تفاقمت مجدّداً مشكلة مياه الشرب في مدينة الباب شرقي حلب، في ظل الأنباء المتداولة عن جفاف عددٍ من آبار المدينة المترافق مع شحّ المياه أساساً، ما دفع ناشطي المدينة إلى دقّ "ناقوس العطش".
وتعاني مدينة الباب منذ أكثر من أربع سنوات نقصاً حاداً بالمياه، وذلك نتيجة قطعها من مضخة "عين البيضا" التي تسيطر عليها قوات نظام الأسد، شرقي حلب، حيث كانت تلك المضخّة تغذّي المدينة بمياه الشرب والري.
صفحة "مدينة الباب" على "فيس بوك" نشرت، اليوم الثلاثاء، تقريراً قدّمت فيه معلومات عن أزمة المياه التي تشهدها المدينة منذ سنوات، قبل أن تتفاقهم مؤخّراً، وسط مخاوف من كارثة إنسانية في منطقة تضم عشرات آلاف السكّان من مقيمين ومهجّرين.
وذكر التقرير أنّ سكّان مدينة الباب الآن يشربون مياه الآبار والتي غالباً ما تكون غير صالحة للشرب وتسبّب أمراضاً كثيرة، خاصّةً للأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة، مشيراً إلى مشروع سابق نفّذه المجلس المحلي للمدينة، وهو بناء خزانين للمياه - سعة كلّ منهما (2000 برميل) - تجري تعبئتهما بمياه الآبار عبر نقلها بالصهاريج.
ولكنّ وضع المياه - وفق التقرير - لم يتحسّن بل ازداد الأمر سوءاً نتيجة انخفاض منسوب المياه الجوفية، ما أدّى إلى جفاف كثير من الآبار، إضافةً لارتفاع ثمن المياه بسبب زيادة الكلفة في النقل، حيث تضطر الصهاريج للذهاب عشرات الكيلومترات خارج المدينة للحصول على المياه.
وأشار التقرير إلى مشروع آخر كان مصيره الفشل، وهو المشروع الذي قدّمته جمعية "الإحسان" ويهدف إلى جرّ المياه من آبار البلدية الموجودة في بلدة سوسيان غربي مدينة الباب، إلى الخزّان الرئيسي (خزّان الجبل) الذي يغذّي المدينة، ملخّصاً أسباب فشل المشروع بالآتي:
- عدم إمكانية تلبية حاجة المدينة من المياه إذا توفرت بأقصى كمية ممكنة، لأنّ عدد القاطنين في مدينة الباب يتجاوز الـ300 ألف نسمة، وهذا العدد الكبير لا يمكن تأمين احتياجاته من المياه إلّا عن طريق مصدر دائم وهو نهر الفرات.
- الكلفة الكبيرة لـ جرِّ المياه، حيث إنها تعتمد على المضخّات التي تحتاج إلى مادة المازوت للعمل وهذا يحتاج إلى مبالغ كبيرة جدّاً تتجاوز الـ100 ألف دولار شهرياً، إضافةً إلى جفاف الآبار - بأي لحظة - نتيجة الاستجرار المستمر، وهذا ما حدث فعلاً لبعضها.
جفاف آبار مياه في الباب
الناشط أسامة النعوس - المتحدث باسم "تجمّع عائلات الباب" - قال لـ موقع تلفزيون سوريا إنّهم عقدوا، في الآونة الأخيرة، العديد من اللقاءات مع المسؤولين الأتراك في مدينة الباب، وعرضوا عليهم واقع المدينة وأزمة المياه فيها، لكن دون جدوى.
وأضاف "النعوس" أنّ أمطار موسم الشتاء الفائت كانت قليلة جدّاً، ما أدّى إلى جفاف العديد من الآبار التي استُهلكت في محيط المدينة، مع انخفاض منسوب غيرها بشكل كبير، حيث إنّها لم تعدّ تلبّي نصف ما كان يُستجرُّ منها سابقاً.
اقرأ أيضاً.. مدينة الباب تعاني العطش وتفتقد الكهرباء
ونقل "النعوس" عن رئيس بلدية الباب مصطفى عثمان أنّ مشكلة المياه الأخيرة في مدينة الباب تسبّب بها جفاف 4 آبار من أصل 12 كانت تغذّي خزّان الجبل، وأنّ الآبار المتبقية تعمل بنصف طاقتها السابقة، مشيراً إلى حفر آبار في بلدة الراعي بعد جفاف آبار سوسيان، ولكن لم تكن ناجحة، ويعملون على حفرِ غيرها.
