قالت دراسة نشرتها مؤسسة إرث جيمس فولي إن عدد الأميركيين المحتجزين "ظلماً" من قبل جهات دولية فاعلة مثل الصين وإيران وروسيا شهد زيادة ملحوظة خلال هذا العقد مقارنة بالعقد الذي سبقه، وكشفت الدراسة الجديدة عن زيادة في عدد الدول التي تستهدف المواطنين الأميركيين بهدف ممارسة نفوذها السياسي على واشنطن.
نشرت تلك الدراسة يوم الأربعاء الماضي وأوردت بالتفصيل كيف تحولت الممارسات التي كانت تنظيمات إرهابية وجماعات مقاتلة تمارسها إلى أداة بيد حكومات معادية، ما تسبب باعتقال كل من كان مع لاعبة كرة السلة الأميركية بريتني غرينر في روسيا، وصولاً إلى ماثيو هيث الجندي السابق في فيلق البحرية الأميركية الذي اعتقل في فنزويلا.
كشفت تلك الدراسة التحليلية عن اعتقال ما لا يقل عن 153 أميركياً ظلماً على يد جهات فاعلة دولية منذ عام 2001، وقد وصف من كتبوا تلك الدراسة هذا الرقم بأنه يمثل تهديداً للأمن القومي، نظراً للأثمان الباهظة التي تطلبها حكومات الدول الأجنبية مقابل الإفراج عن أي أسير من هؤلاء.
وباعتقال نحو 11 مواطناً أميركياً جديداً وسطياً كل عام، إلى جانب كون عدد من تم الإفراج عنهم غير قادر على مواكبة عدد الأسرى الجدد، ما يزال التحدي كبيراً أمام المفاوضين الأميركيين. إذ خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2001 و2011، تم اعتقال ما يقارب خمسة مواطنين أميركيين وسطياً كل عام، بحسب ما أوردته مؤسسة فولي التي تسعى لتحرير الأميركيين المحتجزين ظلماً. ومنذ عام 2012، ارتفع هذا العدد ليصل متوسطه إلى نحو 34 مواطناً كل عام.
وفي بيان صدر عن وزارة الخارجية الأميركية، ذكر الناطق الرسمي باسم الوزارة ما يأتي: "كما قال الوزير بلينكن، فإن العمل على إجلاء المواطنين الأميركيين الواقعين في الأسر أو المعتقلين ظلماً هو شيء يركز عليه هو شخصياً، إذ ليست لديه أولوية أولى من ذلك بالنسبة له بوصفه وزيراً للخارجية".
ولقد أضافت الوزارة مؤشر خطر جديد أيضاً بالنسبة لتحذيرات السفر، ألا وهو المؤشر د، والذي يحذر المواطنين من خطر الاعتقال ظلماً على يد حكومة أجنبية، حيث جاء في ذلك البيان: "لقد أجرينا هذا التغيير لنوضح ارتفاع نسبة خطر التعرض للاعتقال ظلماً في دول معينة تمارس هذه الطريقة".
ثلاثة أرباع الحالات ظهرت في ست دول
ظهرت الزيادة في تلك الحالات بالتزامن مع ما أسمته الدراسة: "توجهاً مقلقاً" لدى عدد من الدول التي تحتجز أميركيين. إذ خلال الفترة الواقعة ما بين 2001-2005، كانت خمس دول فقط تحتجز أميركيين ظلماً، أما خلال هذا العام فقد ارتفع العدد ليصل إلى 19 دولة.
وحول ذلك تعلق ديان فولي التي أسست هذه المؤسسة ومنحتها اسم ابنها، الصحفي جيمس فولي الذي اختطف في سوريا في عام 2012 ثم قتل على يد تنظيم الدولة: "لقد ارتفع عدد الدول التي تحتجز مواطنينا وكذلك زادت مدد اعتقالهم... لهذا أخشى أن يتحول ذلك إلى شيء علينا أن نفكر بطريقة التعامل معه بوصفنا دولة".
معظم الحالات تورطت فيها دول فُرضت عليها عقوبات أميركية مشددة، ومنها إيران، والصين، وفنزويلا، وكوريا الشمالية، وسوريا وروسيا، وهذه الدول جميعاً مسؤولة عن اعتقال ثلثي الحالات تقريباً.
وفيما يخص الفترات الطويلة لاحتجاز الأميركيين وبقائهم في الأسر، ترسم تلك الدراسة صورة متفاوتة، إذ مع 63% من الحالات، انتهت عملية الاحتجاز ظلماً بإطلاق سراح الأسير، أو إنقاذه أو هروبه.
