حذرت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا في تقريرها الصادر اليوم الأربعاء من أن السوريين يواجهون معاناة وصعوبات ناجمة عن العواقب المميتة للحرب المستمرة منذ عشر سنوات وتصاعد حدة الأعمال العسكرية على طول الجبهة شمالي البلاد.
وقال رئيس اللجنة، باولو بينيرو: "لا يمكن لسوريا تحمل العودة إلى القتال على نطاق واسع، ولكن هذا هو المكان الذي قد تتجه إليه".
ووجد التقرير المؤلف من 50 صفحة والذي يغطي الفترة بين 1 كانون الثاني و30 حزيران 2022، أنه على الرغم من هدوء العديد من جبهات القتال النشطة في السنوات الأخيرة، فقد زادت "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الأساسية والقانون الإنساني" في جميع أنحاء البلاد خلال الأشهر الستة الماضية.
المدنيون المتضرر الأكبر من قصف النظام
وقدم التقرير تفاصيل عن هجمات في مناطق سيطرة المعارضة ريف حلب الشمالي أسفرت عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 92 مدنياً وتدمير منازل المدنيين ومدارس ومساجد ومنشآت طبية ومبانٍ إدارية.
وحققت اللجنة في العديد من الحوادث المميتة التي وقعت مؤخراً، بما في ذلك قصف سوق مزدحم في مدينة الباب في آب الماضي، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 16 مدنياً، بينهم خمسة أطفال، وإصابة 36 آخرين على الأقل.
وبحسب التقرير، فإن العائلات التي تعيش في مناطق الجبهات تتحمل وطأة القصف المدفعي للنظام السوري وميليشياته على هذه المناطق، حيث سجل التقرير مقتل أطفال وهم متجهون إلى المدرسة، ومقتل رجال في أثناء عملهم في محالهم التجارية، كما قُتل أفراد أسرة بكاملها في أثناء تجمعهم خارج منزلهم لتناول الشاي عصراً.
روسيا لا تزال تدعم النظام السوري بنشاط
وأكدت المفوضة لين ولشمان أن روسيا لا تزال تدعم النظام السوري بنشاط، لا سيما فيما يتعلق بالغارات الجوية التي قتلت مدنيين واستهدفت مصادر الغذاء والمياه، بما في ذلك محطة مياه معروفة تخدم أكثر من 200 ألف شخص. وفي الأسبوع الماضي وحده، تسببت غارات جوية جديدة في سقوط مزيد من القتلى والجرحى في محافظة إدلب، وهي حالياً قيد التحقيق.
وحذرت من أن البلاد تشهد أيضاً استمرار العمليات العسكرية من قبل إسرائيل، وكذلك القوات الأميركية والتركية والميليشيات المدعومة من إيران.
وسجلت اللجنة استمرار التعبئة والقتال بين القوات التركية وفصائل الجيش الوطني من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في الشمال من جهة أخرى، وفي ظل التهديد بعملية برية تركية جديدة.
الأوضاع في مخيم الهول
وفي شمال شرقي سوريا، يزداد الوضع الأمني سوءاً في مخيم الهول مع الإبلاغ عن 34 جريمة قتل في المخيم بين 1 كانون الثاني و31 آب، وعدة اشتباكات دامية بين قوات الأمن الداخلي التابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وسكان المخيم.
ويقبع الأطفال في مخيم الهول ومخيمات أخرى في الشمال الشرقي في وضع مقلق على نحو خاص. فهم يفتقرون إلى الرعاية الصحية والتعليم الكافيين، ويعاني العديد منهم من العنف داخل المخيمات. وبمجرد بلوغهم سن المراهقة، يتعرض الفتيان الصغار لخطر نقلهم إلى مراكز الاحتجاز العسكرية جنباً إلى جنب مع بالغين يُزعم أنهم كانوا مقاتلين سابقين ضمن "تنظيم الدولة" (داعش)، ويحتجزون إلى أجل غير مسمى دون اللجوء إلى القانون، وفقاً للتقرير.
الهجوم على سجن الصناعة
كما يعرض التقرير تحقيقاً شاملاً في أكبر هجوم لـ"تنظيم الدولة" على الأراضي السورية منذ أن فقد سيطرته في عام 2019، والذي جرى في سجن الصناعة ومحيطه في مدينة الحسكة والذي بدأ في 20 كانون الثاني وأسفر عن مقتل المئات، حيث تم قطع رأس بعضهم وتشويههم.
