إلى جانب إحداثها حالةً من الفتنة الشعبية، وإن صح القول "التفرقة الأهليّة"، تمكنت حادثة مقتل منسق حزب القوات اللبنانية في مدينة جبيل في جبل لبنان، باسكال سليمان، من اجتذاب اهتمام القوى السياسية والقضائية والأمنية. هذا الاهتمام الذي تحول لاحقًا في السّاعات الأخيرة إلى أولويّة أمنيّة وسياسيّة، حثّت القضاء اللبناني على تكثيف محاولاته للكشف عن أسباب هذه الجريمة، واحتواء تداعياتها الأمنية والسياسية.
لكن العامل الأبرز في هذه الجريمة السياسية كان في عمليات الاعتداء الممنهجة على اللاجئين السوريين في مناطق لبنانية مختلفة من قبل مناصري الأحزاب المسيحية اللبنانية والتي يقوم مناصروها بضرب اللاجئين في مناطق ذات أغلبية مسيحية، إضافة إلى فرض قيود على اللاجئين في تحركهم خلال اليوم في قرى ومدن لبنانية، ما يعزز حالة الاستقطاب المذهبي اللبناني وتجديد الدعوات لطرد اللاجئين أو إنشاء كيانات لبنانية طائفية.
الخطاب العنصري والمذهبي وذيوله الخطيرة
من هذا المنطلق يعتقد النائب اللبناني المعارض إبراهيم منيمنة أن الاعتداءات السافرة ضد اللاجئين السوريين هي نتاج طبيعي للتسعير المذهبي والعنصري الذي قادته قوى سياسية ضد الوجود السوري في لبنان لخلفيات انتخابية وطائفية، واليوم تجري ترجمة هذا الانفلات الخطابي على الأرض عبر الاعتداءات والتعديات المرفوضة بحق اللاجئين السوريين والذين باتوا اليوم يعيشون حالة من الخوف والهواجس نتيجة التعاطي السياسي والأمني الذي تحول إلى تعاطٍ شعبيّ عبر الموتورين في الشارع.
ويشدد منيمنة على أن هذا المسار يجب وقفه بالاحتكام إلى القانون وإلى نتائج التحقيقات، إضافة إلى التحلي بالحكمة اللازمة تجاه قضايا كهذه، ويعتبر منيمنة أن موقف القوات اللبنانية بوقف التعديات على السوريين موقفٌ مهم، ويجب أن ينعكس على القواعد والمناصرين والمتوترين، لأن المسؤول عن وجود اللاجئ السوري هو النظام الذي اضطرهم للهرب من البطش والقتل والاعتقال والإخفاء القسري وليس اللاجئ الهارب من الموت.
يتخوف منيمنة من أن تكون هذه الجرائم مبررًا من قبل السلطة القائمة لإغلاق كل المساحات المتبقية التي كانت تعبّر عن حالة التنوع والانفتاح اللبناني بحجة أن الأخطار الداهمة لا تحتمل مساحات تنوع سياسي وثقافي، معتبراً أن الجماعات اللبنانية اختبرت سابقاً خطاب الحرب الأهلية عبر الاستعانة بأطراف خارجية على باقي خصومهم السياسيين وباءت بالفشل.
وفي إطار متصل يعتبر وزير البيئة اللبناني ومنسق خطة الطوارئ الوطنية الدكتور ناصر ياسين في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن التعامل مع أزمة اللجوء السوري تعالَج بتبني خطة وطنية متكاملة بالتعاون مع جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وليس من خلال المواقف العنصرية والشعبوية.
واعتبر ياسين أن الوقت بات مناسبًا لحل أزمة اللجوء السوري عبر الضغط على المجتمع الدولي بدعم عملية النهوض المبكر في المناطق والمدن السورية، مصحوبًا قبيل ذلك بضمانات من النظام السوري لعودة آمنة، مما يحفّز على العودة ويعجّلها، مؤكداً وجود مشروع خطة لدى الحكومة قام بتحضير ورقتها وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار ستطرح في الجلسات المقبلة للحكومة بهدف وضع الأمور على سكة الحل بالتعاون مع أصدقاء لبنان.
