icon
التغطية الحية

إيكونوميست: أميركا تستعد لسباق التسلح النووي الجديد

2024.08.13 | 18:50 دمشق

سباق التسلح النووي  (صورة تعبيرية) - المصدر: الإنترنت
سباق التسلح النووي (صورة تعبيرية) - المصدر: الإنترنت
The Economist- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أصبح من يخططون في البنتاغون هذه الأيام لما سيحدث يوم القيامة يتعرضون لكابوس جديد، إذ لم يعد لديهم تخوف من عدو واحد يمتلك قوة نووية كبيرة، بل أصبح لديهم مجموعة من الأعداء في آن معاً، ولهذا يتساءل أحد المسؤولين: ماذا لو هاجمت روسيا دولة تابعة لحلف شمال الأطلسي، وجرت أميركا للحرب دفاعا عن أوروبا، ثم استغلت الصين فرصة التهاء أميركا بذلك فغزت هي الأخرى تايوان، ثم قررت كوريا الشمالية أن تهاجم كوريا الجنوبية؟ أي أن هنالك ثلاثة حروب، وثلاث مجموعات من الأصدقاء والحلفاء، وثلاث أزمات نووية غير متوقعة، إذاً، هل بوسع أميركا التعامل مع كل ذلك؟

قد يبدو الجواب: "لعل أميركا قد تستطيع التعامل مع كل ذلك ولكن ليس لفترة طويلة"، وذلك إن حكمنا على الأمور من خلال التصريحات الأخيرة الصادمة التي أدلى بها كبار المسؤولين الأميركيين، والحق يقال بأن إدارة الرئيس جو بايدن قد بدأت بالاستعداد لما لم يخطر ببال أحد حتى فترة قريبة، ألا وهو زيادة القوة النووية التي تنشرها أميركا بعد عقود من تخفيض عددها بشكل كبير.

عصر نووي جديد

ولعل الحشد لذلك سيبدأ في عام 2026، مع انقضاء مدة معاهدة "بداية جديدة" التي أبرمت بين أميركا وروسيا والتي تحد من الترسانة النووية لدى هاتين القوتين اللتين تعتبران من قوى العالم العظمى، وعن ذلك يقول مسؤول أميركي كبير في مجال الدفاع: "إن قُيّض للرئيس أن يقرر عند انتهاء مدة معاهدة بداية جديدة في شباط 2026، بأننا بحاجة لزيادة حجم ما نشرناه من قوة، فيجب أن نكون في موقف يخولنا تنفيذ ذلك بسرعة نسبية". ثم إن سرعة ومدى حشد تلك القوى قد يعتمد في جزء منه على وصول كامالا هاريس إلى البيت الأبيض، لأنها قد تحاول أن تحافظ على جهود الديمقراطيين في الحد من السلاح النووي، أو وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، بما أنه أحد الصقور المدافعين عن السلاح النووي خلال ولايته الرئاسية الأولى.

تحرص المصادر في إدارة بايدن على أن تذكر بأن الترسانة النووية تكفي للجم ما يظهر من تهديدات في الوقت الراهن، وبأنهم مايزالون يتمنون عقد اتفاقيات أخرى للحد من الأسلحة النووية، وبأنه لم يتخذ أي قرار حتى الآن بشأن نشر مزيد من الأسلحة النووية. غير أن مسؤولين أميركيين أعلنوا بحذر في شهر حزيران وحذروا بصراحة في هذا الشهر من ازدياد الخطر النووي، إذ قال نيبين نارانغ وهو مسؤول كبير في البنتاغون في خطاب ألقاه في الأول من آب: "ألفينا أنفسنا اليوم في عصر نووي جديد"، وتحدث عن: "الخلط غير المسبوق بين عدد من الدول الرجعية المناهضة للسلاح النووي والتي لا يهمها أمر ضبط التسلح أو الجهود التي تعنى بالحد من هذا الخطر، لكن كلاً منها يعمل على تحديث وتوسيع ترسانته النووية بشكل سريع" أما أفعالهم بنظره: "فقد أجبرتنا على التحول إلى مقاربة أشد تنافسية".

بموجب معاهدات متعاقبة لضبط التسلح، تقلصت الترسانة النووية في العالم من الذروة التي وصلت لأكثر من 70 ألف رأس نووي في عام 1986 إلى نحو 12 ألف رأس اليوم. وفي عام 2009 تحدث باراك أوباما عن السعي للوصول إلى: "عالم بلا أسلحة نووية"، ومنذ تشرين الأول 2022، ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، بقيت عملية استعراض الوضع النووي التي تجريها إدارة بايدن تتمسك بفكرة: "الحد من دور الأسلحة النووية في الاستراتيجية الأميركية".

