فاز تحالف الشعب بأغلبية في البرلمان التركي في حين فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بدورة جديدة في الرئاسة التركية لمدة 5 سنوات، وأعلن عن تشكيلة وزارية جديدة، لعل أبرز أسمائها هو هاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات التركي الذي أصبح وفق التشكيل الجديد وزيرا للخارجية، في حين أصبح إبراهيم كالن الناطق باسم الرئاسة ورئيس لجنة الأمن والخارجية في الرئاسة التركية، رئيسا لجهاز الاستخبارات التركي.
وعليه يمكن القول إن العلاقات السياسية والأمنية لتركيا بقيادة الرئيس أردوغان ستبقى في إطار العمل السابق عموما ولن يحدث عليها تغيير جوهري، فالذي حدث يشبه عملية التدوير الإداري حيث إن الرجلين كانا في قلب السياسة الأمنية والخارجية لتركيا في المرحلة السابقة وإن كانا يشتركان بها تحت مسميات أخرى.
ومع ذلك فإن وجود شخصية مثل هاكان فيدان على رأس وزارة الخارجية والذي يتوقع من شخص مثله أن يكون على دراية بأدق التفاصيل في المنطقة في سوريا والعراق وليبيا والخليج وفلسطين والصومال والسودان واليمن ومصر، وكافة الأماكن الحساسة مما يتيح تحرك أكثر قوة وسرعة.
يدفع تحرك إيران نحو مصر تركيا للإسراع في إتمام عملية المصالحة مع مصر بشكل كامل، ويمكن أن يقود هذا الأمر إلى تفاهمات حول ليبيا لا تبدو سهلة للوهلة الأولى لكنها ممكنة في ظل رغبة الطرفين بتحسين العلاقات
وفي هذا السياق يتوقع عودة العلاقات التركية المصرية بوتيرة سريعة من خلال التعاون خاصة في المجال الاقتصادي، ويمكن أن نشهد قريبا لقاء بين الرئيس المصري والرئيس التركي في أنقرة أو القاهرة.
ومن الجيد أن نشير هنا إلى أن ملف العلاقات الخارجية لتركيا لا يرتبط بنتيجة الانتخابات فحسب، بل بالحراكات والتوزانات الخارجية، فعلى سبيل المثال يدفع تحرك إيران نحو مصر تركيا للإسراع في إتمام عملية المصالحة مع مصر بشكل كامل، ويمكن أن يقود هذا الأمر إلى تفاهمات حول ليبيا لا تبدو سهلة للوهلة الأولى لكنها ممكنة في ظل رغبة الطرفين بتحسين العلاقات.
وكذلك فمن المتوقع أن تزداد وتيرة اللقاءات مع النظام في سوريا برعاية روسيا ولكن هذا المسار ليس منفصلا عن السياق الدولي كما ذكرنا، فمن المتوقع أن تضغط الولايات المتحدة على تركيا لتبني مواقف أقوى ضد روسيا وإيران وهذا سينعكس على تقدم المباحثات.
إن التشكيلة الوزارية التركية الجديدة تشير بوضوح لا لبس فيه إلى أن الاقتصاد هو أولوية الأولويات ولهذا فمن المرجح أن تكون دول الخليج الثرية وجهة مفضلة لتركيا
من زاوية أخرى يبرز سؤال مهم وهو موقف أوروبا والولايات المتحدة على وجه الخصوص من تسليح قسد في شمال سوريا وهل سيستمر، حيث نشرت وكالة الأناضول خلال فترة الانتخابات تقارير عن استمرار عملية التسليح الأميركية لهذه القوات في شمال سوريا، وتشير التشكيلة الوزارية التي ضمت يشار غولار في وزارة الدفاع إلى استمرار السياسة العسكرية التقليدية لتركيا التي تعطي أولوية لمواجهة حزب العمال الكردستاني وامتداداته في شمالي سوريا وشمالي العراق.
إن التشكيلة الوزارية التركية الجديدة تشير بوضوح لا لبس فيه إلى أن الاقتصاد هو أولوية الأولويات ولهذا فمن المرجح أن تكون دول الخليج الثرية وجهة مفضلة لتركيا، وربما تكون زيارة أردوغان الخارجية بعد أذربيجان هي جولة خليجية تشمل السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين، وقد بدأت بوادر هذا المسار بالحديث عن اتفاقيات لتطوير التبادل التجاري مع الإمارات إلى 40 مليار دولار، واستثمارات بين تركيا والسعودية وخاصة مع شركة أرامكو بقيمة 50 مليار دولار. وفي هذا السياق يتوقع أن تتعزز علاقات تركيا الخليجية خاصة مع وجود شخص مثل محمد شيمشك في وزارة الخزانة والمالية، والذي يملك علاقات قوية مع الخليج وهو ضيف دائم على العواصم الخليجية، بالإضافة لعلاقاته الغربية.
تقبل تركيا في مارس 2024 على الانتخابات البلدية التي لا تقل أهمية في فكر الساسة الأتراك، وهذه الانتخابات تحمل على أجندتها عدة ملفات منها التضخم وغلاء الأسعار وارتفاع إيجارات البيوت في المدن الكبرى من جهة وملف اللاجئين من جهة أخرى. وقد كان واضحا في حديث أردوغان في الخطاب الأول بعد إعلان النتائج أنهم سيقومون بأخذ إجراءات في هذا الملف، ولهذا قد نشهد في الفترة القادمة بعض الخطوات التي تصعب الإقامة للاجئين في المدن الكبرى مع بدء مشاريع لنقل اللاجئين الراغبين في العودة إلى شمال سوريا مع تأمين البيئة اللازمة لذلك من بنية تحتية واستقرار أمني. ولكن سيبقى نجاح هذا الملف مرتبطا بالمباحثات السياسية.
ختاما وعد كليتشدار أوغلو بشكل واضح بتوجيه بوصلة تركيا للغرب بدلا من الشرق، وكان قد عقد اتفاقا مع أوميت أوزداغ رئيس حزب الظفر لتبني سياسات متطرفة تجاه اللاجئين في تركيا، ولكن الصناديق لم تأت بهم، وهذا على الأقل جنبنا الحديث عن سيناريو أكثر سوداوية. عموما وبالرغم من عدم نجاح حزب الظفر في دخول البرلمان فإنه ما زال مصرا على إبقاء الأجندة المتطرفة في الإعلام تجاه اللاجئين ومن المتوقع أن يشتد ذلك قبيل الانتخابات البلدية أملا في أن يفوز بإحدى البلديات الصغرى.
تبدو التشكيلة الجديدة للوزراء أكثر تركيزا على المهنية وخاصة في مجال الاقتصاد الذي يحتاج استقرار داخليا وخارجيا، وقد تكون هذه سمة الـ18 شهرا القادمة في تركيا كمرحلة خارجية، وربما من المهم أن نعتبر نتيجة الانتخابات الأميركية نقطة مهمة في إعادة تقييم الأمور مرة أخرى كما هو الحال مع أي تحول في الحرب في أوكرانيا.