتتبنى قضية تحرير منطقة عفرين".
حاول "فرهاد شامي" التنصل من "قوات تحرير عفرين"، نافياً تبعيتها لـ"قسد"، لكن ما رصده موقع تلفزيون سوريا على حساب "شامي" في تويتر، يثبت العكس، حيث سبق أن نشر ما يزيد على 11 عملية لهذه القوات ضد الجيشين الوطني السوري والتركي بريف حلب، خلال عام 2019، واصفاً عناصرها في إحدى التغريدات بـ "النسور والنمور"، ما يؤكد على وجود صلة تربط المجموعة بـ"قسد"، وإلا لماذا يضطر متحدث رسمي إلى نشر أعمال مجموعة لا يعرفها أو لا يعلم طبيعة نشاطها؟
نسور ونمور قوات تحرير عفرين هذه المرة من الارض والجو يستهدفون مرتزقة الاحتلال التركي في فيلات القاضي في ناحية شرا.
— Farhad Shami (@farhad_shami) June 4, 2019
قوات تحرير عفرين تعلن عن مقتل 5 من مرتزقة الإحتلال التركي في شرا وشيراوا بعفرين https://t.co/3eq0pRqVIh
قوات تحرير عفرين تنفذ عملية نوعية ضد الميليشيات المرتزقة التابعة للاحتلال التركي في محيط مدينة الباب، وتوقع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المرتزقة إضافة إلى الاستيلاء على كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة. القوات ستنشر بيان تفصيلي مع مشاهد مصورة للعملية خلال الفترة القادمة.
— Farhad Shami (@farhad_shami) August 4, 2019
من هي "قوات تحرير عفرين"؟
تنشط "قوات تحرير عفرين" في استهداف قواعد وآليات الجيش التركي شمالي وشرقي حلب، عبر الصواريخ الموجهة بشكل رئيسي، وتوثق عملياتها وتنشرها على معرفات مستقلة، ويتداولها بعد ذلك موالون لقوات "قسد"، ينحدر معظمهم من مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني.
وأكد الناشط الصحفي أحمد البرهو، في حديث سابق لموقع تلفزيون سوريا أن "قوات تحرير عفرين ذراع عسكرية تابعة بشكل مباشر لـ "وحدات حماية الشعب" في ريف حلب، وهو مجرد اسم تنسب إليه "قسد" عملياتها الأمنية والعسكرية على جبهات مناطق سيطرة المعارضة وفي داخلها، ويتيح لها أيضاَ التنسيق مع قوات النظام والميليشيات الإيرانية بشكل منفصل عن العلاقة الرسمية بين "الإدارة الذاتية" والنظام، على الأقل في وسائل الإعلام".
بدوره يؤكد عضو التجمع الوطني لأحرار عفرين، علي سينو أن "قوات تحرير عفرين عبارة عن ذراع لـYPG في ريف حلب تتزعمها مولودة أحمد، ويلقبونها ساريا، وهي من قرية كاخور في ناحية المعبطلي بريف عفرين، وظهرت هذه التسمية بداية العام 2019".
وأضاف سينو في تصريح لموقع تلفزيون سوريا: "تنفذ هذه القوات عملياتها العسكرية غالباً بالتنسيق مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية التي تتقاسم معها العديد من محاور القتال في ريف حلب، وهناك ضباط من قوات النظام يشرفون بشكل مباشر على إدارة وتنفيذ عمليات التسلل التي تقوم بها مجموعات القوات في محاور القتال".
وتتشارك "قوات تحرير عفرين" مع قوات النظام والميليشيات الإيرانية السيطرة والتمركز في عدد من الثكنات والمواقع العسكرية شمالي حلب، أهمها، كلية المشاة ومبنى البحوث الزراعية ومعمل الإسمنت والمنطقة الحرة ومطار منغ والمطار الزراعي قرب تل رفعت.
هجمات تكرر نفسها ووسائل الوقاية مفقودة
تعيد الهجمات الجديدة على الجيش التركي، التذكير بالتصعيد اللافت الذي بدأ ضد القوات التركية في شهر تشرين الأول عام 2021، في منطقة مارع نفسها، وأدت إلى مقتل وجرح جنود وعناصر شرطة أتراك.
وفي ذلك الوقت، تعرضت مدرعة تركية في مدينة مارع لاستهداف بصاروخ موجه، ما أدى إلى مقتل عنصري شرطة المهام الخاصة جهاد شاهين، وفاتح دوغان، وذكر وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أن الصاروخ انطلق من مدينة تل رفعت.
