icon
التغطية الحية

إيكونوميست: حرب إقليمية أوسع باتت تلوح مع الغارات الإسرائيلية على بيروت وطهران

2024.08.01 | 15:35 دمشق

من جنازة هنية في طهران - المصدر: الإنترنت
من جنازة هنية في طهران - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

سبع ساعات و1500 كيلومتر فصلت بين الغارتين الجويتين الإسرائيليتين اللتين استهدفتا عاصمتين في الشرق الأوسط، وجاءت الغارتان ضمن العملية الإسرائيلية التي يمكن أن تتسبب في تصعيد كبير للحرب الإقليمية التي يستعر أوارها منذ عشرة أشهر تقريباً.

أتت الغارة الأولى عند الساعة السابعة والنصف تقريباً بالتوقيت المحلي في الثلاثين من شهر تموز، واستهدفت شقة في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث كان فؤاد شكر وهو مستشار عسكري لزعيم حزب الله في زيارة إلى هناك، في حين قُتل ما لا يقل عن أربعة مدنيين في تلك الغارة التي تسببت بجرح العشرات. وبعد ساعات على الضربة الأولى، ضرب صاروخ هذه المرة منزلاً لم يُحدد موقعه في طهران فقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.

اختيار تكتيكي ورمزي

أتى اختيار إسرائيل للأهداف تكتيكياً ورمزياً، فقد كان شكر شخصية محورية في العمليات العسكرية لحزب الله منذ تأسيسه في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ويُعتقد بأنه شارك في هجمات استهدفت ثكنات عسكرية أميركية وفرنسية في بيروت عام 1983، كما يعتقد جهاز الاستخبارات الإسرائيلي بأنه كان صلة الوصل في الشحنات التي تحمل نظم توجيه إيرانية مخصصة للصواريخ طويلة المدى التي يملكها حزب الله.

أما هنية، فبوصفه رئيس المكتب السياسي لحماس، فقد كانت تورطه في الشؤون العسكرية أقل، إذ يُعتقد بأنه أُبلغ بهجوم السابع من تشرين الأول قبل دقائق من وقوعه، ومنذ عام 2017، أخذ هذا الرجل يتصدر الوجه الذي تصدره حماس لعامة الناس، وصار يقيم في قطر، ويجري جولاتاً في عموم المنطقة، كما رأس الجهود الساعية لإصلاح علاقات حماس مع إيران عقب الشقاق الذين حصل بينهما خلال الحرب السورية، وذلك عندما وقفت حماس ضد بشار الأسد (الذي دعمته كل من إيران وحزب الله)، ويعتبر هنية متحدثاً مهماً في مفاوضات وقف إطلاق النار مع إسرائيل.

ما تزال تفاصيل العملية غير جلية، لأن كلتا عمليتي الاغتيال يبدو بأنهما نفذتا بصواريخ طويلة المدى أُطلقت من طائرات حربية إسرائيلية، فيما لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها إلا عن ضربة بيروت، حيث ادعت بأنها أتت رداً على الغارة الصاروخية التي استهدفت مجدل شمس بمرتفعات الجولان قبل ثلاثة أيام، وتسببت بمقتل 12 طفلاً. ومن المؤكد إلى حد كبير بأن حزب الله هو من أطلق الصاروخ ضمن وابل كبير من الصواريخ (على الرغم من إنكار الحزب لذلك).

لا مصلحة لأحد في حرب أوسع

منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، أي عندما بدأ حزب الله بمهاجمة إسرائيل دعماً لحماس، أخذ كلا الطرفين يستهدف مواقع عسكرية وقرى حدودية غير مأهولة بالسكان بصورة أساسية. بيد أن مجزرة مجدل شمس، ومحاولة اغتيال شكر، كسرتا القواعد غير المعلنة لهذا الاتفاق، وصار توسع التصعيد يقلق كلاً من اللبنانيين والإسرائيليين على حد سواء.

ولكن لا مصلحة لحزب الله ولا لإسرائيل في توسع الحرب، على الرغم من استعداد كل منهما لذلك، إذ ثمة أخبار تفيد بأن حزب الله نصب صواريخ بعيدة المدى على راجمات للصواريخ، وبأن المسؤولين في المجال الأمني الإسرائيلي أوضحوا بأن قواتهم باتت مستعدة وجاهزة لحملة أوسع، بخلاف ما كانت عليه الأمور في السابع من تشرين الأول الماضي.

إذن يقع على عاتق حزب الله الآن مسؤولية تقرير حجم الرد، إذ لعل ذلك قد يكون مؤشراً على تصرف حزب الله بحذر كبير، لأن أي هجوم موسع على إسرائيل قد يجر أميركا إلى النزاع، بما أنها نشرت قوات كثيرة في المنطقة. ولقد أعلن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في 31 من تموز بأن أميركا ستدافع عن إسرائيل حال تعرضها لهجوم، كما أمضى الأيام القليلة الماضية وهو ينصح إسرائيل بعدم شن هجوم على بيروت، مخافة أن يؤدي ذلك لتوسع النزاع.

