icon
التغطية الحية

التريند يوجه دفة القرارات في إدلب.. بنفسج ضحية الشعبوية الرقمية والتخبط الحكومي

2024.08.31 | 06:17 دمشق

آخر تحديث: 31.08.2024 | 06:17 دمشق

55
من فعالية دورة الألعاب البارالمبية في إدلب - تلفزيون سوريا
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

تعرضت "حكومة الإنقاذ" في إدلب شمال غربي سوريا لانتقادات، بعدما بدت كأنها تتحرك وفق إيقاع تحدده اتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لا تتردد في تعديل مسارها واتخاذ القرارات لتتوافق مع ما يُثار على المنصات الرقمية، مفضلةً السير في درب الشعبوية، مستجيبةً لرغبات ورؤى بعض الأفراد الذين يتمكنون من توجيه الرأي العام عبر الإنترنت.

أحدث فصول هذا الجدل تجسد في القرار الذي أصدرته "حكومة الإنقاذ" بوقف أنشطة منظمة "بنفسج"، وذلك على خلفية فعالية الألعاب البارالمبية التي نظمتها المنظمة في الملعب البلدي في إدلب، إذ جاء القرار بعد موجة انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أن الفعالية تخالف العادات والتقاليد المحلية وتشبه بشكل مفرط الممارسات الغربية، في حين رأى آخرون في هذا القرار انحيازاً واضحاً لرغبات معينة لأشخاص محددين، على حساب القوانين والحقوق.

هناك اعتقاد بأن تفاقم هذا التوجه يعزز من ظاهرة "حكم الشعبوية الرقمية"، حيث يصبح لصاحب الصوت الأعلى على وسائل التواصل الاجتماعي الكلمة العليا في تحديد سياسات الحكومة، ويرى البعض أن هذه الظاهرة لا تهدد فقط مصداقية المؤسسات التابعة لحكومة الإنقاذ، بل تمثل أيضاً انحرافاً عن مبادئ العدالة التي يجب أن تكون حجر الزاوية لأي حكومة تسعى لتحقيق الاستقرار والتنمية في مجتمعها.

الجدل الحالي يعكس انقساماً واضحاً بين ما تراه الحكومة من ضرورة الاستجابة للترندات الرقمية وبين ما يتطلبه العمل الحكومي من توازن بين احترام العادات والقوانين المحلية وبين الاستجابة للتطورات المجتمعية، ليبرز السؤال الأهم: هل باتت حكومة الإنقاذ رهينة لرغبات حملة الترندات، أم أن هناك استراتيجية مدروسة خلف هذه القرارات؟

ما التفاصيل؟

افتتحت منظمة "بنفسج" قبل أيام، دورة الألعاب البارالمبية في إدلب، التي يشارك فيها 333 شخصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة من مختلف مناطق شمال غربي سوريا، وشهد حفل الافتتاح حمل الشعلة محاكاة لـ"شعلة باريس"، بعد أن جالت مختلف المناطق في الشمال السوري، وحملها عدد من الأطباء والفلاحين والعمال والصناعيين والفنانين والعمال الإنسانيين.

وبعد ذلك، تعرضت الفعالية والجهة المنظمة لها لانتقادات لاذعة من قبل حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها مقرب من هيئة تحرير الشام، بسبب ما اعتبروه "تشبهاً بالغرب واختلاطا".

وكان الانتقاد الأبرز على لسان السعودي مصلح العلياني الذي نشر تسجيلاً مصوراً على صفحاته، اعتبر فيه أن الموقد الذي أشعلته المنظمة خلال الفعالية هو رمز لـ"الميثولوجيا الإغريقية" و"أساطير الآلهة"، معتبراً أن ذلك "نقل للثقافة الشركية إلى المناطق المحررة".

وتوجه العلياني إلى المسؤولين في "تحرير الشام" و"حكومة الإنقاذ" بالقول: "إذا تُركت المنظمات والمؤسسات التجارية والمولات على راحتها، فإنها ستجلب الدمار إلى البلد".

أعقب الحملة الهجومية قرار من حكومة الإنقاذ حمل الكثير من التضارب، حيث جرى تعديله بعد نشره، جاء في القرار الأول تعليق جميع أنشطة بنفسج، في حين نص القرار بعد التعديل على تعليق أنشطة الألعاب البارالمبية فقط.

وقالت وزارة التنمية والشؤون الإنسانية في حكومة الإنقاذ: "تقدمت إلينا منظمة بنفسج بمشروع إقامة أنشطة رياضية لذوي الإعاقة، وأخذت الموافقة عليه أصولاً كفعالية رياضية، وأثناء تنفيذ المشروع، قامت بتنفيذ مهرجان احتفالي خارج تخصصها، يتطلب إجراءات خاصة وإحالة إلى الجهة المختصة في إدارة الشؤون السياسية، مما سبب وقوع العديد من التجاوزات في النشاط المذكور التي تخالف ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا".