وأكّد "عثمان" أنّ مشروع الآبار هو "مشروع طوارئ ولا يؤمّن إلّا 10% من حاجة المدينة للمياه"، مشيراً إلى ضرورة أن يكون "خزّان الجبل" مليء بشكل مناسب حتى يكون ضخ المياه بضغط كبير يؤمّن وصولها للجميع، ولكن نقص المياه واستهلاكها غير النظامي، يمنع ذلك.
وتابع "خزّان الجبل يحتاج 40 ساعة حتى يمتلئ، وبكلفة نقل تتجاوز الـ6300 ليتر من المازوت"، مردفاً "هذه كلفة كبيرة جدّاً في حال توفّرت المياه، ورغم ذلك هي غير كافية ولا تؤمّن إلا احتياجا جزئيا فقط".
"الباب مدينة منكوبة"
قال الناشط الإعلامي عمار نصار - أحد القائمين على صفحة "مدينة الباب" - إنّ مدينة بحجم الباب يزيد سكّانها عن الـ300 ألف نسمة، كانت تعاني لـ سنوات من قلة المياه وغلاء أسعارها، تدّق الآن "ناقوس العطش"، مردفاً "من غير المُستبعد إعلانها مدينة منكوبة في ظل أزمة المياه التي تشهدها الآن".
وأضاف "نصار" أنّ مدينة الباب كانت ترتوي سابقاً من نهر الفرات، قبل أن يعاقب نظام الأسد القاطنين فيها ويمنع وصول المياه إليها، بعد سيطرته على مناطق شرقي حلب، تقع فيها مضخة "عين البيضا" التي كانت تغذّي المدينة.
وأشار إلى مشروع استجرار المياه الذي أقيم بالتعاون بين المجلس المحلي ومنظمة "إحسان"، وأنّ المشروع أثبت فشله وسقط في أوّل اختبار حقيقي وتسبّب بجفاف العديد من الآبار التي كانت المياه تُستجر منها، إضافةً لـ نقص كميات المياه الجوفية إلى أقل من النصف.
وحسب "نصار" فإنّ مدينة الباب على حافة الانفجار، خاصّةً مع انعدام أي بوادر وحلول جدّية لحل أزمة المياه في المدينة، وجميع الحلول السابقة لم تكن أكثر من "ترقيع لا يرقى لأن يكون حلّاً إسعافياً حتّى"، والتي تسبّبت بجفاف الآبار وغلاء أسعار المياه (30 ليرة تركية سعر المتر المكعب الواحد)، ومن أسباب الغلاء أيضاً عدم وجود رقابة على مالكي الآبار الذين يتحكّمون بالأسعار.
مناشدة وحلول
وناشد أهالي وناشطو مدينة الباب تحت وسم "#الباب_عطشى"، جميع الجهات المسؤولة المحلية والدولية - خاصّة تركيا باعتبار المسؤول المباشر عن المنطقة - بحل جذري لأزمة المياه في الباب، قبل حدوث كارثة إنسانية كبيرة في المنطقة.
وطالب الأهالي، الأمم المتحدة بالوقوف عند مسؤوليتاها الإنسانية والأخلاقية لإجبار نظام الأسد على إعادة ضخ المياه إلى مدينة الباب عبر محطة "عين البيضا"، أو العمل على تأمين بديل مناسب ودائم وبالسرعة القصوى.
وأشار الناشطون إلى حلول ممكنة لإرواء مدينة الباب وذلك عبر إنشاء خط من نهر الفرات في جرابلس، أو استجرار المياه من بحيرات السدود التركية التي تبعد نحو 10 كيلومترات عن الحدود السوريّة، وربطها بمشروع "خزّان الجبل" الذي يغذّي المدينة الآن.
وعن الحلول التي يعمل عليها المجلس المحلي والبلدية في مدينة الباب قال رئيس البلدية مصطفى عثمان إنّ "هناك حلا جذريا يدرسونه الآن لتأمين المياه إلى الباب، وهو استجرارها من جرابلس أو بحيرة الغندورة القريبة".
وشح المياه في مدينة الباب أدّى إلى مشكلات كبيرة أبرزها "تراجع منسوب المياه الجوفية بشكل كبير نتيجة استنزافها عبر مئات الآبار، خاصةً مع التضخّم السكّاني في المنطقة، على خلفية عمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي التي عمل عليها نظام الأسد بدعم روسي وغض طرفٍ دولي".
ويقدّر خبراء محليّون بأن مدينة الباب وريفها تحتاج يومياً لِمَا يزيد عن "30 ألف متر مكعب" من المياه، لا يمكن تأمينها - بشكل كامل - إلاّ عبر نهر الفرات "الذي تضمن اتفاقات دولية توزيع مياهه بين تركيا وسوريا والعراق".