icon
التغطية الحية

إيكونوميست: انهيار سوق الأوراق المالية لما ينته بعد

2024.08.07 | 19:24 دمشق

متداولون في سوق وول ستريت بالولايات المتحدة
متداولون في سوق وول ستريت بالولايات المتحدة
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بدت الأمور مريعة لوهلة يوم الخامس من آب، إذ خلال جلسة تداول آسيوية، هبط مؤشر سهم توبيكس الياباني بنسبة 12% ليسجل أسوأ يوم في تاريخه منذ عام 1987، كما انخفضت أسعار الأسهم في كوريا الشمالية بنسبة 9%، وفي تايوان بنحو 8%، إلى جانب الهبوط الذي شهدته الأسواق الأوروبية.

وقبل بداية التداول في أميركا، كان مؤشر فيكس الذي يقيس مدى ضراوة تأرجح أسعار الأسهم بحسب توقعات المتداولين، قد وصل إلى المستوى الذي بلغه عند بداية تفشي جائحة كوفيد-19 وبعد انهيار مصرف ليمان براذرز في عام 2008. أما نذير الشؤم فهو هبوط الذهب الذي يعتبر أسلوب التحوط أمام أي حالة فوضى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على احتمال بيع المستثمرين لأصول كان عليهم الاحتفاظ بها حتى يبقوا في السوق. ولكن يبدو بأن الهبوط الذي أصاب الأسواق العالمية خلال الأسبوع الماضي سيتوسع ليتحول إلى أزمة شاملة.

القادم أسوأ؟

والجانب الرحيم هنا هو أن الذعر بدأ يتراجع بمجرد أن افتتحت بورصة وول ستريت أعمالها، إذ عاد مؤشر سهم فيكس لأعلى مستوى وصل إليه خلال الانهيار الذي حصل في عام 2022، وبنهاية اليوم هبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لدى كبرى الشركات الأميركية هبوطاً مؤلماً لكنه لم يكن كارثياً، كونه لم يتعد 3%. وفي السادس من آب، استقرت الأسواق الأوروبية إلى حد ما، بينما شهدت الأسواق الآسيوية انتعاشاً كبيراً، وخاصة في اليابان، حيث ارتفع مؤشر سهم توبيكس بنسبة 9%. إذ بعد مرور نصف ساعة على جرس الافتتاح في نيويورك، ارتفع مؤشر سهم ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1%، ما سمح للمتداولين بأخذ استراحة قصيرة والنوم لساعات قليلة. ولكن سؤالاً مهماً بات يلوح أمام أعين الجميع حتى بعد تنفس المتداولين الصعداء، وهو: هل استسلمت الأسواق لنوبة قصيرة من جنون الصيف؟ أم أن الأسوأ قادم؟

يتمثل أحد مفاتيح الإجابة عن هذا السؤال في أن ما بدأ كتصفية لبعض عمليات التداول الرائجة أخذ ينتشر اليوم، وذلك لأن المراحل الأولى للهبوط الذي بدأ في منتصف شهر تموز، كان سببها أسواق الأسهم اليابانية وكبرى شركات التقانة الأميركية والشركات العالمية التي تعمل ضمن سلسلة توريد صناعة الشرائح. وقد حدث ذلك بسبب الدعم السريع الذي طال الين في الحالة الولى وتلاشي نشوة الفرح بالذكاء الصناعي في الحالة الثانية. ففي الثاني من آب، سجلت الوظائف الأميركية الضعيفة وبشكل غير متوقع تسارعاً في الانخفاض الحاد وذلك عندما أوحت بأن أكبر اقتصاد في العالم بات أقرب لمرحلة الركود مما يمكن لأحد أن يتخيل.

ومع ذلك، بقي هنالك مجال لبعض الرابحين، إذ حتى مع هبوط أهم مؤشرات الأسهم الأميركية، شهدت أسهم شركات مثل جونسون آند جونسون، وبروكتر آند غامبل، ويونايتدهيلث قفزة في اليوم الذي نشر فيه تقرير الوظائف. ومثل هذه الشركات تندرج ضمن قطاعات تتمتع بوضع جيد يسمح لها بالبقاء في ظل حالة الركود (كونها تنتمي على التوالي لقطاعات الصناعات الدوائية، والسلع الاستهلاكية، والرعاية الصحية)، كما أنها تدفع أرباح أسهم صحية، وهذا ما يزيد من قيمتها في الوقت الذي يرجح كثيرون للاحتياطي الفيدرالي أن يخفض أسعار الفائدة. ولكن في الخامس من آب الجاري لم تستفد تلك الشركات من ذلك، إذ تخلى المستثمرون عن هذه الشركات إلى جانب تخليهم عملياً عن كل الأسهم الأخرى في مؤشر ستاندرد آند بورز 500.

 

وعملية البيع هذه بطريقة عشوائية قد تستمر لفترة طويلة، إذ يخبرنا كريستيان روت، مدير قسم استراتيجيات التداول لدى مصرف سيتيغروب بأن توسع عمليات البيع توحي بتنبيه وصل للمستثمرين المحترفين "من الأعلى"، أي أن هناك من أمرهم بالحد من المخاطر التي يتعرضون لها بصرف النظر عما يجب عليهم التخلص منه لتحقيق ذلك. ولكن بالنسبة للاستثمارات الكبيرة، فإن الأمر سيستغرق أكثر من مجرد بضعة أيام من بيع الأسهم. وفي هذه الأثناء، ستتردد جهات أخرى في شراء حتى الأصول التي تعتقد بأنها وصلت لقيمة تقل بكثير عن قيمتها الحقيقية، وذلك خوفاً من ظهور شركة عملاقة من مكان ما بوسعها أن تضخ كثيراً من الأموال في السوق، أي بمعنى أصح، يمكن القول إن حالات الهبوط المؤلمة لما تنته بعد.