الحاجة لمزيد من الأسلحة النووية

والآن يأتي نارانغ ليقول بأن ربع قرن من "الانقطاع عن السلاح النووي" قد انتهى، ولقد هددت روسيا أكثر من مرة باستخدام السلاح النووي في أوكرانيا، وأعلنت أميركا بأن روسيا تخطط أيضاً لنشر أسلحة نووية في مدار صمم لتدمير الأقمار الصناعية، ويمثل ذلك خرقاً لمعاهدة الفضاء الخارجي المبرمة عام 1967، وفي هذه الأثناء تعمل الصين على توسيع ترسانتها بسرعة، إذ يقدر البنتاغون بأنه بوسع هذه الترسانة أن تتوسع من بضع مئات من الرؤوس النووية مع بداية هذا العقد إلى أكثر من ألف رأس نووي بحلول عام 2030، ولعل العدد سيصل إلى 1500 بحلول عام 2035. أما كوريا الشمالية فقد كثفت اختباراتها للصواريخ الباليستية العابرة للقارات وذلك حتى تحمل الأسلحة النووية. وفي حزيران، وقعت كوريا الشمالية معاهدة دفاع مشترك مع روسيا، وزودت روسيا بقذائف مدفعية، ولكن ما الذي قدمته روسيا لها بالمقابل؟ تخشى أميركا من أن يكون الثمن تقنية صاروخية أو غير ذلك من تقنيات الأسلحة، وتظهر المخاوف نفسها تجاه إيران، التي تحولت إلى دولة باتت على أعتاب الوصول إلى المرحلة النووية، كما أنها زودت روسيا بمسيرات وصواريخ.

علقت روسيا أجزاء أساسية من معاهدة بداية جديدة، على الرغم من أن كلا الطرفين أعلنا عن استمرار التزامهما بحدود المعاهدة فيما يتصل بالأسلحة الاستراتيجية (أي طويلة المدى)، والتي تشمل 1550 رأساً نووياً و700 صاروخ ومواد شديدة الانفجار جرى نشرها جميعاً. ولا يبدو على روسيا أنها مهتمة بمواصلة المحادثات بشأن ضبط التسليح، والصين ترغب بشيء قريب من مساواتها مع أقرانها، من دون أن تبدي أي اهتمام بهم، أما حلفاء أميركا الذين بات التوتر سمة مصاحبة لهم فأصبحوا يرغبون بمزيد من الردع النووي، لا نسبة أقل منه. وهنا يرى نارانغ أن الاستعداد لمرحلة يصبح فيها السلاح النووي متاحاً أمام الجميع: "قد تسهم في تحفيز خصومنا على خوض نقاشات استراتيجية بخصوص ضبط السلاح"، وإن لم يحدث ذلك، فإن أميركا: "مستعدة لفعل اللازم" حتى تردع خصومها وتطمئن حلفاءها.

يرى جيمس آكتون من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في العاصمة واشنطن بأن هذا الحديث يشير إلى: "تزايد حتمية ظهور سباق جديد للتسلح"، كما أنه برأيه دليل على أن البنتاغون والقيادة الاستراتيجية التي يتعين عليها أن تشرف على أي حرب نووية: "باتا أشد اقتناعاً بالحاجة لمزيد من الأسلحة النووية" كما أنهما في طور الفوز بالمعركة البيروقراطية في خضم سعيهما لتحقيق ذلك.

ثمة عقلية جديدة يجري تسليط الضوء عليها من خلال مصير صواريخ كروز التي تحمل أسلحة نووية وتطلق من البحر، فقد اقترحت إدارة ترامب هذه المنظومة في عام 2018 لتوفر أسلحة نووية منخفضة العوائد أو أسلحة تكتيكية وذلك حتى يجري إطلاقها من السفن أو الغواصات في أي نزاع إقليمي محتمل (بخلاف الاستعانة بالأسلحة الاستراتيجية في الحرب النووية الشاملة)، وقد حاولت إدارة بايدن إلغاء هذه المنظومة بحجة أنها تحول الموارد من برنامج طموح إلى عملية تحديث لجوانب الثالوث الأميركي الذي يضم الأسلحة النووية التي تطلق من الجو ومن البحر ومن البر، ويتضمن التحديث صواريخ باليستية جديدة عابرة للقارات (بحيث ستحل صواريخ سينتينيل محل مينوتمان 3)، وغواصات جديدة للصواريخ الباليستية (بحيث تحل قوارب من فئة كولومبيا محل قوارب من فئة أوهايو) إلى جانب قاذفات جديدة (طائرات ب-21 التي ستحل محل طائرات ب-2 وب-52) بالإضافة إلى نظم جديدة لقيادة الأسلحة النووية والتحكم بها.

