icon
التغطية الحية

البيئة المعادية.. كيف تحولت سياسات السويد تجاه المهاجرين؟

2024.09.05 | 18:40 دمشق

طالبو لجوء برفقة عناصر من رجال الشرطة السويدية - المصدر: الإنترنت
طالبو لجوء برفقة عناصر من رجال الشرطة السويدية - المصدر: الإنترنت
The Times- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في قديم الزمان، في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، كانت القوارب تغادر السويد متجهة إلى أميركا وقد غصت حتى حوافها بالفقراء القادمين من الريف. ومع بداية العصر الحديث والغنى الذي ساد وقتئذ، فتح هذا البلد الذي لا يسكنه سوى عدد ضئيل من الناس حدوده أمام المهاجرين، فوصل إليه طالبو لجوء أخذوا يحصلون على معونات سخية قدمها لهم لفيف من السياسيين الديمقراطيين الاجتماعيين، إلى جانب المتهربين من الخدمة العسكرية أثناء حرب فييتنام، ناهيك عن الكرد والسوريين، وهكذا شكل هؤلاء نواة مجتمع متعدد الثقافات أصبح اليوم يعاني من ضغط كبير.

عادت موجة الهجرة للظهور من جديد، إذ لأول مرة منذ خمسين عاماً أصبح عدد النازحين في السويد أكثر من عدد المهاجرين، ويعود ذلك لوجود ائتلاف مؤلف من ثلاثة أحزاب ذات عقلية محافظة، تعتزم اليوم طرح رؤية محسنة للبيئة المعادية التي طرحتها تيريزا ماي في عام 2012.

بلاد الحليب والعسل

أسفرت هذه السياسة السويدية عن دفع المهاجرين إلى التفكير مرتين قبل طلب اللجوء في السويد التي كانت تعتبر في زمن من الأزمان بلاد الحليب والعسل. إذ في الوقت الذي استقرت فيه طلبات اللجوء في عموم دول الاتحاد الأوروبي عند مستوى مرتفع جداً، تراجع الاهتمام بالسويد بسرعة كبيرة، فقد وصلت طلبات اللجوء في السويد خلال هذا العام إلى أدنى مستوى لها خلال ربع قرن.

فهل عثرت السويد على حل للمشكلات التي تقض مضجع أوروبا وتعرض حكومة أولاف شولتس المتداعية أصلاً للخطر في ألمانيا وتزرع بذور الشقاق والفتنة في الدول التي تعتبر نقطة عبور إلى الاتحاد الأوروبي؟ أجل، بل لعلها ستخلق حالة من التنوع في السباق إلى زعامة حزب المحافظين!

تطورت الخطة منذ أن تولت الحكومة السويدية التي يرأسها الحزب المعتدل من يمين الوسط زمام الأمور في عام 2022 فأجرت مراجعة شاملة للتشريعات والقوانين، وهكذا بات يتعين على الواصلين حديثاً تعلم اللغة السويدية في أسرع وقت ممكن إلى جانب احترام القيم التي تتبناها دولة السويد، وثمة أولوية أنيطت بالاكتفاء الذاتي الاقتصادي، على الرغم من أن ثلث الأشخاص الذين ولدوا في دولة أخرى لكنهم يعيشون في السويد لا يمكنهم إعالة أنفسهم من دون معونة الدولة.

كما جرى تشديد قوانين الجنسية (إذ صار جواز السفر السويدي يُسحب من المواطنين الذين يحملون جنسيتين في حال ارتكابهم لجريمة خطيرة)، كما أن مراكز استقبال طالبي اللجوء أصبحت تخضع لإشراف مشدد، وتحسن تنظيم عمليات الترحيل، أما المعونات المالية فأصبحت تقدم لمن يتطوعون بالعودة إلى ديارهم، وجرى تحديد سقف جديد للأعداد وشروط لا بد من توفرها للحصول على المعونات.

قانون "الوشاية"

وفي مقترح أثار جدلاً واسعاً، وبات من الممكن تحوله إلى مشروع قانون بحلول هذا الخريف، أصبح من واجب جميع العاملين في القطاع العام الإبلاغ عن الأشخاص الذين لا يحملون وثائق رسمية. بيد أن الأطباء وأمناء المكتبات والموظفين لدى الدولة (ونقاباتهم) غضبوا أشد الغضب على ما بات يعرف بقانون الوشاية الذي يضغط الديمقراطيون في السويد من أجل إقراره، ويرى بعض الناس بأن التطرف في النزعة القومية لدى الديمقراطيين السويديين يمثل قوة دافعة وراء حملة التضييق وجزءاً من المحاولة التي لم تتزعزع والتي تسعى لطرد ثقافة هجينة شجعت على ظهورها عقود من حكم الديمقراطيين الاجتماعيين، وتبدو هذه الحسابات منطقية على أرض الواقع.