تزامن الاستهداف مع مقتل جندي تركي من جراء تعرض قاعدة عسكرية في منطقة تويس شرق مدينة مارع للقصف المدفعي من قبل "قسد"، واكتفى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بالإعلان بعد ذلك عن إطلاق العمليات فوراً ضد "الإرهابيين" الذين تسببوا بمقتل الجندي، والقضاء على 5 منهم.
أكدت المعطيات في ذلك الوقت أن قسد لم تكن لتقدم على التصعيد غير المسبوق ضد الجيش التركي، دون الحصول على ضوء أخضر ودعم غير محدود من الجانب الروسي، إذ أفادت مصادر عسكرية في الجيش الوطني لموقع تلفزيون سوريا، بأن قسد تسلمت حينذاك صواريخ متطورة لاستهداف العربات المدرعة، كما أن المواقع التي تنطلق منها الهجمات، تتشارك كل من قوات قسد ونظام الأسد السيطرة عليها.
ووفقاً للقيادي في الجيش الوطني السوري، الفاروق أبو بكر، الموجود في مدينة مارع، فإن قوات قسد كثفت من استخدام الصواريخ الموجهة في قصف مواقع الجيش الوطني والآليات التركية بالمنطقة خلال الـ 6 أشهر الماضية.
ويواجه الجيش الوطني صعوبة في تأمين وسائل الوقاية من الصواريخ الموجهة في مدينة مارع تحديداً، إذ يقول "أبو بكر" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إن المناطق سهلية ومكشوفة للعدو، بالتالي فهي عرضة للاستهداف، علماً أن بعض المناطق بقيت مكشوفة بعد رفع سواتر ترابية فيها.
وتعد القاعدة التركية في قرية حزوان قرب مدينة الباب شرقي حلب، من القواعد التي تتعرض لاستهداف صاروخي بشكل متكرر، وسبق أن أسفرت إحدى الهجمات عن احتراق آلية عسكرية، ومقتل جنديين في هجوم منفصل، ووفقاً لمصادر ميدانية، فإن الصواريخ تنطلق من مواقع "قسد" في "رادار شعالة" بريف حلب.
ولا تقتصر الهجمات ضد القوات التركية على منطقة ريف حلب، إذ تتعرض نظيرتها في إدلب لهجمات بالقذائف المدفعية من قبل قوات النظام السوري، كما أن تلك القوات تتعرض لهجمات على الشريط الحدودي، حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية سابقاً عن مقتل ثلاثة جنود في بلدة أقجة قلعة، بولاية شانلي أورفة، إثر انفجار قنبلة محلية الصنع "وضعها إرهابيون".
ومنذ آذار عام 2020، حتى أواخر عام 2021 أحصى مركز "محاربة الإرهاب والتطرف للأبحاث" التركي، 36 هجوماً تعرّض لها الجيش التركي في إدلب، قُتل على إثرها 12 جندياً، وأُصيب 21 آخرون، وكانت نصف الهجمات بعبوات ناسفة، في حين توزع النصف الآخر على الصواريخ، وإطلاق النار، والهجوم بالأسلحة وغيرها، وهجوم واحد بسيارة ملغمة.
المدرعة "كيربي" أكثر الآليات استهدافاً
رصد موقع تلفزيون سوريا عدة هجمات ضد الجيش التركي، سواء في إدلب أو ريف حلب، وكانت معظم الآليات المستهدفة من طراز "كيربي"، والتي يستخدمها الجيش التركي عادة شمالي سوريا للتنقل بين القواعد.
وبحسب وكالة "الأناضول"، إن الطراز الأول من "كيربي" كان على شكل مدرعة إسعاف مضادة للألغام، حيث تتمكن من دخول جبهات القتال ونقل الجرحى بسلام، ويتسع الطراز لـ 3 من طاقم الإسعاف، و3 مرضى في حال الجلوس، فضلاً عن قائد المدرعة وسائقها، مضيفة أن مدرعة الإسعاف اجتازت كافة اختبارات حلف شمال الأطلسي، وتم تجهيزها بكافة المعدات الموجودة في سيارات الإسعاف العادية.
