تتحسّن قيمة الليرة السورية بشكل يثير استغراب السوريين، حيث لا مشاريع اقتصادية واضحة ولا استثمارات خارجية ضخمة ولا حلول سياسية ملموسة، فضلاً عن أنّ هذا التحسّن لم ينعكس على أسعار المواد الاستهلاكية، التي ما تزال ترتفع أكثر فأكثر مع اقتراب شهر رمضان.
بحسب موقع "الليرة اليوم" التي يعتمدها أغلب السوريين في تصريف الدولار، تحسّنت قيمة الليرة من 15 ألف ليرة إلى 14200 ليرة في ثلاثة أسابيع فقط.
واستمرار تحسّن قيمة الليرة يوماً بعد يوم بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، أدخل السوريين في مشكلة جوهرية فاقمت أزمتهم المعيشية، خاصةً أن أغلب العائلات تعتمد معيشتها على الحوالات الخارجية التي تأتيها من المهاجرين والمغتربين.
تحسّن الليرة زاد من معاناة السوريين
يقول "أبو فرحان" (لديه اثنان من أبنائه خارج سوريا، أحدهما في تركيا والثاني في ألمانيا)، إنّ ولديه يتناوبان على إرسال الحوالات له كل شهر بقيمة 200 دولار، وهي بالكاد تكفيه مع زوجته بعد دفع أجرة المنزل الذي يسكنان فيه.
يحصل "أبو فرحان" على الحوالة من السوق السوداء نتيجة الفرق بقيمة التصريف مع الطرق الرسمية، ويقبضها بالدولار لا بالليرة السورية، لأنّه يصرف منها حسب حاجته فقط خشيةً من أي خسارة بالتصريف مع تذبذب سعر الصرف.
ويؤكد أن الـ200 دولار التي كانت تكفيه لشهر سابقاً، لم تعد تكفيه اليوم، وطلب من ابنه أن يرسل له 100 دولار إضافية، رغم أن قيمة الليرة قد تحسّنت، إلّا أنّه في الحقيقة قد تراجعت قيمتها الشرائية كثيراً.
يشير "أبو فرحان" إلى أنّ تصريفه للحوالة بات بسعر غير حقيقي أمام قدرة الليرة الشرائية، فالبضائع في الأسواق مسعرة تقريباً على سعر 17-18 ألف ليرة لكل دولار إن لم يكن أكثر، بينما قيمة الحوالة باتت أقل ولا تستطيع شراء ما كانت تشتريه.
يتشارك مع "أبو فرحان" كثير من السوريين الذين باتت حوالاتهم لا تكفيهم مع تراجع سعر صرف الدولار أمام الليرة مقابل ارتفاع الأسعار الذي تشهده سوريا، سواء في قطاع الأغذية أو بحوامل الطاقة المدعومة أو حتى الفواتير الشهرية للخدمات "الحكومية".
وكلما رفعت حكومة النظام سعر البنزين والغاز والمازوت والاتصالات وغيرها من أسعار، ارتفعت معها أسعار كل السلع، فالكل يؤثر بالكل، وفقاً لخبراء اقتصاديين، وليس من المنطقي أن تتحسن الليرة بعد موجة رفع الأسعار الأخيرة التي رفعت تكاليف كل شيء.
التجّار "رابحون"
يُعتبر تحسّن سعر صرف الليرة الأخير "صوري"، كونه لم ينعكس على أرض الواقع بقوة شرائية، وأثره سلبي جداً على مدخرات السوريين بحسب الخبير الاقتصادي زاهر أبو فاضل، الذي أكد لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ حالة التحسّن غير المنطقية دفعت السوريين الذين ليس لديهم خبرة في مثل هذه الحالات، إلى صرف كل مدخراتهم من الدولار إلى ليرة سورية، وبسعر أقل من سعر موقع "الليرة اليوم" التي يعتمدونها، علماً أنها باتت تثير الشكوك حول ارتباطها بـ"الحكومة".
يؤكّد "أبو فاضل" أنّ مَن يدخر بعض الدولارات القليلة بين 300 و3000 دولار، اتجه إلى صرفها عند أقرب تاجر، والتجار حالياً "يعيشون أسعد أيام حياتهم"، حيث باتوا يشترون هذه الدولارات بأسعار قليلة بين 13500 و14000 بحجة أن السعر في تراجع وقد يهوي سعر الدولار أكثر.