لا بد لرد حزب الله أن يتأثر بإيران، بما أنها أهم راع له، وحتى الآن، لم تبد إيران أي لهفة لدخول أهم وأقوى ذراع لها في المنطقة في حرب أوسع، لأن ذلك يهدد بتبديد ما استثمرته طوال عقود في حزب الله، بيد أن اختيار إسرائيل لاغتيال هنية على التراب الإيراني قد يغير الحسابات، لكن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن الاغتيال، حتى تعطي للمسؤولين الإيرانيين المجال للمناورة، إذ في البداية تجنب المسؤولون في إيران إنحاء اللائمة على إسرائيل، ولكن بعد مرور ساعات على العملية، بدد المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، هذا الغموض حينما قال بإن إسرائيل "اغتالت ضيفنا العزيز على أراضينا".

لم تبد إيران أي لهفة لدخول أهم وأقوى ذراع لها في المنطقة في حرب أوسع، لأن ذلك يهدد بتبديد ما استثمرته طوال عقود في حزب الله

يذكر أن إيران ضربت إسرائيل بشكل مباشر من قبل، وذلك عندما أطلقت أكثر من 300 صاروخ ومسيرة على إسرائيل في شهر نيسان الماضي، وذلك رداً على غارة إسرائيلية قتلت عدداً من الضباط من ذوي الرتب الرفيعة في مجمع السفارة الإيرانية بدمشق، فردت إسرائيل على ذلك بغارة دقيقة استهدفت راداراً إيرانياً مضاداً للطائرات، وانتهت تلك الجولة بذلك.

لحظة سياسية حساسة

ولكن في هذه الجولة، يتعين على إيران أن تقرر ما إذا كان بوسعها أن تخاطر بتوسيع النزاع، أي إن إيران باتت اليوم تخوض لحظة سياسية حساسة، فقد قتل هنية بُعيد ساعات من حضوره لمراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، والذي انتخب إثر مقتل سلفه في حادثة تحطم مروحية في شهر أيار الماضي، ولعل هذا الرجل لم يتخيل لنفسه أن يعيش كل ذلك في اليوم الأول من توليه لمنصبه.

ولكن حتى مع اقتراب إسرائيل وحزب الله وإيران قليلاً من حرب أوسع، سعت كل من إسرائيل وحماس للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وقد استمرت المحادثات لأشهر، ولكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، أبدى المفاوضون تفاؤلاً حذراً تجاه قبول الطرفين لعمل إطاري كانت إسرائيل أول من اقترحه، ويقضي بالانسحاب على مراحل من غزة، وإطلاق سراح 115 رهينة ما يزالون محتجزين هناك.

الأمر بيد رجلين اثنين لا ثالث لهما

ثمة رجلان بوسعهما تقرير ما إذا كانت تلك المحادثات قد نجحت أم لا، أحدهما يحيى السنوار، قائد حماس في غزة، لكنه يعيش حالة عزلة متزايدة، فقد قتلت إسرائيل عدداً من كبار قيادات حماس في غزة، وخلال الأسابيع الماضية، تمكنت من تحرير ثلاثة من أسراها، وعثرت على جثث خمسة قتلى منهم. في حين يعيش أهالي غزة معاناة كبيرة، فقد قتل منهم نحو أربعين ألفاً، كما دمر القصف الإسرائيلي أغلب المباني والبنى التحتية في غزة.

كل تلك الأمور زادت من الضغط الهائل الذي يتعرض له السنوار حتى يوقع على الاتفاق، وذلك لأن الشعب الفلسطيني بات يتحرق لوقف إطلاق النار، أما نقطة القوة التي يتمتع بها السنوار أمام  إسرائيل فقد تراجعت مع تراجع عدد الرهائن الأحياء، ولذلك لابد أن يؤجل اغتيال هنية محادثات وقف إطلاق النار، إلا أنه لن يغير الوضع الحالي في غزة.

أما الرجل الثاني فهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي أبدى مشاعر متناقضة تجاه الاتفاق، إذ سمح بقيام مفاوضات مع حماس، من خلال وسطاء مصريين وقطريين، إلا أنه أضاف شروطاً جديدة أكثر من مرة إلى المقترح الإسرائيلي المبدئي، وشملت تلك الشروط استمرار الوجود الإسرائيلي على الحدود بين غزة ومصر، بيد أن قادة الجيش الإسرائيلي الذين أنهكتهم الحرب يرغبون بالتوصل إلى اتفاق، ويعود أحد أسباب ذلك إلى رغبتهم بالتركيز على التهديد الأكبر الذي يمثله حزب الله، فيما يتهم المسؤولون الذين خاضوا المحادثات نتنياهو بإعطاء الأولوية لاعتبارات سياسية، لأن الوزراء من اليمين المتطرف داخل حكومته يعارضون أي وقف لإطلاق النار في الوقت الذي ما تزال فيه حماس صامدة.

قد تدعم عمليتا الاغتيال اللتان نُفذتا في بيروت وطهران نتنياهو علىى الصعيد السياسي، بما أنه أضحى بحاجة لهذا الدعم حتى يوقع على الاتفاق، إن كان يريد لذلك أن يتم أصلاً، إذ قد يزعم هذا الرجل بأنه رد على هجوم السابع من تشرين الأول وبأنه انتقم من أعداء إسرائيل، وذلك هو "النصر الكامل" الذي وعد الإسرائيليين به على الرغم من صعوبة تحقيقه. ولكن قبل أن يتسنى له أن يقرر، يجب عليه أن ينتظر رد حزب الله وإيران على عمليتي الاغتيال، وذلك حتى يعرف إن كان أمر توسيع نطاق الحرب بيده أم لا.

 

المصدر: The Economist