اعتقد سامر وأسرته أنهم وصلوا إلى بر الأمان في لبنان بعد فرارهم من الحرب في سوريا قبل قرابة عقد من الزمان، ولكن في ظل تنامي المشاعر المعادية للاجئين، سلمت السلطات اللبنانية شقيق سامر لجيش النظام السوري.
أخذ السوريون يتدفقون إلى لبنان عقب اندلاع الحرب السورية عام 2011، وذلك عندما شن النظام حملة قمع وحشية ضد الاحتجاجات السلمية، ومع عودة النظام للسيطرة على معظم أرجاء سوريا، زادت الدعوات المطالبة بإعادة السوريين إلى بلدهم من لبنان الذي يعيش أزمة اقتصادية قاسية.
يخبرنا سامر بأن المخابرات العسكرية اللبنانية دهمت شقة أخيه بضاحية بيروت خلال الأسبوع الماضي، فاعتقلته هو وزوجته وأطفاله ثم قامت بترحيلهم إلى سوريا. إلا أن سامراً فضل عدم الكشف عن اسم عائلته لدواع أمنية.
أطلق النظام السوري سراح زوجة شقيق سامر وأولاده، وأبقى شقيقه معتقلاً، بما أنه هو وسامر كانا يخرجان ليشاركا في المظاهرات المناهضة للنظام في بداية الثورة، ولهذا لم يعد يصل إلى سامر أي خبر عن شقيقه منذ ذلك الحين، وهذا ما دفعه للقول: "أخشى ما نخشاه هو أن يختفي شقيقي في معتقلات النظام وأن تنقطع أخباره عنا مجدداً، كما نخاف على أنفسنا من المصير ذاته: أي الترحيل إلى سوريا، حيث يمكن أن نتعرض للاعتقال أو الإخفاء القسري".
أعلنت السلطات اللبنانية أن لبنان يستضيف مليوني سوري، 800 ألف منهم مسجلين لدى الأمم المتحدة، ليمثل هذا العدد أعلى نسبة للاجئين في العالم بالنسبة لعدد السكان.
لطالما حاول لبنان التضييق على اللاجئين السوريين بهدف دفعهم للعودة إلى بلدهم، كما بذل الكثير من الجهود في مجال إجلاء السوريين وإعادتهم بطريقة وصفتها السلطات اللبنانية بأنها طوعية.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، شدد الجيش اللبناني من قمعه وتضييقه على السوريين الذين لا يملكون وثائق، حيث جرى اعتقال 450 منهم وترحيل ما لا يقل عن 66، بحسب ما أورده مصدر متخصص بالمجالات الإنسانية.
السوريون في لبنان.. فقر وترحيل
زادت المشاعر المعادية للاجئين السوريين أخيراً في لبنان مع سعي بعض المسؤولين اللبنانيين لإلقاء مسؤولية المصائب التي ألمت بالبلد على اللاجئين.
فلبنان يعاني من أزمة اقتصادية مدمرة منذ عام 2019 دفعت معظم أبناء شعبه نحو أحضان الفقر، كما هبطت قيمة العملة اللبنانية إلى حد كبير، وهذا ما دفع البنك الدولي لإلقاء اللوم على السلطات اللبنانية بسبب سوء استخدام وإنفاق ودائع الناس.
اقرأ أيضا: منظمات إنسانية وسياسيون وناشطون يرسلون نداءات لحماية اللاجئين السوريين في لبنان
وأخيراً، أعلن وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، هيكتور حجار، عن ظهور تغييرات ديموغرافية حذر منها بالقول: "سنصبح لاجئين في بلدنا".
وخلال السنين الماضية، قامت بعض البلديات في لبنان بفرض قيود على تحركات السوريين، في حين وصفت منشورات ظهرت أخيراً على وسائل التواصل الاجتماعي اللاجئين بأنهم مجرمون وجائعون يتسولون المساعدات من الأمم المتحدة.