ولقد اكتشف الباحثون بأن المفاوضات مهمة وحساسة خلال السنة الأولى، ومن بين الحالات التي انتهت بإطلاق سراح الأسير، هنالك 56% منهم اعتقلوا لمدة سنة أو أقل، و7% من المحررين فقط احتجزوا لمدة تزيد على أربع سنوات، أما سواد المواطنين الأميركيين المحتجزين حالياً، فيشكل نحو 44% من تلك الحالات.
وتشير تلك الدراسة إلى أن "حالات الاعتقال تلك مخيفة في معظم الأحيان" كونها تتسم: "بالتعذيب والعيش في ظل ظروف سيئة، والانتهاكات"، وفي بعض الحالات، فارق مواطنون أميركيون الحياة وهم بالأسر، أو تم إعدامهم على يد جلاديهم.
إن حملت تلك الدراسة أي مؤشر للتقدم في هذا الملف، فسيكون حول انخفاض عدد الأميركيين الذين أسروا من قبل جماعات إرهابية مثل تنظيم الدولة أو غيرها من الجماعات المقاتلة المعروفة خلال السنين الماضية. إذ بين عامي 2012-2022، تم أسر عدد من المواطنين الأميركيين بلغ بالمتوسط سبعة أسرى كل سنة وذلك على يد جهة لا تمثل دولة، مقارنة بالأسرى الأميركيين الاثني عشر الذين تم اعتقالهم كل سنة خلال العقد الماضي، بحسب ما ورد في الدراسة.
هذا وقد أشار من ألفوا تلك الدراسة إلى وجود تفسيرين محتملين لذلك: أولهما تفشي الجائحة التي أعاقت وبشكل كبير السفر بين الدول خلال عام 2020، وانحسار المناطق التي تسيطر عليها تنظيمات إرهابية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وبالرغم من أن ذلك يبدو مشجعاً، فإن الدراسة حذرت من أن: "كلا التوجهين قد لا يدوم على الأرجح".
على البيت الأبيض أن يبذل جهداً أكبر
ترى مؤسسة فولي بأن هنالك ما لا يقل عن 65 أميركياً محتجزين إما كأسرى لدى جهة لا تمثل دولة، أو معتقلين ظلماً من قبل حكومة أجنبية. وفي تقريرها، أوردت تلك المنظمة بأن إيلاء تلك القضايا الأولوية من قبل الحكومة الأميركية "ما يزال يمثل تحدياً"، وأضافت بأن: "مخططات الحكومة الأميركية الساعية لاستعادة الأميركيين المحتجزين كرهائن أو المعتقلين ظلماً ما تزال مبهمة بالنسبة للأهالي".
يذكر أنه خلال الأشهر الأخيرة، سعت إدارة بايدن لمعالجة تلك القضية على جبهات عديدة.
إذ في نيسان الماضي، أعلن البيت الأبيض عن صفقة لتبادل الأسرى مع روسيا هدفها استعادة الجندي الأميركي المحتجز تريفور ريد، وخلال الأسبوع الماضي، عمل البيت الأبيض على تأمين إطلاق سراح مات فريريتشيز، وهو متعهد أميركي أسر لمدة تزيد على سنتين في أفغانستان. والتقى الرئيس الأميركي أيضاً بأسرة غرينر وتحدث معهم حول اعتقالها في روسيا. وفي شهر آب الماضي، أصدر الرئيس أمراً تنفيذياً يجيز اللجوء إلى فرض عقوبات مالية وحظر السفر كوسيلة لتأمين إطلاق سراح الأميركيين المحتجزين.
إلا أن السيدة فولي ترى بأنه ينبغي القيام بالمزيد، فهي تريد أن ترى حالة ردع أشد وأقسى، مثل العقوبات الانتقامية وجبر الضرر بالنسبة للضحايا، إلى جانب خروج الحكومة بمراجعة شاملة لمشروعها الساعي لحل مشكلة حالات الأسر والاعتقال التعسفي. كما تطالب السيدة فولي أيضاً البيت الأبيض بمشاركة أكبر، إذ تقول: "بات من الواضح بأن المشروع بحد ذاته لا يمكنه اتخاذ قرارات بصورة مستقلة تتصل بإعادة هؤلاء الأشخاص إلى وطنهم، وذلك يعود لطريقة تشكيله ولبنيته. وكل ما أطلبه هنا هو أن تولى هذه القضية ما يكفي من الأولوية حتى يقوم خيرة الناس لدى حكومتنا بالنظر بتلك القضايا والتفكير بطريقة يمكنهم من خلالها منع كل ذلك من الحدوث، مع العمل على إعادة هؤلاء الأشخاص إلى بلدهم".
المصدر: جي بي بي