أجبرت احتجاجات الكهرباء التي شهدتها عدة مناطق في ريف حلب مختلف مؤسسات المعارضة السورية الأمنية والعسكرية على الاستنفار للاستماع إلى مطالب المحتجين والعمل على تلبيتها، وأحرجت المظاهرات الغاضبة في مارع وعفرين وجنديرس وصوران والباب مجالس الإدارة المحلية ودفعتها للتواصل مع الفعاليات الشعبية لتهدئة الأوضاع مقابل وعود قدمتها للمحتجين بخصوص حل مشكلة الكهرباء بشكل جذري.
حراك المؤسسات والهيئات المحلية المعارضة ونزول قادة الفصائل إلى الشارع للقاء المحتجين، والبيانات التي صدرت بالجملة وبهذا الزخم تؤشر بالضرورة إلى تخوف المعارضة بشقيها المدني والعسكري من توسع الاحتجاجات وتصاعد الفوضى الأمنية، وبالتالي قررت أن تستفيق من ثباتها وتستمع لمطالب الناس التي كانت تتجاهلها منذ بداية العام 2022، ويرى فريق في الأوساط الشعبية المعارضة أن حراك هيئات المعارضة وهي (شبه ميتة) وصحوتها المفاجئة ما كان ليأخذ هذا الشكل من الحماسة والاندفاع لولا الضغط التركي، فالأخيرة لا تريد توتراً في الشارع يؤثر على العملية العسكرية التي يجري التحضير لها.
المحتجون بانتظار تحقيق مطالبهم
قطعت الشركة السورية التركية للطاقة الكهربائية (STE ENERJI) التيار الكهربائي بشكل كامل عن مدن عفرين وإخترين وصوران ومارع وعن الأرياف التابعة لها شمال حلب في أثناء الاحتجاجات الغاضبة التي خرجت ضدها مساء الجمعة 3 حزيران/يونيو، والتي تخللها حرق عدة مكاتب ومقار للشركة وتضرر جزء من معداتها، وما يزال التيار مقطوعاً، وتزعم الشركة أنها تجري عمليات إصلاح واسعة في الشبكة وستعمل على وصل التيار مجدداً في أقرب وقت ممكن.
سحبت الشركة بيانها الذي وصفت به المحتجين بالمخربين و"الإرهابيين"، وبدا خطابها ودياً اتجاه المستفيدين من الخدمة وذلك في البيانات المتتالية التي نشرتها على صفحتها في فيس بوك لتؤكد أن ورشاتها الفنية تعمل على إصلاح الأعطال لإعادة التغذية مجدداً، التعامل المستجد للشركة جاء بعدما تعرضت للضغط، وبعد اجتماع موسع عقده مسؤولو المجلس المحلي في عفرين مع الوالي التركي في هاتاي التركية، بحضور عدد من أعضاء اللجنة المشتركة لرد الحقوق في عفرين.
وصدر عن لجنة رد الحقوق في 4 حزيران/يونيو بيان جاء فيه "تم الاجتماع مع الوالي التركي لمنطقة غصن الزيتون في هاتاي التركية، وبحضور إدارة المجلس المحلي في عفرين، وتم في الاجتماع الاتفاق على، إعادة التيار الكهربائي فور انتهار أعمال الصيانة، ودراسة الكلفة المالية لاستجرار الكهرباء في عفرين للعمل على خفض الأسعار، والتأكيد على أن اللجنة ستعقد اجتماعا في مقرها بعفرين يجمع ممثلين عن الحراك الثوري بمدير شركة الكهرباء وذلك يوم الإثنين 6 حزيران".
قال العضو في لجنة رد الحقوق في عفرين الشيخ وسام القسوم لموقع "تلفزيون سوريا" إنه "لم يتم تحديد تاريخ محدد لعودة التغذية الكهربائية إلى عفرين وباقي المناطق، لكن هناك جهود جدية للانتهاء من عمليات إصلاح الشبكة وإعادة التيار الكهربائي".
قالت مصادر محلية متطابقة في عفرين لموقع "تلفزيون سوريا" إن "شركة الكهرباء تغير أسلوبها كلياً بعد موجة الاحتجاجات ضدها، بعدما كانت تتجاهل مطالب الناس وتتعامل معهم بفوقية واستعلاء، وتقابل مطالبهم في كل مرة بمزيد من الإجراءات التعسفية التي تمثلت في الرفع المستمر للأسعار، وفي برنامج التقنين اليومي الذي وصل إلى حد لم يعد الناس يطيقونه".
أضافت المصادر أن "الأهالي يأسوا خلال الأشهر القليلة الماضية وهم يتوجهون بمطالباتهم للجهات المسؤولة، كالمجلس المحلي وغيرها من المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تجاهلت مطالبهم ومعاناتهم، لذا ما كان منهم إلا أن لجؤوا بداية شهر حزيران إلى لجنة رد الحقوق، وتم تنظيم أكثر من 1300 شكوى من قبل الأهالي ضد الشركة، وتم استدعاء مسؤولي الشركة بعد تسلم الشكاوى ولكنها لم تبدِ استجابة للمطالب، ولم تكن لينة ومتجاوبة مع اللجنة، والشركة هي السبب الرئيسي للتصعيد الذي حصل من قبل المحتجين في الشارع، ففي اليوم نفسه الذي لم تتجاوب فيه الشركة مع شكاوى الأهالي المقدمة للجنة رد الحقوق فرضت الشركة برنامج تقنين قاسياً وصلت نسبة قطع التيار فيه إلى أكثر 18 ساعة في اليوم، وبدا أنه إجراء عقابي ضد المشتكين، ولم تكن الشركة تتوقع أن ينفجر الشارع ضدها".