تحذير بعدم صرف المدخرات وشكوك حول موقع شهير
يحذّر "أبو فاضل" من الانجرار وراء الأسعار الوهمية الأخيرة التي يرى أنها لن تستمر طويلاً، ومن سيكسب اللعبة حالياً هم بعض التجار إضافةً إلى حكومة النظام التي تسعى من وراء خفض السعر في السوق السوداء عبر موقع "الليرة اليوم" ورفع سعر الحوالات، إلى جذب أكبر قدر ممكن من القطع الأجنبي خلال فترة الحوالات التي تسبق رمضان وعيد الفطر، إضافةً إلى دفع المغتربين لإرسال دولارات أكثر كون الحوالات لم تعد تكفي عائلاتهم.
ويشير "أبو فاضل" إلى وجود ارتباط بين موقع "الليرة اليوم" وحكومة النظام التي تجاريها بكل خططها، وأنّ هذا بات واضحاً -وفق رأيه- منذ سنتين تقريباً عندما فُضحت منصة "سيرياستوكس" بأنها أصبحت بيد مصرف سورية المركزي ولم يعد يتابعها أحد وأسعارها غير معتمدة نهائياً.
ويستغرب "أبو فاضل" بأن منصة مثل "أسعار الدولار لحظة بلحظة" والتي تعتبر أقدم وأضخم من موقع "الليرة اليوم" وفيها أكثر من مليون متابع، لا تُعتمد في السوق كما وكأن حكومة النظام تريد الترويج للمنصة التي تريد، علماً أن السعر فيها منطقي وسجّل الدولار فيها -رغم تحسن الليرة الأخير يوم الأحد- 14450 ليرة، بينما تعمل "الليرة اليوم" على خفض السعر بشكل منحدر ولحظي وغير منطقي اقتصادياً.
"لن يستمر طويلاً"
يؤكّد "أبو فاضل" أن سبب تحسّن قيمة الليرة هو كثرة الحوالات مؤخراً مع اقتراب شهر رمضان وهو شيء طبيعي، لكن حكومة النظام تلعب لعبة المضاربة حالياً على حساب السوريين لكسب أكبر قدر من القطع الأجنبي، مشيراً إلى أن "السعر سيرجع مجدّداً إلى ما كان عليه سابقاً ليتناسب والقدرة الشرائية لليرة (نوعاً ما) بعد زوال الأسباب، لأنّ التحسّن السريع كما الهبوط السريع لا يدومان، وهما عبارة عن تذبذب ناتج عن المضاربة".
وأضاف أن "الحكومة غير قادرة على ضخ القطع الأجنبي في الأسواق لتحافظ على سعر منخفض للدولار، فالحفاظ على سعر ليرة قوي، بحاجة ضخ كميات كبيرة ومستمرة من القطع في السوق، وهذا غير متوفر، ولو توفر فهو غير مستدام، وبالتالي الحالة التي نشهدها قد تستمر من أسابيع إلى شهر ونصف وليس أكثر".
وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق، عمرو سالم، وصف في منشور على صفحته في "فيس بوك" التحسّن بقيمة الليرة الأخير بأنه "بسيط"، وأضاف أنّ "الارتفاع البسيط بقيمة الليرة السوريّة مؤخّراً سببه زيادة التحويلات من المقيمين خارج سوريا إلى أهلهم، وكذلك مال الزكاة، ولا علاقة له بسياسات المصرف المركزي".
استناداً إلى حديث "أبو فاضل" و"سالم"، فإنّ سعر الليرة تحسّن قليلاً فقط وقد يكون سعر منصة "أسعار الدولار لحظة بلحظة" هو الحقيقي، والمصرف المركزي لم يتدخل سوى بالضغط على موقع "الليرة اليوم" لخفض السعر بشكل يُرعب السوريين لصرف مدخراتهم وتحويل المزيد من الدولارات واليوروهات، وتوجيه حوالاتهم إلى القنوات "الحكومية"، حيث حدّد "المركزي" سعر دولار الحوالات بـ13400، وقالت مصادر مالية إنّ "مصرف سوريا المركزي يسعى إلى مقاربة السعر الرسمي للحوالات مع السوق السوداء".