يرى طبيب بريطاني بأن الناجين من الزلزال في تركيا قد تعرضوا لصدمة نفسية، تشمل خوفهم من بيوتهم وتعرضهم لاضطراب كرب ما بعد الصدمة، إلا أنهم أظهروا الكثير من التأقلم والصمود والشجاعة على الرغم من كل ما تعرضوا له.
وقام الطبيب عاصم سالم الذي يقيم في ليدز ببريطانيا ويعمل استشارياً في طب الطوارئ بالسفر إلى تركيا مرتين برفقة منظمة "الإنسانية أولا" البريطانية وهي منظمة غير حكومية، وذلك للمساهمة في تأسيس مخيمات طبية إلى جانب العناية بالناجين الذين أصيبوا بجروح وصاروا يعانون على مستوى الصحة العقلية والنفسية.
امتدت الرحلة الثانية التي قام بها هذا الطبيب ما بين 19 شباط و4 آذار، في حين تمت رحلته الأولى التي امتدت لخمسة أيام خلال أول 48 ساعة من الزلزال الأول.
من رأى ليس كمن سمع!
يخبرنا هذا الطبيب الذي يبلغ من العمر 46 عاماً عن تجربته، فيقول: "رأيتم الصور عبر التلفاز وقرأتم ما جرى في الصحف، وشاهدتم ذلك عبر فيديوهات على يوتيوب، ما يعني أنه تشكلت لديكم فكرة عما يحدث، ولكنك عندما تذهب فعلياً إلى هناك وترى بأم عينيك ما يجري، فلا بد للتجربة أن تختلف كلياً وأنت تقف على قارعة الطريق والأبنية من حولك تنهار تماماً وتتحول إلى كومة على الأرض، كما أنك عندما تقف بجانب مبنى، فبوسعك أن تشم رائحة الموت، بسبب وجود عدد من الجثث داخل المباني للأسف، ومن المستحيل عملياً إخراج كل شيء، وعودة الأمور لطبيعتها، وهذا ما لا بد أن يصدمك كثيراً".
يذكر أن سلسلة من الزلازل قد ضربت سوريا وتركيا منذ شهر شباط الماضي، ما أسفر عن وفاة عشرات الآلاف ونزوح كثيرين، حيث بلغت شدة أعنف زلزال 7.8 درجات وقد وقع في 6 شباط الماضي.
الخوف الممزوج بصدمة
يخبرنا الدكتور سالم عن الصدمة التي عاشها الناس بسبب الزلزال، مع تطور الأمور لدى كثيرين لتحولها إلى خوف من دخول بيوتهم، فيقول: "خلال رحلتي الأولى، عندما سافرت إلى المناطق القريبة من مركز الزلزال، لاحظت بأن كثيرين في الشوارع يقومون بإحراق علب كرتونية حتى يتدفؤوا عليها في ظل أجواء صقيعية، إذ تدمرت بيوت عدد من الناس للأسف، ولم يعد لديهم مكان يذهبون إليه، أما الغالبية وهم أسر لديهم أطفال صغار في بعض الأحيان، فلديهم بيوت وضعها عادي جداً، لكنهم فضلوا البقاء في الخارج في ظل أجواء البرد القارس بالقرب من النار، وذلك لأن الخوف والصدمة منعتهم من العودة لمنازلهم لمدة يومين".
الزلزال الثاني
خلال الأسبوع الثاني من سفر الطبيب إلى تركيا، يخبرنا بأنه كان في الطابق السادس من أحد المباني بولاية غازي عنتاب عندما وقع ثاني أكبر زلزال خلال تلك الفترة، ووصفه بأنه كان شديداً، لدرجة يصعب معه، حيث قال: "أمسكت بجواز سفري على الفور، إلى جانب سترتي وهرولت على الأدراج بخف فليني إلى أن خرجت من المبنى ووصلت إلى الشارع، وهناك رأيت الآلاف من البشر حولي في ظل درجات حرارة أقرب للتجمد، ثم انتظرت أنا وفريقي داخل سيارة من دون أن ندري ماذا ينتظرنا، إلا أن الشيء الوحيد الذي أدركناه هو أننا لن نتمكن من العودة إلى داخل المبنى، ولهذا تفهمت مشاعر هؤلاء الناس الذين رأيتهم، إذ من الصعب وصف الوضع، إلا أن هذا الشعور كان قوياً جداً".
يرى الدكتور سليم بأنه في الوقت الذي يرجح فيه اختفاء الصدمة الجسدية الآن، ما تزال الصدمة النفسية حاضرة، حيث يقول: "إن المسألة تتصل بإعادة بناء كل شيء، إذ بالنسبة للصحة النفسية، يستحيل ألا يعاني الناجون من اضطراب كرب ما بعد الصدمة، وهذه مشكلة حقيقية، وهنالك أيضاً صدمة مالية، وأظن أنهم سيشعرون بها ببطء".
صمود وشجاعة
ولكن وعلى الرغم من إحساس الفقدان المدمر، يرى الدكتور سليم بأن من التقاهم وتحدث إليهم في ذلك البلد أبدوا شجاعة كبيرة، حيث قال: "إن الأهالي أقوياء للغاية وصامدون جداً، فهم يقدمون أقصى ما لديهم، ويتمتعون بشجاعة هائلة، ثم إن طريقتهم بمواجهة الدمار الكبير أصبحت مصدر إلهام بالنسبة لي، فهم دوماً يبحثون عن سبيل لمساعدة بعضهم خلال تلك المحنة".
ويتابع الدكتور سليم بالقول: "لا يمكن لأي حكومة أو إدارة محلية التأقلم مع حجم الدمار الذي شهدناه، بيد أنهم يبذلون أقصى ما بوسعهم، حيث يتعاونون مع الأهالي يداً بيد، وهنا أتذكر في إحدى المرات ذلك الصبي الذي يبلغ من العمر ثلاث أو أربع سنوات، والذي التقيته في مخيمنا الطبي، عندما كان يرتدي فردتين مختلفتين لحذائين، ولهذا قام أحد أعضاء الفريق الإداري باستبدال حذائه بحذاء جديد وقياس مناسب، وذلك لأن من يقدمون الرعاية هنا يهتمون بأدق التفاصيل"،
يذكر أن منظمة الإنسانية أولاً أطلقت استغاثة لنجدة المتضررين من الزلزال في سوريا وتركيا، كما أقامت مطبخاً في أنطاكيا بولاية هاتاي التركية، حيث يتم طهي الأطعمة وتقديمها للآلاف من أهالي المنطقة والقرى المحيطة بها.
المصدر: Independent