في الرابع من آب، اجتمع كبار القادة العسكريين من اليمين الأميركي في دالاس وتيكساس، بمناسبة انطلاق المؤتمر السنوي للعمل السياسي المحافظ، الذي أقيم للمرة الأولى في عام 1974، والذي سيكون دونالد ترامب المتحدث الرئيسي فيه. إذ في يوم الثلاثاء، استضاف ترامب فيكتور أوربان، رئيس وزراء هنغاريا، في ملعب الغولف الذي يمتلكه بنيوجرسي، إلا أنه من غير المقرر لأوربان أن يلتقي بالرئيس جو بايدن خلال زيارته لأميركا، لأنه توجه مباشرة إلى دالاس بعد ذلك. وفي أيار الماضي، اجتمع أعضاء هذا المؤتمر بالعاصمة الهنغارية بودابست، حيث تم الاحتفاء بشخصيات أميركية بارزة ومعروفة بمحافظتها من قبل الحكومة الهنغارية، ولكن ما الذي يراه اليمين المتطرف في هنغاريا؟
يعتبر أوربان نموذجاً لما بوسع شعبوية اليمين المتطرف أن تحققه، فهو يشغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2010، والذي شغله قبل ذلك خلال الفترة الواقعة ما بين 1998 و2002. وخلال ولايته الثانية أصبح يدافع عن القيم المحافظة، فحول هنغاريا إلى "ديمقراطية لا ليبرالية" تماماً كما وعد ناخبيه في عام 2014. حيث ألغى الدراسات الجندرية من المناهج الدراسية في الجامعة، وبنى جداراً حدودياً لمنع اللاجئين القادمين من سوريا التي دمرتها الحرب وغيرهم من المناطق من العبور، وأدخل القيم المسيحية على دستور البلاد. وتلاعب بقوانين الانتخاب بشكل كبير بما يخدم مصلحته، وملأ المحاكم والمنابر الإعلامية بحلفائه، وسيطر على مؤسسات الدولة، وهذا ما عزز سلطته وقضى على أي معارضة لها دور في الشأن العام. كما جير أجزاءاً واسعة من اقتصاد البلاد لجيوب المقربين منه وأصدقائه وأسرته، الذين أثروا بسبب ذلك، ولهذا فإن معظم ما قام به يروق لليمين الأميركي.
تمكن أوربان من القيام بكل ذلك بسبب فوز حزبه بالانتخابات العامة في عام 2010، وذلك عندما حقق التحالف الذي ينتمي إليه أغلبية ساحقة في البرلمان. إذ صار يتقرب من الناخبين عبر سردية الحرب الثقافية مستغلاً مخاوفهم، ولهذا رسم معظم ملامح الهوية المسيحية لهنغاريا (إذ إن نحو ثلاثة أرباع الشعب الهنغاري يعتبرون أنفسهم مسيحيين، بالرغم من أن 15% منهم فقط يذهبون إلى الكنيسة بشكل أسبوعي)، كما أخذ يصور بلده وكأنها ضحية منذ الأزل، وذلك عبر تركيزه على ما خسرته من أراض بعد الحرب العالمية الأولى، والعقود التي عاشتها وهي تعاني تحت نير الاتحاد السوفييتي. ثم أصبح اليوم ينظر إلى الاتحاد الأوروبي (الذي يعتبر هنغاريا دولة عضواً فيه) على أنه تهديد وخطر وجودي، إلا أن الأشباح الذي استحضرها لم تكن إلا محض وهم وخيال، بعد ذلك أخذ يهاجم "الغزاة المسلمين" وفي 23 من تموز الماضي أعلن أمام الحشود ما يلي: "لا نريد أن نصبح شعوباً ذات عرق مختلط"، بالرغم من أن شعب هنغاريا 84% منه على أقل تقدير ينتمي للعرق الأبيض. وفي عام 2021، حظر: "الدعاية للمثلية والتحول الجنسي" في المدارس والإعلام، مما زاد الطين بلة في إحدى دول الاتحاد الأوروبي التي تعتبر من أشد الدول الكارهة للمثلية الجنسية. بيد أن تلك الأساليب التي اتبعها ماتزال تؤتي أكلها، وذلك لأن حزبه فاز بنسبة 53% في الانتخابات الشعبية لهذا العام.
تقدم هنغاريا للمحافظين الأميركيين نموذجاً لدولة مسيحية إثنو-قومية ذات ضوابط وتوازنات محدودة، حيث يفوز حزب واحد فيها دوماً بالانتخابات، ولكنها تظهر كمن يلتزم بطقوس الحكم الديمقراطي. كما يعكس ذلك مدى نجاح تجارة الخوف الشعبوية بين صفوف الناخبين. إذ خلال انتخابات هذا العام، فاز حزب أوربان على التحالف اليساري المشوش الذي يشتمل على اشتراكيين وليبراليين وقوميين. ولهذا يأمل الحزب الجمهوري أن يحقق النتيجة ذاتها في الانتخابات النصفية التي ستجري في شهر تشرين الثاني وذلك عبر تسخير القضايا التي تمس الحرب الثقافية لشق صف الديمقراطيين. كما أن هذا الحزب سبق أن أثار مخاوف الناس حول تدريس نظرية العرق النقدية وحقوق المثليين والمتحولين في المدارس، فحقق بذلك تقدماً على حساب الناخبين من الأقليات، وعلى رأسهم الناطقون بالإسبانية ممن يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية. ولذلك فإن خطاب أوربان في مؤتمر العمل السياسي المحافظ تحت عنوان: "كيف نقاتل" يعتبر مصدر إلهام كبير بالنسبة لهؤلاء بكل تأكيد.
المصدر: إيكونوميست