أتى أحد أسباب غضب العامة على المهاجرين بسبب حرب العصابات على المخدرات في الضواحي، وذلك عبر تجنيد مراهقين ليعملوا مراسلين وليكونوا أعضاء في عصابات خفية تستغل المهاجرين الذين لا يحملون وثائق رسمية. ولذلك ظهرت في السويد أعلى نسبة لجرائم القتل بالسلاح الناري في الاتحاد الأوروبي. وبذلك قدمت الحكومة حجتين، الأولى هي أن الهجرة العشوائية تؤدي إلى ظهور حالة إقصاء اجتماعي ومجتمعات موازية، فضلاً عن التزاحم على السكن، والتسرب من المدارس، و"جرائم الشرف" التي ترتكب بحق النساء. أما الحجة الثانية فتقوم على أن السويد التي ما تزال دولة مرفهة وطموحة لا يمكنها الحصول على تمويل كبير إلا عبر خلق حالة توازن بين عائدات الضرائب والنفقات اللازمة لسد احتياجات المسنين من السكان (وأغلبهم مهاجرون سابقون)، وهذه ليست بشعبوية مجنونة بل اعتراف بأن منظومة الحكومة أهملت حالة الاندماج في البلد.

وهذا هو الدرس المستفاد من النجاح الذي حققه حزب البديل من أجل ألمانيا في شرقي بلده خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، فقد كان هذا الحزب يعتبر حزباً معارضاً لا بد من محاصرته، وقد جرى التعامل معه بوصفه حزباً تخريبياً، ولهذا وضع تحت مراقبة الأجهزة الأمنية، ولكن عند فوزه في تورينغن وفوزه في المرتبة الثانية في ولاية ساكسونيا، يبدو بأن هذا الحزب يتكلم بلسان حال شريحة كبيرة من السكان في شرقي ألمانيا.

في الحقيقة لم يتوجه حزب البديل من أجل ألمانيا لمخاطبة المصالح الإقليمية بالنسبة للألمان الساخطين الذين يعيشون في الولايات الشرقية، بقدر ما توجه بخطابه للحديث عن الحاجة لنوع جديد من الوطنية الألمانية، وهذا يستدعي من الحكومة أن تجيب على الأسئلة المتعلقة بما يربط بين الجريمة والهجرة غير الشرعية على أقل تقدير.

بيد أن حادثة الطعن بالسكين التي وقعت في أواخر شهر آب الماضي والتي جرت خلال مهرجان يحتفي بالتنوع في مدينة زولينغن الواقعة غربي ألمانيا، والتي نفذها طالب لجوء سوري اعترف بما اقترفت يداه، هي ما حدد مصير الانتخابات في شرقي ألمانيا، فقد سجل الديمقراطيون المسيحيون نقاطاً عبر المطالبة بتشديد التعامل مع طالبي اللجوء ومراقبتهم على المدى البعيد، إلى جانب ترحيلهم إلى النقطة التي دخلوا منها إلى الاتحاد الأوروبي (أي إلى بلغاريا في حالة المتهم بالطعن)، بما أن سوريا لا تعتبر آمنة بما يكفي لتنفيذ عمليات ترحيل إليها. وقد أسهم شولتس في تلك النزعة عبر فرض حظر سفر على طالبي اللجوء إلى المناطق التي هربوا منها.

بيد أن الرد الألماني لم يكن شاملاً لكل الأطياف كما تحاول المخططات السويدية أن تفعل. إذ لم تتمخض عملية الطعن (التي أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وتحمل تنظيم الدولة مسؤوليتها) عن أي إجابة تتعلق بالسبب الذي يسمح بموجبه لطالب لجوء بأن يمضي سنتين في بلد من دون أن يعالج طلب لجوئه، مع أنه يحصل على معونة من الدولة. ولقد عانق شولتس زميله من يسار الوسط السير كير ستارمر والذي لم يقدم إجابة هو الآخر عندما أصبح رئيس الوزراء في بريطانيا حول الطريقة التي يمكن من خلالها للشراكة بين بريطانيا وألمانيا أن تعالج مشكلات مشتركة مستقبلاً.

بقيت سياسة الهجرة في ألمانيا تسير على النهج ذاته طوال سنين، منذ أن فتحت أنجيلا ميركل حدود البلد عقب قيام المذبحة السورية، بيد أن اليمين المتطرف ازدهر بسبب عدم وجود رغبة لدى عامة السياسيين في التفكير بحلول لتلك المشكلات، ولهذا يتعين على ستارمر أن يتوجه للشعب السويدي في خطابه.

 

المصدر: The Times