وأشارت إلى وجود عربات من طراز "كيربي-2" (لا تختلف من ناحية الشكل) حيث تم تسليمها للقوات المسلحة، وذلك بهدف تأمين نقل الجنود والمعدات بشكل آمن إلى جبهات القتال، وتجاوز ظروف البيئة الصعبة، كما ذكرت أن "كيربي-2" تتميز بأنها مقاومة للألغام والقنابل، ويمكن استخدامها في عمليات مكافحة الإرهاب، وفي الدوريات الحدودية أيضاً، وزودت بمناظير تناسب كافة الظروف البيئية المختلفة، ومحطة تحكم بالسلاح عن بعد، ومنظومة إطفاء حرائق.
توقيت الاستهداف ودوافعه المتوقعة
ذكر الباحث في الشأن السوري، محمد السكري، أنه كان من المتوقع استغلال روسيا لورقة الانتخابات التركية القادمة في إطار عملياتها العسكرية في سوريا، بالتالي، فإن سبب التصعيد الأساسي هو الانشغال التركي بالاستحقاق الداخلي، والتركيز على ملف عودة اللاجئين إلى "المنطقة الآمنة".
وتريد روسيا من خلال هذا التصعيد تشكيل ضغط أكبر على الإدارة التركية لدفعها باتجاه فتح مساحات للحوار مع النظام السوري وتقويض مساعيها في إطار الاعتماد على المنطقة الآمنة، عبر جعلها منطقة غير مستقرة أمنياً، وهذا ما قد يفرض توافقات جديدة بروتوكولية تضاف للبروتوكولات السابقة في إطار سوتشي ولا سيما أن رغبة موسكو الأساسية هي السيطرة على جنوب مدينة إدلب على الأقل، وهو أمر غير مقبول تركياً، بحسب "السكري".
ورأى الباحث في حديث مع موقع تلفزيون سوريا أن تزامن القصف الروسي (صواريخ جو - جو) مع الاستهدافات التي قامت بها "الإدارة الذاتية" والنظام ضد مناطق سيطرة المعارضة يؤكد أن موسكو هي من قامت بتحريك الملف من جديد، وهذه رسالة صريحة إلى أنقرة بأن الانشغال الروسي في أوكرانيا لا يعني عدم الاهتمام بالملف السوري.
ويختم "السكري" بالقول: "إن خطوة إغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا تعتبر تصعيداً غير مسبوق ويحمل في طياته موقفاً تركياً حاداً حول هذه المنطقة، قد يتطور في حال الإصرار الروسي على التصعيد لكن دون أن يعني ذلك انهيار التفاهمات، إذ تبقى سوتشي وملاحقها الضمانة الوحيدة للطرفين لتأجيل الخلافات، في ظل انشغالهما في ملفات إقليمية وداخلية معقدة".
مهام القوات التركية شمالي سوريا
تدخلت تركيا عسكرياً في سوريا بشكل رسمي في آب/ أغسطس عام 2016، عبر إطلاق عملية "درع الفرات" ضد تنظيم الدولة "داعش"، وبعدها شنت عمليتين عسكريتين ضد "قسد" في عفرين، وشرق الفرات، وعملية ضد قوات النظام في إدلب.
وجاء تدخل تركيا العسكري بهدف حماية حدودها من تنظيم الدولة، وقسد، ومكافحة الإرهاب، وبلغ عدد مواقعها ونقاطها العسكرية في 6 محافظات سورية، 122 موقعاً حتى نهاية عام 2021، معظمها في محافظة حلب بمعدل 57 قاعدة، ثم إدلب بـ48 قاعدة، وفقاً لمركز "جسور" للدراسات.
تنقسم القوات التركية إلى قسمين في ريف حلب ومنطقة عملية "نبع السلام"، فجزء من القوات عسكرية يتبع لوزارة الدفاع التركية، ومهمته الانتشار في القواعد العسكرية الرئيسية قرب خطوط التماس، والرد على أي تهديدات تتعرض لها تلك المناطق مثل القصف أو عمليات التسلل، والجزء الثاني قوات أمنية تتبع لوزارة الداخلية.
وقالت مصادر أمنية لموقع تلفزيون سوريا، إن للقوات والضباط الأتراك التابعين لوزارة الداخلية عدة مهام في مناطق سيطرة الجيش الوطني، فهم يشرفون على تدريبات أفراد الشرطة والأمن في المؤسسات السورية.
ومن المهام أيضاً، الإشراف على السجون، والمشاركة في الحملات الأمنية ضد "خلايا إرهابية"، أو تجار المخدرات، كما يوجد ضباط ومستشارون أتراك مهمتهم الإشراف على أقسام الشرطة بشكل عام، مثل الأمن الجنائي والمخابرات والحواجز، والقوات الخاصة، والمرور، وقسم الإرهاب.