icon
التغطية الحية

الأسد يناور في الصراع الإقليمي ويروج لـ "حنكته" داخل حاضنته.. توازن أم مخاطرة؟

2024.10.07 | 06:07 دمشق

شسبسش
الأسد يناور في الصراع الإقليمي ويروج لـ "حنكته" داخل حاضنته.. توازن أم مخاطرة؟
+A
حجم الخط
-A

تتصاعد الأحداث في الشرق الأوسط على خلفية الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، وتوسع رقعة التصعيد ليشمل جبهات أخرى كلبنان، ومن ثم جاء رد إيران برسائل أن صواريخه تصل تل أبيب ولن تتهاون بعد الآن، لتصل المنطقة إلى مرحلة خطيرة حقاً وكأنما انسكب الزيت في أرجاء المنطقة بانتظار شرارة صغيرة لتندلع النار. رغم كل ذلك يحافظ النظام السوري على سياسة النأي بالنفس منذ السابع من أكتوبر ويتجنّب الانخراط المباشر في الصراع أو دعم حلفائه الإيرانيين وحزب الله، وهي سياسة تتطلب دقة وثباتاً على أرض راكزة لطالما اعتمدها الأسد الأب ومضى عليها الابن، لكن اعتمادها الآن في ظل الهشاشة التي تضرب أركان النظام تعتبر مخاطرة بالغة، وهذا ما يعيه الأسد الذي بدأ بالاستثمار في هذا النهج لترميم العلاقة بينه وبين حواضنه في سوريا وتحديداً في الساحل.

اعتمد النظام السوري منذ الأيام الأولى للثورة السورية على نصائح وخبراء وقوات إيران لمواجهة الثورة الشعبية، ثم حالت فصائل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني دون سقوطه عام 2013 ودفعت لأجل ذلك فاتورة كبيرة لم تقتصر على الأرواح بل بلغت عشرات مليارات الدولارات لإنقاذ الاقتصاد السوري المنهار وتزويد النظام بالوقود عبر الناقلات، وهذا جعل النظام السوري رهن التحالفات مع القوى الدولية والإقليمية.

ومنذ السابع من أكتوبر بدأت تلوح دلائل على تحول في سياسات النظام السوري تجاه حليفه الإيراني، تظهر بصورة عامة باتخاذه سياسة التجنّب والنأي بالنفس وعدم التورط المباشر مع إسرائيل، فلم تشهد مناطق سيطرة النظام السوري مسيرة تضامن مع غزة ومن ثم مع لبنان، وبلغ الموقف السلبي حد انقلاب النظام في الخطاب والرمزيات وكانت بيانات خارجية النظام ورئيسه باردة ومتأخرة وحذرة، ثم بدأت تتكشف الكثير من التفاصيل ليظهر مدى عمق الشروخ في العلاقات بين الأسد وطهران.

منذ السابع من أكتوبر ضربت إسرائيل جواً في سوريا 165 غارة، وقصفت الجنوب السوري مدفعياً أكثر من 50 مرة، وكانت الذروة في قصف القنصلية الإيرانية في دمشق عندما استهدفت إسرائيل بهجومٍ صاروخي، في الأوّل من نيسان الجاري، القسم القنصلي في السفارة الإيرانية بدمشق، ما أسفر عن مقتل 7 من "الحرس الثوري" الإيراني، بينهم الجنرال محمد رضا زاهدي، وهو بمثابة قصف لأرض إيرانية ما استدعى رداً هو الأول من نوعه عندما ضربت مئات الصواريخ والمسيرات إسرائيل انطلاقا من إيران.

وقبل ضربة القنصلية الإيرانية خسر الحرس الثوري الكثير من الكوادر الهامة، مثل مسؤول استخبارات "الحرس" في سوريا، صادق أوميد زاده و5 قادة آخرين في غارة على المزة في دمشق، وكذلك قتل القيادي البارز رضي موسوي جراء 3 صواريخ استهدفت البناء الذي يقطنه في منطقة السيدة زينب بريف العاصمة دمشق.

سياسية النأي بالنفس عززت فرضية: "جاسوس في القصر"

تتنامى فرضيات لدى بعض الأوساط المؤيدة لإيران وحزب الله، مفادها أن النظام السوري قد يكون زود إسرائيل بمعلومات حساسة حول مواقع وتجمعات تابعة لإيران داخل الأراضي السورية، وخاصة فيما يتعلق بمقرات الحرس الثوري الإيراني، وهو ما يعزز التكهنات بأن ضربة القنصلية الإيرانية في دمشق ربما جاءت بناءً على معلومات وفرها النظام السوري.

وقبل شهر تماما في ريف حماة الغربي نفّذت إسرائيل عملية إنزال في محيط مدينة مصياف وشنت غارات على مواقع عدة أسفرت عن 16 قتيلاً و36 جريحاً، وفق وسائل إعلام النظام، وكشف حينها تلفزيون سوريا في خبر حصري تفاصيل الإنزال الذي استهدف مركز أبحاث عسكري يُستخدم في إنتاج الأسلحة الكيميائية، وبحسب المصادر تمكنت القوة المهاجمة من تدمير المركز وأسر شخصين إيرانيين.