ويعتبر ياسين أن من بالغ الأهمية تبني دبلوماسية نَشِطة تشرح واقعَ لبنان بكوننا الدولةَ المستضيفة الأولى التي تتحمل العبءَ الأكبر خاصة مع تدني تمويل برامج الاستجابة للأزمة السورية العام الماضي، والمشاركة في المؤتمرات العربية والدولية المخصصة لحل الأزمة السورية، وأشار إلى أهمية تعزيز دور جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي في وضع ومواكبة تنفيذ خريطة طريق للحل ضمن مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
خلفيات سياسية وطموحات رئاسية
في الإطار نفسه تعتبر الصحافية اللبنانية ديانا مقلد أن هناك صمتًا مدويًا تجاه حملة الترهيب والكراهية التي تحصل في الشارع اللبناني اليوم ضد اللاجئين السوريين، من خلال تساهل السلطة السياسية اللبنانية المخزي إزاء ما يحدث من ممارسات عنفية ودعوات للعقاب الجماعي، وتشير مقلد إلى أن الجميع لا يثق بالسردية الأمنية التي أعقبت جريمة قتل باسكال سليمان.
وتشير مقلد إلى أنه ليس هناك عاقلٌ يُنكر الضغط الاجتماعي الكبير الذي يسببه ملفُّ اللجوء على لبنان وأهمية معالجته بطرق حقيقية وعلمية وأخلاقية، وهذا الأمر يحتاج لضغط فعلي ومباشر على النظام السوري لإنشاء منطقة آمنة عبر الحوار الجاد مع المجتمع الدولي الذي يغضّ نظره عن جرائم الأسد ويرسّخ الواقع الحالي.
وتتساءل مقلد عن غياب الدولة التي تملأ الدنيا ببطولات شعبوية ضد اللاجئين، وعمّا إذا كانت تقوم بتوقيف المعتدين أو الذين يقومون بتقويض الأمن والاستقرار من خلال هذه الممارسات، في حين أن المسؤولين يتسابقون بالتصويب الدائم على أيّ فعل جُرمي يقوم به لاجئ سوري، وعن خطاب وزير الداخلية بسام مولوي والذي سبَّبَ موجة استهجان داخلي تشير مقلد إلى أن البطولات العنصرية الكلامية لن تجلب حلاً إلى لبنان، بل ستجلب مزيداً من الاحتقان والمعاناة والدم.
مؤكدة أن التضامن الحقيقي يجب أن يكون مع السوريين الذين يقبعون في منازلهم خوفاً من التجول بعد أن حوّل جبناء مسعورون الشوارع إلى مساحاتِ تصيُّدٍ عشوائي للأبرياء.
في إطار متصل يعتبر مصدرٌ سياسي لبناني لـموقع تلفزيون سوريا أن جريمة قتل باسكال سليمان ليست جريمة عادية وليست لخلفيات سرقة كما حاولت الرواية الرسمية وصفها، مؤكداً أن الهدف الرئيسي للجريمة ينطوي على جملة أهداف سياسية تخدم مصالح أطراف محددة لبنانية وتحديداً حلفاء النظام السوري في لبنان.
ووفقاً للمصدر فإن العملية الإجرامية تهدف في البداية لتطويق القوى المسيحية المناوئة لحزب الله والنظام السوري بقضايا داخلية عبر خلق فتنة مسيحية – سورية وخاصة أن موقف القوات اللبنانية والكتائب كانت داعمة للثورة السورية على الرغم من التحول في الخطاب السياسي تجاه اللاجئين منذ سنوات لأهداف انتخابية وطائفية.
