تمارس السلطات اليونانية انتهاكات عديدة ضد المهاجرين القادمين إلى حدودها، بما في ذلك إجبارهم على خلع ملابسهم وتعرضهم للتفتيش في مناطق حساسة، بالإضافة لتعرضهم للعنف وسرقة ممتلكاتهم.
وأبلغ مهاجرون وصلوا إلى أوروبا عبر الحدود اليونانية، عن تعرضهم لعمليات تفتيش جسدية قسرية، مست خلالها أعضاءهم التناسلية، وذلك في أثناء قيام السلطات المعنية بعمليات الإعادة من قبل أفراد يرتدون الزي الرسمي أو أشخاص ملثمين، حسب تقارير وسائل الإعلام ومنظمات إنسانية دولية، مثل "أطباء بلا حدود".
والأسبوع الماضي، بثت قناة "الجزيرة" القطرية تقريراً تحدثت من خلاله إلى 13 مهاجراً قالوا إنهم أُجبروا على خلع ملابسهم، وتعرضوا لتفتيش أعضائهم التناسلية في أثناء عمليات الإعادة.
ممارسة مهينة لإذلال طالبي اللجوء
وقالت سيدة كاميرونية، تبلغ من العمر 25 عاماً، إنها دخلت إلى تركيا أولاً ثم توجهت نحو اليونان، وفي جزيرة ساموس اليونانية، ذكرت أنها مع لاجئين آخرين "أُجبروا على الانحناء، ثم أجبروا على خلع ملابسهم أمام الجميع"، مؤكدة أن كل من يقاوم يتعرض للتهديد والضرب بالهراوات.
ورفعت السيدة الكاميرونية دعوى قضائية لدى محكمة يونانية، مؤكدة أن "التفتيش القسري للجسم والأعضاء التناسلية كان انتهاكاً مهيناً للغاية"، في حين أفادت تقارير صحفية أن موضوع القضية كان موضوع شكاية سابقة قيد التحقيق.
المقابلات مع اللاجئين والخبراء القانونيين والمنظمات غير الحكومية، إضافة إلى وثائق خاصة بسلطات الحدود أشارت إلى قلق كبير من "الممارسات المهينة التي تهدف إلى إذلال طالبي اللجوء وردعهم عن محاولة القيام بالرحلة غير القانونية مرة أخرى، عبر عدة ممارسات منها سرقة أموالهم"، وفق "الجزيرة".
"فرونتكس" تدعم السلطات اليونانية ولا تشرف عليها
ونقل موقع "مهاجر نيوز" عن المسؤول الإعلامي في وكالة مراقبة الحدود الأوروبية "فرونتكس"، كريس بوروفسكي، قوله "نحن على علم بالتقارير ونتعامل معها بمنتهى الجدية"، مضيفاً أن الوكالة "تدين بشكل لا لبس فيه أي أعمال تنتهك الحقوق الأساسية وحقوق الإنسان وكرامته".
وأوضح بوروفسكي أنه "فيما يتعلق بعمليات مراقبة الحدود في اليونان، من المهم أن نفهم أن فرونتكس ليس لها دور قيادي فيما يخص تعاملها مع السلطات اليونانية، نحن هناك لدعم أنشطتها، وليس للإشراف عليها".
هل عمليات الصد أساس سياسة الهجرة؟
وذكر "مهاجر نيوز" أنه في العام 2021، قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن عمليات التفتيش الجسدي من قبل السلطات "يمكن تبريرها في حالات معينة، مثل منع الأنشطة الإجرامية"، إلا أن المادة 3 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تحظر "التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، التي تشمل المعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة".
وأضاف أنه في عهد رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، اتبعت البلاد نهجاً متشدداً في مواضيع الهجرة، حيث عززت مراقبة الحدود، وتعاقدت مع وكالات أمنية لتنفيذ عمليات الترحيل، وتم توسيع وتحصين السياج على طول حدود إيفروس البرية مع تركيا بشكل كامل، وبالإضافة إلى ذلك، تعمل اليونان مع وكالة "فرونتكس" لترحيل من رفضت طلبات لجوئهم.
ودانت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية غير الحكومية مختلفة اليونان لممارستها عمليات الإعادة غير القانونية، وسبق أن قال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان، فيليبي جونزاليس موراليس، إن عمليات الإعادة "على الحدود البرية والبحرية أصبحت سياسة عامة بحكم الأمر الواقع في اليونان"، في حين تنفي أثينا باستمرار هذه الادعاءات.
تجارب مروّعة
وسبق أن أبلغت منظمة "أطباء بلا حدود" عن حوادث مماثلة من عمليات التفتيش الجسدي العدوانية والمهينة في تقريرها لها بعنوان "التكلفة البشرية لسياسات الهجرة والممارسات العنيفة على الحدود البحرية اليونانية"، الذي صدر مطلع تشرين الثاني الماضي.
وبناءً على مقابلات مع المهاجرين في المواقع التي تديرها "أطباء بلا حدود" في جزيرتي ساموس وليسبوس، بين آب 2021 وتموز 2023، تشير نتائج التقرير إلى "وجود نمط من عمليات الإعادة العنيفة على حدود بحر إيجه"، في حين يُتهم ضباط يرتدون الزي الرسمي وأفراد ملثمون باختطاف المهاجرين والاعتداء عليهم جسدياً، وإجراء عمليات تفتيش جسدية دون موافقتهم، ومصادرة ممتلكاتهم الشخصية أو تدميرها.
ومن بين الأشخاص الخمسين الذين قابلتهم "أطباء بلا حدود"، أدلى 11 شخصاً بشهادات مفصلة، وكلها تعكس تجارب مروعة مماثلة لرجال ونساء وأطفال أجبروا على تحمل تفتيش جسدي مهين، وأفاد البعض أنهم تعرضوا لعمليات صد وتفتيش مهينة أكثر من مرة، بما في ذلك المهاجرون الذين تم إرجاعهم عبر الحدود ووضعهم في البحر
تعامل صادم للغاية
وقال رئيس بعثة منظمة "أطباء بلا حدود" في اليونان، دوتشيو ستاديريني، إن شهادات المهاجرين "صادمة للغاية، وما علمناه من هذه الشهادات هو مجرد جزء، على الرغم من أن عمليات التفتيش بالتجريد من الملابس ليست منهجية، إلا أنها شائعة بشكل مثير للقلق"، وفق "مهاجر نيوز".
وأوضح ستاديريني أن "عمليات التفتيش بالتجريد من الملابس غالباً ما يتم إجراؤها في الغابات، وعند نقاط الوصول، أي قبل اتخاذ أي إجراء رسمي للتوثيق، ولا علاقة لها بفرض الأمن، مضيفاً أن "الأمر الأكثر إثارة للصدمة هو أن هذا يحدث على الأراضي الأوروبية".
وأشار رئيس بعثة "أطباء بلا حدود" إلى أن "الصحة العقلية لهؤلاء الأشخاص قبل وصولهم كانت هشة للغاية، والعنف الذي تعرضوا له من خلال عمليات التفتيش والتعري هذه، بهدف سرقتهم على الأرجح، يخلق معاناة إضافية يصعب الشفاء منها".