"عندما تكون غير قادر على إثبات زواجك أو طلاقك أو نسب أطفالك، تجد نفسك في وضع معقد يعكس صعوبة الحياة كلاجئ أو هارب من بلدك، ويعرقل هذا قدرتك في الحصول على حقوقك أو حتى تنفيذ معاملاتك اليومية. مما يدفعك إلى سلوك طريق غير قانوني، يزداد تعقيدا مع ارتفاع الرسوم والتعقيدات الإدارية التي تفرضها القنصليات". يلخص أحد اللاجئين السوريين حالته القانونية بعد تعثر الحصول على أوراق ثبوتية من قنصلية النظام السوري في إسطنبول.
وتُعتبر الوكالة تفويضا لشخص آخر للتصرف نيابة عن الشخص المعني في إبرام عقد، وتعدّ أساسا يعتمد عليه العقد المُبرم. وإذا كانت الوكالة مبنية على غش، فإن العقد يعتبر تزويرا، وبالتالي تُلغى الوكالة وكل الواقعات المدنية المرتبطة بها.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد قالت الشهر الماضي، إنَّ النظام السوري تحكم بمنح الوثائق الثبوتية بشكل غير قانوني وتمييزي، لقرابة 16 مليون سوري، عاملاً على تسخير السلطة والموارد الحكومية لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية على حساب مصلحة الشعب، ما وضع السوريين في معاناة كبيرة وتكاليف باهظة في الـ 13 عاماً الماضية.
فساد متفشٍ وحكومة النظام تعترف
نوارة (27 عاما)، شابة سورية تقيم في قطر، ذكرت لموقع تلفزيون سوريا أنها واجهت قبل سنتين صعوبة في معاملة قانونية لتثبيت زواجها واستخراج أوراق خاصة، كونها ابنة وحيدة لضابط منشق عن النظام السوري، ولم تحظَ بمساعدة من الأقارب بسبب خوفهم أمنيا من النظام السوري.
وأوضحت الشابة أنها لجأت إلى أحد معقبي المعاملات الذي أتم لها الأوراق وثبّت الزواج عبر تسجيل وكالة بتاريخ قديم، وأضافت أنها اختارت هذا الخيار لغياب البدائل، ولأن المؤسسات الحكومية التي تضع القرارات لا تكترث للعراقيل التي يواجهها السوري المغترب في حاجته لأي ورقة رسمية من القنصلية أو السفارة، بل تسعى إلى تحصيل العملة مقابل أي ورقة قانونية.
في 26 تشرين الثاني 2023، أصدرت المديرية العامة للأحوال المدنية بدمشق تعميما بإلغاء خمسة آلاف واقعة مدنية بين زواج وطلاق وولادة وغيرها، بذريعة تزوير أوراق ثبوتية أو وكالات، بحسب ما نقلته صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري.
وتضمن التعميم أنه إذا شُكّ في صحة أي وكالة، تُحال إلى المحامي العام في المحافظة للتحقق من قانونيتها، بسبب ملاحظة وجود وكالات مكررة، بلغ عددها 15 وكالة ليس لها أساس.
كما جاء في التعميم أنه فيما يتعلق بالوقائع المدنية التي تُنظم خارج البلاد، يمكن للقريب من الدرجة الرابعة أن يُثبّت الواقعة في السجل المدني من دون الحاجة إلى الوكالة.
وتعليقا على ذلك تتابع نوارة قائلة: "على أساس هذا القرار، تم إيقاف قيود زواجنا الذي نتج عنه طفلة في عامها الأول. نحن نعيش الآن حالة من الخوف والقلق؛ فنحن عائلة أمام مشكلة لا نعلم ما حلولها ليكون هذا الزواج قانونيا".
المحامي أنس (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) يقيم في دمشق، أوضح أن معظم الوكالات التي اكتُشف أنها مزورة أُوقفت قيودها بشكل كامل، وفي حال أراد أي مواطن استخراج ورقة واحدة، عليه مراجعة النفوس العامة ومن ثم يُحوّل إلى القضاء.
أما بخصوص المحامين الذين نظّموا الوكالات المزورة، فقد أُوقف بعض منهم فقط عن ممارسة المهنة، في حين أن الموظفين الذين سيروا المعاملات بالتنسيق مع المحامين أو المعقبين أو المزورين لم تُعرف هوياتهم، بحسب المحامي.
وأضاف لموقع تلفزيون سوريا، أن النظام أصدر أكثر من عفو يندرج ضمنه هؤلاء المواطنون، فهم لا يُعتبرون مزورين كونهم كانوا خارج البلاد في ذلك الوقت الذي نُظمت فيه الوكالات داخل سوريا، ولكن ما يتوجب عليهم هو مراجعة النفوس وتقديم طلب تصحيح القيود عبر ضبط إداري وضبط شرطة لإعادة تفعيل قيودهم المدنية.