وأضافت: "جراء ما حصل تم استدعاء المنظمة وإنذارها بسبب ما حصل منها من تجاوزات، وتوجيهها بتعليق جميع الأنشطة، وستعمل الوزارة على إعادة ضبط مثل هذه الفعاليات بما يضمن استمرار تسهيل عمل المنظمات وعدم تكرار حصول التجاوزات".

وتواصل موقع تلفزيون سوريا مع حكومة الإنقاذ للحصول على تفاصيل أكثر حول التجاوزات المذكورة وسبب تعليق أنشطة بنفسج والأسس التي صدر بناءً عليها القرار، إلا أن الحكومة أشارت إلى عدم وجود زيادة لديها عن بيانها المنشور على وسائل التواصل.

ما هي الألعاب البارالمبية؟

الألعاب البارالمبية (Paralympic Games) هي سلسلة من الأحداث الرياضية العالمية التي تقام بموازاة الألعاب الأولمبية، مخصصة للرياضيين من ذوي الإعاقة الجسدية أو الذهنية، وتشمل الألعاب البارالمبية العديد من الفئات الرياضية مثل ألعاب القوى، السباحة، كرة السلة على الكراسي المتحركة، ورفع الأثقال وغيرها.

تقام الألعاب البارالمبية الصيفية والشتوية بالتناوب مع الألعاب الأولمبية، وتعتبر منصة مهمة لتعزيز الرياضة بين الأشخاص ذوي الإعاقة وزيادة الوعي بقدراتهم وإمكانياتهم.

في عام 1960، تم توسيع نطاق هذه الألعاب لتشمل رياضيين في مختلف دول العالم، وأصبحت تُعرف باسم "الألعاب البارالمبية"، ومنذ ذلك الحين، تقام الألعاب البارالمبية الصيفية كل أربع سنوات، على غرار الألعاب الأولمبية.

على مر السنين، نمت الألعاب البارالمبية لتصبح أحد أكبر الأحداث الرياضية في العالم، وتضم اليوم آلاف الرياضيين من مئات الدول، وتعد منصة رئيسية للاعتراف بقدرات الرياضيين ذوي الإعاقة على المستوى العالمي.

بيان لمنظمة بنفسج

أصدر مجلس أمناء منظمة بنفسج بياناً، جاء فيه: "نتوجه بخالص الشكر والتقدير لمجتمعنا السوري العزيز، الذي شاركنا في فعاليات الألعاب البارالمبية التي قمنا بتنظيمها في الملعب البلدي بإدلب، والتي كانت جزءاً من جهودنا المستمرة لتسليط الضوء على معاناة ذوي الهمم ودعمهم في سياق تلتَفِتُ فيه أنظار العالم لأولمبياد فرنسا 2024، ونعبّر عن امتناننا للحضور الكبير والتفاعل الإيجابي من جمهورنا الحبيب".
 

وأضاف البيان: "نودّ أن نوضّح أن هدفنا من تنظيم هذه الفعالية كان تعزيز الروح الرياضية والتضامن مع فئة غالية على قلوبنا جميعاً، وإيصال معاناتهم لكل العالم وهي فئة ذوي الهمم، ولم يكن في نيتنا لا سمح الله تحت أي ظرف محاكاة تقاليد أو رموز ثقافية غير مألوفة لمجتمعنا وبيئتنا السورية الأصيلة، التي نعتز ونكبر بها".

وأردف: "نؤكد أن اختيار شعلة الأولمبياد كجزء من الفعالية كان يهدف لتعزيز الروح الرياضية والمنافسة، وهو بروتوكول متعارف عليه دولياً، دون أي قصد مباشر أو غير مباشر لتقليد ما يتعارض مع قيم المجتمع السوري وتعاليمه الدينية الراقية، نحن أبناء هذا البلد الطيب… نتعلم من الخطأ ونكبر بالنصيحة ونمضي قدماً ولا نبغي إلا الخير، لا يعنينا المثبطون، فطريقنا طويل ومأساتنا أكبر من أن نتحملها مع كل شركائنا في العمل الإنساني".

حملة تضامن مع منظمة بنفسج

أطلق ناشطون حملة تحت وسم "متضامنون مع العمل الإنساني" و"متضامنون مع ذوي الهمم"، قالوا فيها إنّ حكومة الإنقاذ العاملة في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في شمال غربي سوريا توقف بطولة ألعاب البارالمبية لذوي الهمم "مصابي الحرب" والتي أعلنت منظمة بنفسج انطلاقها بتاريخ 26/8/2024 وتنذرها بتعليق جميع الأنشطة، علماً أن منظمة بنفسج كانت قد حصلت على جميع الموافقات بما يخص شعلة الأولمبياد.

5

وأشاروا إلى أن البطولة تدعم أكثر من 300 شخص من ذوي الإعاقة ومصابي الحرب، مضيفين أن حكومة الإنقاذ نفذت قرار الإيقاف بعد حملة من مجموعة من الدعاة أطلقوا خلالها "أحكاماً تكفيرية" دون تبيان أو مراجعة للجهات المنظمة.
 

ونشرت عدة منظمات وجمعيات منشورات تضامن مع منظمة "بنفسج"، منها "عطاء، يدًا بيد، شفق، إحسان، بهار، انصر".

