بحمولات تتراوح بين ربع طن وصولاً إلى الأربعة وحتى ثمانية أطنان من القنابل؛ وبمعدل 50 إلى أكثر من 200 طلعة يومياً؛ امتدت الحملة الجوية لنظام الأسد طيلة سنوات، بدعم دولي واسع لمواجهة الثوار السوريين والفصائل العسكرية، وظّف النظام سلاح الجو فيها بهدف إحراز تأثير مزدوج مادي – معنوي في محاولة لإسكات الثائرين عليه.
استهلكت الطلعات الجوية التي فاقت الـ 6000 طلعة شهرياً مخزون النظام من القنابل الجوية بمختلف أنواعها، المترافق ببعض العراقيل في تعويض مخزونه من الذخائر الجوية والمرتبطة بإدارة الصراع من قبل العديد من الأطراف الدولية، مع معرفة النظام بطول معركته وهدفها الرئيسي القائم على التدمير المساحي للمناطق السكنية لتهجير السكان والتكلفة العالية لاستخدام سلاح الجو في ذلك؛ دفعه لتطوير فكرة "البراميل المتفجرة"؛ التي استخدمها من الطائرات الحوامة لتمر بحوالي 7 أجيال للوصول للشكل الحالي الذي أصبح الشكل المعتمد و"المعياري" لدى النظام بالنسبة للقنابل الجوية.
قنابل القرد
يوجد خلط كبير في الإعلام بين القنابل الجوية و"البراميل" حيث تكاد توصف أي عملية قصف جوية بأنها قصف بالبراميل، وهذا الكلام غير دقيق تماماً، فحتى النظام تجاوز مرحلة البراميل بأشواط؛ وانتقل إلى ما يمكن تسميته قنابل بتصميم "معياري".
فرغم استخدامه الواسع لها، إلا أنه لا يعرف تماماً ما هو التوصيف أو الاسم الذي يطلقه النظام في سجلاته على "قنبلة القرد"، التي صنعها كنتيجة لتطويره للبراميل المتفجرة لتصبح قابلة للإلقاء من الطائرات النفاثة، لكن ظهور هذه القنبلة المؤكد بناء على سلسلة التطور التقني لبراميل النظام، كان بداية في وسط عام 2015، حيث ظهرت تجارب أولية على نوعية مشابهة في بداية عام 2015، كخطوة أخيرة للوصول إلى الشكل الأخير لقنابله المصنعة محلياً.
فبعد أن وصل للشكل النهائي لتطوير براميل المروحيات، عمل النظام على نسخ الشكل والخصائص الأيروديناميكية لقنابل أو- فاب 250 السوفييتية، التي استخدمها بكثرة وهي ذخيرة تحملها معظم طائراته القاذفة والمقاتلة والمروحية، وتمكن من تصنيع قنبلة رخيصة لتسليح طائراته النفاثة، مستفيداً من الخبرة المتراكمة من صناعة البراميل.
فقد ظهرت عدة قنابل غير منفجرة بداية عام 2015 في حلب، ألقتها طائرات ميغ 21 تابعة للنظام، تحتوي هذه القنابل فروقاً عن نوعيات البراميل السابقة التي استخدمها طيران النظام المروحي، أهم هذه الفروق هو شكل الذيل المختلف رباعي الجنيحات، ومزودة بحلقة استقرار تربط هذه الشفرات مع بعض.
والمميز أن هذه الجنيحات كانت بامتداد مساوي لقطر القنبلة ولا يمتد خارجها كحال باقي براميل النظام، ما أكد سعي النظام لتصنيع قنابل لطائراته النفاثة.
أخيراً ظهرت قنابل النظام المصنعة محلياً بشكلها النهائي بشكل غير مباشر خلال جولة في مطار حماة التابع للنظام في شهر تشرين الأول 2015، حيث ظهرت طائرات ميغ 21 وميغ 23 مسلحة بهذه القنابل ضمن تسجيل مرئي عرضته القنوات الموالية ومنها قناة روسيا اليوم.