ويعتبر المصدر أن جرائم من هذا النوع تهدف لدفع الأطراف الرافضة للحوار مع النظام السوري للذهاب نحو الحوار المباشر معه بحجة المخاوف والهواجس الهوياتية والديمغرافية، وإضفاء شرعية على النظام عبر دفع هذه الأطراف أيضاً لحصول ضغط جدّي من أجل رفع العقوبات عن الأسد ونظامه على اعتبار أن الحرب انتهت وأن هناك مسبباتٍ عاجلةً لإعادتهم إلى بلادهم.
ويعتقد المصدر أن الموقف السياسي يجب أن يركز فقط على معالجة الأزمة من خلال الضغط على النظام للقبول بالصيغ المطلوبة منه عبر مناطق آمنة ووقف التعاطي الأمني مع اللاجئين، وليس أن يتحول النظام إلى عامل ضغط على لبنان والدخول إلى السياسة اللبنانية من جديد عبر ملف اللجوء وهذا يتطلب حكمة لبنانية عالية.
ويتساءل المصدر عن أسباب الصمت السياسي عن ممارسات أسوأَ يقوم بها النظام السوري، ولا يجري الحديث عنها، كالقيام بتحويل لبنان إلى مزرعة مخدرات وتصديرها إلى دول عربية أو من خلال شبكات تهريب البشر برعاية الفرقة الرابعة السورية التي يقودها ماهر الأسد.
وحول الموقف السياسي الذي أطلقه وزير الداخلية بسام مولوي ضد اللاجئين، يشير المصدر إلى أن هذا الموقف ليس الأول بل هو استمرار لمواقف شعبوية أصدرها الوزير سابقاً وأدت إلى حصول انزعاج أممي من تصريحاته على اعتبار أنه يقدم أوراقَ اعتماد لأطرافٍ داخلية بهدف تولي منصب رئاسة الحكومة مستقبلاً، على اعتبار أن موقف المكون الذي يمثله مولوي في الحكومة -أي المكون السنّي- يرفض خطاب العنصرية الحاصل ضد السوريين.
ويختم المصدر بأن الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ضد القوى المسيحية أتى ليعطيَ للاحتقان دفعة وضعت البلدَ على شفير انفجار أهلي، فبدل واجب العزاء بالضحية شنَّ حملة تحريض ضد مكونات داخلية، وكأن الأمر مقصود لإشعال فتيل الأزمة.
مآلات وتجارب ومخاطر
بالتوازي وأمام حملة التحريض المفتوحة على اللاجئين السوريين وغضّ نظرٍ رسمي غير آبه بعواقب ما قد يحصل، تتحضر مجموعة من الشخصيات السياسية والنخب الثقافية والسياسية لإطلاق عريضة موقَّعة من أكثر من 200 مثقف ترفض حالة الجنون السياسي الحاصل في لبنان ضد الشعب السوري.
وهي تعتبر أن الجريمة الحاصلة ضد قيادي حزبي دمث الأخلاق مثل باسكال سليمان والرواية غير المقنعة عن جريمة غير عادية، تجعل الجميع أمام تفسيرات لدوافعها ولتوقعات مرتبطة بما يشهده لبنان والمنطقة من احتمالات. وخاصة أن للجريمة زمنًا سياسيًا، مثلما لها شرطٌ سياسي، وهي إذ حصلت على ضفاف انقسام أهلي حادّ حول الحرب الحاصلة في الجنوب اللبناني، فمن المنطقي أن تكون دوافعها متصلة بالمشهد الراهن.
ويبدو أن الخطر الكامن وراء رواية ناقصة وغير مقنعة لجريمة على هذا القدر من الحساسية، يتمثل في أن الجريمة قد تأخذ لبنان إلى خيارات موجعة جرّبها اللبنانيون، ومن أبرزها الأمن الذاتي والذي سيكون أبرز ضحاياه أبناءَ البلد واللاجئين وإلى استيقاظ الغرائز الانتقامية، وإلى رسم حدود بين القوى الأهلية والمذهبية تفضي إلى استيقاظ فكرة التقسيم على غرار ما هو حاصل في سوريا برعاية أطراف إقليمية.