دور "صفقات التحمل" في الهبوط

هذا وقد يضطر المستثمرون للخروج من الرهانات التي يتزاحم عليها كثيرون بشكل خاص، وذلك لأسباب أخرى، إذ عندما نراقب مثلاً عملية الدعم السريعة والمدهشة التي شهدها الين الياباني خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي يرجح سببها إلى كشف "صفقات التحمل"، والتي تقوم على اقتراض الين بسعر زهيد والاستعانة بعوائده لشراء أصول أخرى، وهذه الأصول قد تكون عملات تقدم ربحاً أعلى، مثل الدولار الأميركي أو البيزو المكسيكي أو حتى الأسهم. ولكن في حال دعم الين بصورة مفاجئة أمام بقية الأصول، فإن هذه الصفقة ستهبط بسرعة إلى درجة الخطر وعندئذ يصبح من الأفضل إنهاؤها، وتشتمل عملية الإنهاء على بيع للأصول الأخرى وشراء للين من أجل تسديد الدين، وهذا من شأنه أن يزيد من شراء الين بشكل كبير، ويجبر الآخرين على فعل الشيء ذاته، الأمر الذي يخلق حلقة مفرغة، وفي حال ترتب خسارة كبيرة على ذلك، عندئذ قد يتعين على المستثمر أيضاً الخروج من عمليات أخرى أيضاً حتى يحقق متطلبات هذه العملية.

وعليه، فإن بعض التقلبات العنيفة الأخيرة التي شهدها الين، وأسواق الأسهم اليابانية والأميركية وكذلك البيزو المكسيكي، قد يكون مردها لصفقات التحمل التي اعتمدت على الين. ثم إن أي صفقة رائجة مولها بعض المستثمرين من خلال الاقتراض يمكن أن تقع ضحية لحلقة الهلاك نفسها. وتعتبر الرهانات على الشركات المرتبطة بنشوة الذكاء الصناعي من أهم العناصر المرشحة لخوض ذلك، فالصعود المفاجئ الذي شهده مؤشر فيكس في الخامس من آب، والذي كان سببه تهافت حشود من المستثمرين على شراء سندات الضمان على الأسهم نفسها في الوقت نفسه يوحي بمدى ازدحام تلك المواقع حتى بعد التصفية الأخيرة، كما يظهر ذلك إلى أي مدى بوسع هذا الازدحام أن يحرك الأسواق، وعليه، فإن هنالك احتمالات كثيرة لأن تتسبب المبيعات التي ستتم مستقبلاً، سواء بصورة اضطرارية أو طوعية، في حدوث مزيد من الاضطرابات.

وقد يحدث أخطر تصعيد في حال خلف عجزاً لدى أداة استثمارية كبيرة في جمع الأموال اللازمة لتلبية طلبات الهامش أو إغلاق الأوضاع الخاسرة، وهذا ما حدث لمصرف آرتشيغوس في عام 2021، إذ دفعه ذلك لبيع أصوله بسرعة، فتكبدت بنوكه خسائر وصلت لمليارات الدولارات.

وبالنسبة للشركات الأكبر، فإن هذا الانهيار قد ينشر العدوى في السوق ويشكل خطراً على شركات أخرى، ولكن حتى الآن يرى روت بأنه: "لم تظهر إشارات مريرة كثيرة لتوحي بتعرض جهة فاعلة كبرى للخطر، ولكن إن بقي الوضع هكذا لمدة خمسة أيام، فإن الأمور قد تتغير".

 

والسبب الآخر للذعر قد يأتي من خلال الأخبار السيئة التي ترد عن الاقتصاد، أو عن جدوى طفرة الذكاء الصناعي، وهنالك كثير من بؤر التوتر المحتمل ظهورها قبل نهاية الصيف، لأن نحو ربع الشركات التي تحمل أسهم ستاندرد آند بورز ما يزال يتعين عليها رفع تقرير عن مكاسبها خلال الربع الثاني من العام، ويشمل ذلك شركة هوم ديبوت وولمارت، اللتين تعتبران مقياساً لمشاعر المستهلكين الأميركيين، وكذلك لدينا شركة نفيديا التي تعتمد عليها حظوظ المستثمرين في الذكاء الصناعي من مختلف بقاع العالم. كما ستعطي بيانات التضخم التي ستنشر في 14 من آب لمحة عما إذا كان بوسع الاحتياطي الفيدرالي تخفيض النسبة لتصل إلى 0.5% نقطة في شهر أيلول، إذ يرى كثيرون بأن عليه القيام بذلك لتجنب الركود، ونظراً للدمار الذي أتى عقب صدور أحدث تقرير للوظائف، فإن التقرير التالي الذي سيصدر في السادس من أيلول القادم، يعتبر محفزاً آخر ساطع الوضوح.

وحتى الآن ما يزال سوق الأسهم الأميركية أعلى أسعاراً بالنسبة إلى الأرباح الأساسية للشركات وذلك مقارنة بما كانت عليه الأسعار في أي وقت من تاريخه، وذلك لأن الجشع هو السبب وراء ظهور الخوف، وثمة ضربة موجعة تلقاها المتفائلون من المضاربين، ولكن إن قيض للتقيمات أن تعود إلى طبيعتها، فإن هنالك شوطاً طويلاً لا بد من قطعه قبل كل ذلك.

 

المصدر: The Economist