وقالت "الهيئة العالمية للإغاثة والتنمية - انصر" في منشورها: "إننا نرفض استهداف العمل الإنساني وتشويهه تحت أي ذريعة، كلنا أبناء هذا المجتمع الأصيل الذي يعتز بقيمه ودينه وثقافته وموروثه الحضاري، وحريصون على أهلنا بلا مزاودة، نحن جميعاً جزء لا يتجزأ من الشعب السوري الطيب الأصيل، وسنبقى أوفياء لقيمنا وثوابتنا".

هل أخطأت بنفسج؟

قال مدير "انصر" حمزة العبد الله: "أعداء الحياة هم فقط من تهزهم وتهزمهم مظاهر الحياة والأمل، فيفعلون ما بوسعهم لمحوها، والإسلام دين حياة وعمل ولا يحتكره رأي ضيق، ما حدث من شيء ممنهج واستهدف بنفسج، لا يستهدف بنفسج بنشاطها وإنما يستهدف كل عمل يدعو للحياة في الشمال السوري، ويستهدف المجتمع المدني الذي يتحرك نحو زرع الأمل وهزيمة اليأس".

وأضاف العبد الله في منشور على فيس بوك: "بنفسج لم تخطئ ولم تجلب شيئاً مخالفاً لثقافة المجتمع وهويته، وهي وأفرادها أبناء هذا المجتمع السوري المحافظ المتدين بدون تعصب وتزمت، ومن نسيج مجتمعها، وحتى إن أخطأت فهذا لصيق بجهد البشر، وأجزم مرة أخرى أنها لم تخطئ، كلنا ترتبط عندنا الألعاب الأولمبية بشعلتها، ولكن من يرى بعين الذبابة قد يرى غير ذلك؛ تَرَكَ هؤلاء كل هذا الجهد الجبار ورصيد أعوام من العمل لهذا الصرح الإنساني العظيم بنفسج وأمسكوا معول الهدم ليعينوا أعداء الحياة علينا".

من جهته، قال مدير فريق ملهم التطوعي، عاطف نعنوع، في منشور على فيس بوك: "ما في شي بيزعج مثل إنه مرحلة المخاض بالثورة السورية رح تطوّل أكتر من ساعة الصفر، كل ما حاول موظفو المؤسسات الحكومية أو غير الحكومية التطور من واقع المحرر، يتبهدلوا من عدد من الأشخاص اللي ما بتشوفن إلا وقت طحن الخواطر والنقد".

وأردف: "هدول العدد من الأشخاص على قلّتن، بس على السوشيال ميديا بيرعبوا كيان دولة المحرر، بتقوم بتتنازل كرمال ترضيهن وخاصة لما يكون الهجوم مستند على أدلة دينية، مع أنو على النوايا بحاسبنا رب العالمين، واضح هالشي بالحديث الشريف، ومع أنو اللي عم يتهموا ويخونوا ويهاجموا بيعرفوا تماماً شو النيّة".
 

وتساءل نعنوع بالقول: "عن أي استثمار عم تحكوا وعن أي تطور وتقدم، وأنتو كل ما إجا شخص ينتقدكن بتروحوا رادين عليه بإغلاق مول أو إيقاف عمل مؤسسة أو تهديد لكل شخص من برّا حابب يزور بلدو ومتردّد!".

بدوره قال الكاتب أحمد زيدان: "الشمال السوري المحرر حديث عهد بالتشدد، وثمة إرث تشدد داعشي يتربص بالمحرر، فما بال أشخاص يغذون هذا التوجه من حيث يعلمون أو يجهلون، آخر ذلك ما رأوه من منكرات في حفل عظيم ورائع وجهد مشكور قامت به منظمة بنفسج للتخفيف عن أصحاب الإعاقات في سبيل الله بحجة شعلة الأولمبياد، وكأننا في عصر زرادشت وعباد النار".

وتابع: "من المفترض أن ينظر العالم نظرة أشمل، فيدرك مخاطر مآلات ما يكتبه عن ملايين البشر، ولا ينساق للترند وديكتاتورية الأتباع، للفتوى حدود وللتغريدة قيود، فلربما تغريدة تسببت في قتل العشرات وتجويع أضعافهم، انظروا إلى إيجابيات الأمر ولا تنظروا للجزء الفارغ من الكأس".

وفي ظل تصاعد الانتقادات الموجهة لحكومة الإنقاذ نتيجة قراراتها المتأثرة بالترندات الرقمية، يتساءل البعض عن مدى قدرتها على تحقيق التوازن بين الحفاظ على المبادئ والقيم المجتمعية، وبين الاستجابة للمتغيرات الحديثة، ليبقى السؤال الأبرز مطروحاً: هل ستتمكن الحكومة من وضع استراتيجية تضمن استقرار قراراتها بعيداً عن التأثر بالضغوط المختلفة، أم أن حكم الشعبوية الرقمية سيستمر في توجيه دفة الأحداث في إدلب؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالكشف عن الإجابة.