وسلطت هذه الأحداث الضوء على وضع أكثر من 10 آلاف من عناصر "تنظيم الدولة" السابقين المشتبه بهم وغيرهم من الأفراد الذين يُزعم أنهم ينتمون إلى التنظيم والذين ظلوا محتجزين في شمال شرقي سوريا، غالباً بمعزل عن العالم الخارجي، فضلاً عن المخاطر المستمرة باحتجاز المشتبه بهم في مناطق مدنية. ولا يزال المعتقلون الأجانب، بمن فيهم الفتيان، بلا ملاذ قانوني بعد سنوات من اعتقالهم الأولي"، وفق المفوض هاني مجلي.
إعدام عشرات المدنيين الفارين من الغوطة الشرقية
ومما يثير القلق أن تحقيقات اللجنة الأخيرة تؤكد استمرار أنماط الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة التي تُرتكب في معتقلات النظام حتى يومنا هذا، والتي أدت أيضاً إلى وفاة المعتقلين.
وخلال الفترة المشمولة بالتقرير، تبين أيضاً أن عشرات الأشخاص الذين فُقدوا منذ فرارهم من الغوطة الشرقية عبر الممرات الإنسانية التي أنشأها الاتحاد الروسي في عام 2018 قد أُعلن عن وفاتهم - ومن المرجح أن بعضهم أعدم، كما كان يُخشى ويُزعم في ذلك الوقت، وفقاً للتقرير.
ولا يزال عشرات الآلاف من السوريين مختفين قسرياً أو مفقودين حتى الآن. وتواصل قوات النظام ممارسة المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لأقارب المفقودين من خلال تعمّد إخفاء مصير ومكان وجود المفقودين. وتعتبر عملية بحث العائلات عن أحبائها في سوريا - التي تقوم بها النساء غالباً - محفوفة بخطر الاعتقال والابتزاز وسوء المعاملة.
كما وثق التقرير انتهاكات ووفيات في أثناء الاحتجاز في مرافق الاحتجاز التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة في مختلف المناطق في سوريا.
الأمم المتحدة تدعو للكشف عن مصير المعتقلين
وصرح المفوض مجلي قائلاً: "نحن نرحب بالتقرير الأخير للأمين العام حيث دعا إلى هيئة جديدة لتوضيح مصير ومكان وجود المفقودين والمختفين في سوريا. فهذا يؤيد بقوة ما دعت إليه العائلات واللجنة والعديد من الأشخاص الآخرين منذ فترة طويلة. ويجب على الدول الأعضاء الآن اغتنام هذه الفرصة لتصبح حقيقة، من أجل الضحايا وعائلاتهم".
"وبالإضافة إلى تأثر النساء والفتيات بشكل غير متناسب بعواقب الاختفاء القسري، فقد تعرضت النساء والفتيات لانتهاكات جنسية وانتهاكات لحقوقهن - بما في ذلك حرية التنقل والتعبير وتكوين الجمعيات والسكن وحقوق الملكية - اعتماداً على الجهة المسلحة التي تسيطر على مناطق وجودهن، وينجم ذلك غالباً عن عدم المساواة بين الجنسين منذ فترة ما قبل الحرب واستمرار الممارسات التمييزية"، حسب ما أعلنته المفوضة ويلشمان. "فهن عانين من العنف الجنسي والعنف الجنساني في الاحتجاز وفي المخيمات وفي حياتهن اليومية".
اعتقال اللاجئين العائدين إلى سوريا
وقد سجلت اللجنة حالات متعددة اعتقلت فيها قوات النظام السوري واحتجزت لاجئين سوريين عادوا إلى ديارهم بعد فترة وجيزة. كما وثقت في جميع أنحاء البلاد حالات عديدة لأشخاص وعائلات لم يتمكنوا من العودة إلى مدنهم وقراهم بسبب مصادرة ممتلكاتهم من قبل قوات النظام، أو لأنهم لا يستطيعون العودة إلى ممتلكاتهم وأراضيهم، خوفاً من الاحتجاز التعسفي.
وفي ظل هذه الخلفية، تلاحظ اللجنة أن بعض الدول المجاورة تضع خططاً ملموسة للعودة الجماعية للاجئين السوريين. مشددة على أنه "يجب أن تكون العودة اختياراً، وأن تجري بطريقة آمنة وكريمة وطوعية"، حسب ما قاله السيد بينيرو.