ما يعني أن معظم غارات النظام الجوية باستخدام طائرات ميغ 21 23 سوخوي 22 ومي 24 (وربما سوخوي 24 أيضاً) منذ منتصف عام 2015، استخدمت فيها هذه القنابل المصنعة محلياً؛ حتى بعد الدعم الجوي الروسي الكبير الذي تلقاه النظام، حيث تظهر معظم التسجيلات المرئية من مطارات النظام بعد هذه الفترة تسليح طائراته بهذه القنابل وليس بالقنابل السوفيتية-الروسية الأصلية أو-فاب 250.
سبب تسمية هذه القنابل بالقردة أو قنابل القرد يعود إلى المصطلح العسكري Monkey model الذي يعرب إلى "نسخة القرد"، وهو مصطلح لتعريف التطابق بالشكل الخارجي بين سلاحين، والاختلاف الكبير في المواصفات والقدرات.
استنساخ رخيص.. 100 دولار فقط
القنبلة التي صنعها النظام هي محاولة لنسخ الخصائص الأيروديناميكية لقنابل أو-فاب 250، والتي تستطيع جميع طائراته تقريباً حملها، ما يعني أن مسارها سيكون مطابقاً لمسار قنابل أو-فاب 250، وسينجم عنه تحسين الدقة النسبية للقنابل المصنعة محلياً، لأنه سيكون من الممكن استخدام أجهزة التسديد الموجودة في طائراته لرميها من دون أي تغيير.
كما يوجد فرق كبير في التكلفة الكلية للقنبلة الواحدة فهي لا تتجاوز 100 دولار لقنابل "القرد"؛ فسعر الطن من الأنابيب الفولاذية بقطر 350 إلى 450 ملم بسماكة 10 ملم المستخدم لتصنيعها هو حوالي 500 دولار، ويمكن تصنيع حوالي 10 قنابل منه، كما أن مكونات المتفجرات والتي هي TNT بالمجمل شبه مجانية للنظام، ما يعني أن النظام يستطيع تصنيع ما لا يقل عن 100 إلى 200 قنبلة "قرد" بسعر قنبلة روسية أصلية واحدة من نوع أو-فاب 250 التي يبلغ ثمن الواحدة منها 25 ألف دولار؛ أي يستطيع تنفيذ حوالي 200 طلعة قصف جوية بهذه القنابل بتكلفة طلعة قصف جوية واحدة بالقنابل الأصلية، وبدقة أكبر بكثير من براميل المروحيات، ما شجع النظام كثيراً على تبني هذه القنبلة.
الوصف والتمييز
القنبلة تتطابق بالمواصفات الظاهرية مع قنابل أو-فاب 250، فهي تقريباً بالطول والقطر نفسه، وتختلف بتفاصيل الشكل والصاعق وانعدام وجود آلية أمان.
- الطول حوالي 150 سم
- القطر 350 ملم (الجسم )، 420 ملم (باع الجنيحات)
- نقطتي تعليق بفارق 25 سم
- صاعق ميكانيكي طرقي بدائي في المقدمة من دون كابلات تأمين
- عادة لا تكون مطلية بل يوجد طبقة من الصدأ على القنبلة بسبب نوعية الفولاذ المستخدم، لذلك هي مميزة بلونها البني على عكس القنابل السوفييتية الفضية غالباً.
- الوزن 200 كغ تقريباً
- كمية المتفجرات في القنبلة: بحدود 100 كغ نت الـ TNT
ما هو مدى فعالية وخطورة هذه القنابل؟
على الرغم من أن النظام استنسخ قنابل أو-فاب 250 شديدة الانفجار كثيرة الشظايا، لكنه في الواقع استنسخ الشكل الخارجي فقط، فالقنابل التي يصنعها لا تملك كثيرا من مواصفات القنابل السوفييتية وهذا عائد إلى كفاءة المواد المتفجرة المستخدمة، إضافة إلى طريقة تأثير القنبلة.