قد يكون النظام السوري قد ارتأى في هذا السياق أن الحفاظ على بقائه مرهون بتجنب التورط في صراعات أكبر، خصوصاً أن إسرائيل كانت قد هددت بتوجيه ضربات أكثر عنفاً في حال استمرار النظام السوري في دعم مليشيات إيرانية قرب الحدود، كما هددت بشار الأسد شخصياً إذا تورط في أي حرب ضد إسرائيل. وبذلك، يبدو أن الأسد اختار مساراً أقل تصادمية، حتى ولو جاء ذلك على حساب علاقاته مع طهران.

الاستثمار بسياسة النأي بالنفس داخل أوساط الحاضنة

كشفت مصادر خاصة من الساحل السوري لموقع تلفزيون سوريا، أن النظام السوري بدأ في الترويج لفكرة أن "سياسته الحكيمة والمتمثلة في النأي بالنفس عن الصراع الجاري قد جنّبت البلاد مواجهة محتملة مع إسرائيل، والتي كان من الممكن أن تكون كارثية على سوريا وشعبها المنهك جراء سنوات الحرب الطويلة". هذه الرواية يتم ترويجها بشكل ممنهج عبر مسؤولي "حزب البعث" ومخبري النظام في الساحل السوري وبعض المناطق والأوساط المؤيدة للنظام، بهدف تعزيز صورة الأسد كقائد "حكيم تمكن بفضل حنكته من تفادي حرب جديدة"، مما قد يساعد على استعادة ثقة قواعده الشعبية في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة وازدياد معدلات البطالة والفقر.

الترويج لهذه السياسة في أوساط النظام وحواضنه ليس مجرد خطوة تكتيكية قصيرة المدى، بل هو جزء من استراتيجية بمدى أوسع، تهدف خارج الحدود إلى إظهار الأسد كـ "قائد عقلاني براغماتي يتمتع بقدرات دبلوماسية وسياسية تمكّنه من موازنة العلاقات بين أطراف إقليمية ودولية متصارعة". فالحديث عن "حكمة الأسد" في التعامل مع التصعيد الإسرائيلي-الإيراني يسعى إلى إعادة تشكيل صورة النظام ليس فقط على المستوى الداخلي، بل أيضاً أمام المجتمع الدولي كطرف يسعى للحفاظ على استقرار المنطقة.

الأسد يقامر

يحمل هذا النهج في طياته مخاطرة كبيرة، خصوصاً في ظل ردود فعل إيران التي لم تكن راضية عن موقف النظام السوري المتفرج. طهران، التي ضحّت بالكثير من أجل دعم نظام الأسد في أحلك ظروفه، كانت تتوقع أن يقف الأسد بجانبها في لحظة تصعيد مع إسرائيل، وأن يردّ الدين بمساندة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله على الأرض السورية. إلا أن الأسد اختار الحفاظ على توازن دقيق بين حلفائه التقليديين وإسرائيل، وهو ما قد يضع العلاقات السورية - الإيرانية على المحك في المستقبل القريب.

تشير مصادر مطلعة إلى أن إيران أبدت في جولاتها الدبلوماسية الأخيرة رغبتها بالدخول في مفاوضات غير ندّية، لكن ولّاعة الحرب لدى نتنياهو لم تفرغ بعد، ونحن على أبواب رد إسرائيلي محتمل يضرب الأراضي الإيرانية، وهذا ما قد يرفع سلسلة الردود المتبادلة إلى مرتبة أعلى من الحرب، فتغيّر طهران موقفها وتشعل ساحاتها كاملة ويفقد حينها الأسد هامش النأي والتجنّب، فترتد سياسته خائبة بنتائج عكسية.

إذا انتهى التصعيد الواسع في اتفاقية بين إيران وإسرائيل سيكسب الأسد كثيراً وينتظر المكافأة، لكن ما عدا ذلك قد تشهد المرحلة المقبلة ضغوطاً إيرانية أكبر على النظام السوري، وقد تتصاعد الخلافات بين الطرفين إذا استمر الأسد في سياسته هذه. باختصار، الأسد يقامر، فتورّطه أو توريطه بالحرب قد يتسبب بانهيار نظامه أو قتله، لكن إذا نجى من كل النار المشتعلة حوله فسيخسر الدعم الإيراني وهذا يضعفه بشدة لكن لا يفنيه، وإنما يدفع الفاتورة الناس عندما تنهار الليرة وتتوقف شحنات النفط، ومع ذلك يبقى الاحتمال الثالث أن تستبدله إيران بطريقة ما وتنصّب نظاماً موالياً بالمطلق.

يتناقل سكان شمال غربي سوريا أنباء عن معركة كبيرة تحضّر لها فصائل المعارضة، للانقضاض في الفرصة المتاحة المحتملة إذا ما دمّرت إسرائيل سلاح الجو السوري، لكن النظام السوري على دراية بهذا المخطط قبل الأهالي، بحسب ما أكدته مصادر خاصة لتلفزيون سوريا من دمشق عندما كشفنا عن خبر إغلاق النظام السوري مكتب تجنيد لحزب الله في السيدة زينب بريف دمشق، وحينها نقلت لنا المصادر ما قاله كفاح ملحم رئيس "مكتب الأمن الوطني" للحزب، بأن لديهم مؤشرات استخبارية تدّل على نية الفصائل والتنظيمات استغلال الأوضاع في المنطقة وشن هجمات تجاه مواقع جيش النظام السوري، وهذا يدل على أن النظام السوري يستفيد حتى من الفرضية المتداولة بوجود معركة قريبة ضده ليبرر لإيران عدم رغبته وقدرته في الانخراط بأي تصعيد ضد إسرائيل.