وحول ذلك يقول سامر: "يقولون إننا نتلقى مساعدات أممية بالدولار، ولكن هذا غير صحيح" وأضاف بأنه هو وأسرته عاشوا الفقر والرعب لسنوات في لبنان، ويتابع: "تعبنا ونريد حلاً، لا مالاً ولا أي شيء آخر من لبنان".
أما مفوضية اللاجئين فقد أعلنت بأنها لا يمكنها أن تصرف مساعدات إلا لنحو 43% من اللاجئين، وهذه المساعدات تدفع بالليرة اللبنانية، وأضافت: "أعلى مبلغ تحصله أسرة فقيرة مؤلفة من خمسة أفراد فأكثر يعادل ثمانمئة ليرة لبنانية بالشهر (أي ما يعادل تقريباً 80 دولاراً) وتأتي على شكل مساعدات غذائية ونقدية".
كما ذكرت المفوضية بأن السلطات اللبنانية تضيق على التجمعات السورية حيث نفذت ما لا يقل عن 13 مداهمة خلال شهر نيسان فقط.
وبعض من تم اعتقالهم وترحيلهم لاجئون مسجلون لدى المفوضية، في حين ذكر مصدر آخر متخصص بالشأن الإنساني بأن بعض الحالات شملت قاصرين تم فصلهم عن أهلهم.
سوريون يفضلون الموت على العودة إلى سوريا
حثت منظمة العفو الدولية لبنان خلال هذا الأسبوع على "وقف عمليات الترحيل على الفور" ووصفتها بأنها عمليات ترحيل قسرية، وبأنها تعرض اللاجئين لخطر التعذيب والاضطهاد فور عودتهم.
وحملات القمع والتضييق هذه جعلت السوريين المستضعفين يعيشون حالة اضطراب وذهول، لدرجة بات معها معظمهم يخشى الخروج من بيته.
إذ يخبرنا أبو سليم، 32 عاماً، بأنه صار ينام في المستودع الذي يعمل فيه برفقة 20 شخصاً آخرين مخافة التعرض للاعتقال، كما ذكر بأنه أمضى ست سنوات في السجون بسوريا، ولهذا بات الترحيل يمثل أسوأ مخاوفه، وهذا ما دفعه للقول: "إن عدت للسجن، فلن أخرج منه بحياتي".
يخبرنا عمار، 31 عاماً، وهو منشق عن الجيش بأنه صار يرابط في البيت ويقرأ كل الانتقادات اللاذعة المناهضة للسوريين التي تفرزها وسائل التواصل الاجتماعي، ويعقب على ذلك بقوله: "لماذا كل هذا الكره؟ ماذا فعلنا حتى نستحق هذا؟ كل ما فعلناه أننا هربنا من الموت".
ويخبرنا أنه منذ وصوله إلى لبنان في عام 2014 وهو لا يخشى على حياته فقط، بل أيضاً على حياة زوجته وطفله الذي لم يتجاوز عمره الشهرين، ويضيف: "أعيش في خوف من قيام الجيش باقتحام بيتي بهدف ترحيلي"، ثم أخبرنا بأنه سيخاطر بعد فترة قصيرة ويخرج من بيته ليذهب إلى عمله حتى يتمكن من شراء حليب لطفله.
وفي سياق متصل، يحاول اليائسون من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين مغادرة لبنان والسفر إلى أوروبا بقوارب الموت، إلا أن بعض تلك المحاولات انتهت بمأساة، كما أن السلطات اللبنانية تتهم السوريين بدخول البلد فقط من أجل ركوب البحر في تلك الرحلات الخطرة.
بيد أن عمار أخبرنا بأنه لن يركب البحر إلا إن اضطر لذلك، ويضيف: "لم يعد أي أمل لدينا في سوريا، لذا أفضل الموت في البحر على العودة إلى بلدي".
المصدر: Yahoo News