صدى الاحتجاجات
قال الباحث في الشأن السوري محمد أبو النصر لموقع "تلفزيون سوريا" إن "معظم النخب خرجت لتقول لا أحد يقبل بتخريب الممتلكات العامة أو الخاصة، وبالتأكيد نحن أيضا لا نقبل، وكثير من أولئك النخب سيربطون الأمر بمشكلة الكهرباء فقط، وقد يعتبر بعضهم أن المتظاهرين همجيون وغير حضاريين وربما ينعتهم بالعملاء وذوي الأغراض المشبوهة، ولكن قليلون من سيقولون بأن هذا الشعب الحضاري رغم يأسه من المتنفذين قدم أكثر من ١٢٠٠ شكوى للجنة رد الحقوق ولم يستجب له أحد". أضاف أبو النصر "أن مشهد إطلاق النار أعاد الناس إلى سنة ٢٠١١ والجاهل من ظن بأن هذا الشعب سيرجع إلى الوراء بعد كل هذه التضحيات".
الناشط معتز ناصر يرى أن "الأسباب المباشرة للاحتجاجات هو تعاطي شركات الكهرباء الاحتكارية غير المسؤول مع وضع الشعب، وتقاعس المجالس المحلية غير الشرعية عن قيامها بواجبها، فشركات الكهرباء تقدم أسوأ خدمة للمواطن، وبسعر لا يتناسب مع دخل المواطن، كما فرضت الشركات ساعات تقنين وصلت في بعض المناطق لـ 19 ساعة في جو حار جدا، وفي وقت امتحانات، علما أن معاناة المواطنين مع ملف الكهرباء بدأت قبل ثلاث سنوات عبر توقيع المجالس المحلية غير الشرعية لعقود سرية مع شركات غير معروفة، دون الإعلان عن أي مناقصة".
أضاف ناصر خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، "استولت الشركات على تركة شركة الكهرباء الحكومية من مقار وأعمدة ومحولات وكابلات، ثم جمعت قبل التشغيل اشتراكات من المواطنين تقارب المئة دولار، وفرضت عليهم شراء عدادات بأكثر من أربعة أضعاف سعرها الحقيقي وبالتواطؤ مع المجالس جمعت رأسمالها قبل حتى البدء بالمشروع، ومنعت عبر المجالس المحلية دخول أي شركات منافسة".
يضيف ناصر "شركة الكهرباء تحقق صحة الحكمة المأثورة (من أمن العقوبة أساء الأدب) ولا يمكن تفسير محاكاتها لمفردات وعقلية نظام أسد إلا بأنها أحد أدوات القهر والإذلال التي يراد منها إعادة تدجين السوريين، وما وصلت إليه الأمور هو نتيجة طبيعية محزنة، طبيعية لأن الشركة بالتعاون مع الإدارة الفاسدة للمنطقة حاربت الناس بلقمة عيشها، ومحزنة لأنهم استطاعوا نزع بعض الفئات من الشعب السوري عن أخلاقها وعقليتها الحضارية، عبر الضغط المتواصل عليها".
ويعتقد ناصر أنه "من الممكن حل مشكلة الكهرباء، وذلك يكون بإنشاء مؤسسات ثورية شرعية قائمة على الانتخاب، ذات مرجعية وطنية واضحة، بعيدة عن تأثير الجهات الخارجية، وسطوة مترجمي الولايات والاستخبارات، وهذه المؤسسات هي من سيعمل وفق القانون لتنمية المنطقة، عبر فتح الباب للاستثمار الوطني التنافسي الشريف عبر آليات شفافة بعيدا عن الاحتكار والضبابية".
كهرباء أبو محمد الجولاني في الصدارة
ويبدو أن الحديث عن وجود "مندسين" وعناصر تخريبية تسللت بين المتظاهرين لتصعد وتحرق ما يزال يفتقد للدلائل الواقعية برغم ميل طيف واسع من الناشطين المقربين من الفصائل وأنصار المؤسسات المعارضة والعاملين فيها لهذه الفرضية التي تزيح عنهم جانباً من المسؤولية، لكن ما هو مؤكد بالفعل هو استغلال هيئة تحرير الشام لاحتجاجات الكهرباء في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة لتجري مقارنة جديدة، ولتستعرض مميزات نموذجها الخدمي ومقارنته بالنموذج الإداري والخدمي في مناطق الفصائل، ولتلمح مجدداً إلى أنها الأجدر بإدارة المنطقة المحررة شمال غربي سوريا عامة، ولم تكن المقارنة من ناحية أسعار الكهرباء وجودة الخدمة مع مناطق الفصائل فقط بل راحت تقارن كهربائها بكهرباء نظام الأسد، وبالتالي فإن تحرير الشام قد نجحت في بناء نموذج دولة ينافس النظام، هذا على الأقل ما يقوله الإعلام الرديف التابع لتحرير الشام.
الإعلام الرديف في تحرير الشام حمل أيضا مسؤولية أعمال الحرق التي طالت مقار شركة الكهرباء في عدة مناطق ومبنى المجلس المحلي في عفرين لجيش الإسلام باعتباره فصيلاً تخريبياً وفق منظور الهيئة، واتهامات الأخيرة للجيش تندرج في إطار الصراع المتصاعد بين الفيلق الثالث وتحرير الشام الذي زاد توتراً بفعل أزمة انشقاق الفرقة 32 (القاطع الشرقي في أحرار الشام) عن الفيلق وانضمامه إلى صفوف الحركة الأم (أحرار الشام) وما تلاها من محاولات لتحرير الشام لدخول منطقة الفصائل بحجة منع الاقتتال الفصائلي.