عراقيل تشجع عمل السماسرة
أفسح التعميم الصادر المجال للحديث عن حالات الفساد الناتجة عن استغلال حاجة الناس، وعدم قدرتهم على تسيير أمورهم القانونية بشكل شخصي، ما دفعهم نحو الوكالات.
طارق كيوان (34 عاما)، شاب سوري يقيم في إسطنبول، يرى أن هذا القرار ساعده في توضيح إمكانية استخراج الأوراق بواسطة الأقارب، إذ يواجه صعوبة في تسجيل طفله عبر القنصلية.
أما الجانب السيئ، وهو الأكثر في هذا القرار، أن القرار نفسه لا ينهي المشكلة بالنسبة للمغتربين، التي تتجلى بحجز المواعيد ودفع الرسوم بالدولار إلى جانب عراقيل أخرى تسبق الحصول على الورقة المطلوبة.
سبق وأصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد، قانونا متعلقا برسوم الأعمال والخدمات القنصلية، إذ رفع قيمتها بنسبة تجاوزت الـ100%. وحدّد القانون "وزارة الخارجية والمغتربين" - نيابةً عن البعثات الدبلوماسية والقنصليات - لاستيفاء رسوم الأعمال والخدمات القنصلية بالعملات الأجنبية القابلة للتحويل، ثم تحويلها إلى حساب "خزينة الدولة" المفتوح لدى المصرف المركزي، تحت بند "واردات رسوم قنصلية".
المحامي فواز حمام، يقيم في إسطنبول، أوضح لموقع تلفزيون سوريا أن لكل معاملة في الوقائع المدنية طريقة لتسييرها تختلف عن الأخرى.
وقال: "إن صدور هذا القرار له إيجابيات كثيرة لو أن القنصليات في الخارج التزمت بمنح مواعيد الوكالات بشكل أسهل، لأن مثل هذه العراقيل تشجع على وجود السماسرة".
وأضاف أن المواطن يواجه صعوبات في إثبات أي واقعة عبر القنصليات، وهذا ما حصل في السنوات السابقة، ما يدفعه إلى اللجوء للسماسرة العاملين تحت صفة محامٍ، إذ يتعهد لصاحب المعاملة بتثبيت الزواج في دائرة النفوس مباشرة من دون حكم قضائي شرعي أو بموجب حكم قضائي مزور ووكالة محامٍ مزورة بالتعاون مع بعض موظفي النفوس. بذلك، يُثبت الزواج أو النسب بشكل غير قانوني تماما، إذ إن الزواج في سوريا يتم حصرا عن طريق المحاكم الشرعية ولا يمكن أن يتم بدائرة النفوس أو الأحوال المدنية، حتى وصل الأمر إلى تسجيل حالات طلاق واستخراج بيانات طلاق من دون حكم محكمة شرعية، ما أدى إلى خلط في الأنساب وصدور حالات زواج وطلاق غير صحيحة شرعا وقانونا.
أما سلبياته، فهي "واقع القنصليات السورية خاصة في إسطنبول، حيث يصعب الحصول على موعد من القنصلية، إضافة إلى الرسوم الباهظة للوكالات، ما يجعلها عائقا أمام هذه الإيجابيات"، بحسب المحامي.
نظام غير مؤتمن
الدكتور في القانون والباحث في مركز "الحوار السوري"، أحمد قربي، أوضح لموقع تلفزيون سوريا أنه لا جديد في القرار المذكور، وفيما يتعلق بإمكانية استخراج أو إثبات واقعة بلا وكالة، يمكن للقريب من الدرجة الرابعة فعل ذلك بإظهار بيان عائلي يثبت القرابة، لكن ربما لا يعلم كثير من المراجعين بهذا التفصيل.
وفيما يخص الوقائع المزورة، وهي الأهم من حيث الإلغاء، التي قد يتبعها عدة معاملات ووقائع، مثل حالة الوفاة التي يتبعها إرث وربما بيع، أو عقد زواج نتج عنه أطفال، فالحالة هنا معقدة وأنتجها فساد المؤسسات الحكومية.
ويرى القربي أن هذه الوقائع تدل على ضعف التواصل بين مؤسسات النظام وعلى الفساد المتفشي داخلها، فوجود خمسة آلاف وكالة مزورة يوضح تغيب المعنيين بهذه المعاملات.
كما أن هذا التعميم "سيخلق إشكالية كبيرة للعديد من المواطنين، وقد تظهر أعداد لوقائع أخرى، ما قد يفتح فجوة كبيرة ربما تُستغل لاحقا بغير مأخذ، في ظل عدم يقين حكومة النظام تجاه أهمية السجل المدني، الذي ينظم الأحوال المدنية للسوريين، ما يؤكد على استهتار وعدم حرفية وضعف حوكمة هذا النظام، مما يدل على أنه لا يؤتمن على الدولة ومؤسساتها:، وفق قربي.
وسبق لرئيس النظام السوري، أن عدّل قانون "الأحوال المدنية" رقم "13" الصادر في 2020، بدلًا من قانون الأحوال المدنية الصادر عام 2007، وفق ما نشرته وكالة أنباء النظام الرسمية (سانا).