فالقنابل الشديدة الانفجار كثيرة الشظايا أو-فاب250 التي نسخها النظام تولد موجة عصف مكونة من ضغط شديد وحرارة، إضافة لمظلة من الشظايا بمدى حتى 150 متراً. في حين "قنبلة القرد" التي يصنعها النظام تفتقر لإمكانية توليد الشظايا بالأسلوب نفسه، وهي تولد موجة عصف أضعف بسبب نوعية المتفجرات المستخدمة الأقل فاعلية، في حين تعتمد الشظايا التي تولدها على طبيعة مكان سقوطها.
التصنيف الصحيح لهذه القنابل هو قنابل شديدة الانفجار، فهي لا تمتلك ميزة نشر الشظايا بشكل فعال، لذلك لا قيمة حقيقية لها في المناطق المفتوحة، وبالإضافة إلى أن طبيعة تصميم الصاعق ترفع احتمال فشلها في الانفجار في الأراضي الطينية والرملية، ما يجعل فاعليتها تنحصر في المناطق السكنية وبخاصة ذات الكثافة العالية، حيث تحدث تأثيراً مزدوجا ناتجاً عن الطاقة الحركية لسقوطها إضافة إلى المواد المتفجرة فيها، وهو الأمر الذي أدركه النظام بشكل جيد وأصبح هنالك توزيع لمناطق القصف بينه وبين الروس، فالنظام يقصف التجمعات السكنية والروس يقصفون المناطق المفتوحة.
ظهور هذه القنابل كان عملياً أحد أكثر النقاط التي استفاد منها النظام وساهمت في إطالة عمر حملته الجوية، وبالتالي عمره، خاصة أنها ساهمت بتقليل الكلفة الكلية للطلعات الجوية ما ساهم في زيادة عددها، وساهمت في زيادة رقعة الدمار الذي يستطيع إحداثه ما زاد في حظوته الاستراتيجية لدى مشغليه، ما ساهم في إطالة الحرب السورية وزيادة مستوى الدمار فيها ككل.
والجدير بالذكر أن معظم الأسلحة التي استوردها النظام خلال تاريخه من دبابات وطائرات وغيرها هي "نسخ قرد" من الأسلحة الأصلية لأنها تفتقر للكثير من المواصفات الأصلية للسلاح.
بضع ومئة من الأعوام تفصلنا عن ظهور القوى الجوية للعديد من دول العالم قبيل الحرب العالمية الأولى، وتطويرها للأسلحة والذخائر الجوية، لكن النظام وبعد أكثر من قرن على الحرب العالمية الأولى "نجح" بصنع قنابل بدائية متخلفة في المعايير الصناعية والتقنية حتى عن القنابل التي كانت تصنع قبل قرن من الزمان، في حالة لا يمكن استيعابها إلا الرغبة بالقتال حتى إفناء "العدو" بكل السبل.
وكل هذه المحاولات للتخفيف من العبء المالي للحملات العسكرية ضد الشعب السوري لم تعد مجدية، فالنظام اليوم يتسول المال من الملايين الذين هجرهم إلى دول اللجوء، عبر بدل الخدمة العسكرية وثمن جواز السفر وثمن العودة إلى سوريا من معبر لبنان وغيرها من الأساليب الابتزازية لتمويل آلته العسكرية التي يرتبط بقاؤه في الحكم ببقائها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن قنبلة أو-فاب 250 الروسية التي اشترى النظام على مدار سنوات كميات كانت كافية لتدمير مدن سوريا بكاملها، يكفي سعر الواحدة منها رواتب 250 موظفاً، في حين تكفي كلفة الطلعة الجوية الواحدة لطائرة ميغ 21 (أربع قنابل) لرواتب 1000 موظف.