عملية معقدة وطويلة الأمد

بيد أن الكونغرس احتفظ بصواريخ كروز التي تحمل أسلحة نووية وتطلق من البحر، والآن أصبح نارانغ يمتدح مزاياها، إذ يخبرنا بأن الاستعانة بأسلحة نووية تكتيكية في أزمة إقليمية قد يدفع إلى تحرير الأسلحة الاستراتيجية واستخدامها لضرب عدد كبير من الأهداف الاستراتيجية (وكمثال على ذلك نذكر حقول الصواريخ الباليستية الجديدة والضخمة العابرة للقارات التي تمتلكها الصين والتي يرى المسؤولون بأنها باتت تشكل ضغطاً على إمكانيات القوة النووية الأميركية)، كما يخبرنا هذا الرجل بأن صواريخ كروز التي تحمل أسلحة نووية وتطلق من البحر لا بد أن تحد من "خطر وقوع أي خطأ في الحسابات"، وذلك في حال أخطأ العدو مثلاً فظن أن عملية التبادل المحدود لإطلاق الأسلحة النووية هي عبارة عن هجوم نووي شامل.

ومن أجل الالتزام بمعاهدة بداية جديدة، عطلت أميركا بعض أسطوانات الإطلاق الموجودة في الغواصات، وطورت صواريخ بعيدة المدى تحمل رأساً نووياً واحداً بدلاً من عدة رؤوس وحولت بعض قاذفاتها النووية للاستخدامات التقليدية. ولكن مايزال بوسع أميركا التراجع عن تلك العملية عبر تحميل بعض الرؤوس النووية أو كلها والتي يبلغ عددها 1900 رأس بما أنها تحتفظ بها حالياً، على الرغم من أن هذه العملية قد تستغرق وقتاً، والمسؤولون لن يخبرونا عن المدة التي تحتاجها، بيد أن أحد التلميحات التي وردت على لسان جنرال في القوات الجوية عام 2002 واسمه فرانكلين بليزديل، تشير إلى أن العملية قد تستغرق بضعة أيام فحسب حتى يتم تحميل الرؤوس الحربية الاحتياطية على متن طائرة، وقد يحتاج الأمر لأشهر حتى تركب على الغواصات، ولسنة أو أكثر حتى تتحول إلى صواريخ باليستية عابرة للقارات، فيما يرى خبراء بأن بناء ترسانة شاملة أكبر من هذه قد يحتاج إلى وقت أطول.

جنون العصر الحديث

ولكن ما هي الكمية الكافية من الأسلحة النووية؟ إن العقيدة الأميركية القائمة على "الحد من الأضرار" عند الاستعانة بالسلاح النووي لتدمير سلاح العدو تعني بالضرورة أنه كلما كانت ترسانة العدو أكبر وجب على أميركا أن توسع من ترسانتها، ويؤكد نارانغ بأن أميركا ليست بحاجة لأن توازي عدوها بحيث تمتلك رأساً نووياً مقابل كل رأس لدى العدو، ويضيف المسؤولون بأن أغلب تلك الأمور تعتمد على حسابات سرية تتصل باحتمال تدمير هدف معين، وهل يمكن تدمير الغواصات المزودة بأسلحة نووية بوسائل تقليدية، وما هو مقدار الأسلحة التي يحتمل أن تبقى بعد أول غارة للعدو وما إلى هنالك. وهنا اقترح فرانكلين ميلر وهو مسؤول سابق لدى البنتاغون بمضاعفة تقريبية للقوة الحالية والتي تتراوح ما بين 3000-3500 رأس نووي جرى نشرها.

بيد أن منتقدي هذه الفكرة استنكروا كل هذه الحسابات التي تعبر عن جنون العصر الحديث كما عبرت عنه شخصية الدكتور سترينجلوف في أحد الأفلام الكوميدية التي ظهرت في فترة الستينات من القرن الماضي، ويرى هؤلاء بأنه في حال شنت الصين حرباً على تايوان، فمن غير المرجح لها أن تميز بين الهجمات التكتيكية والهجمات الاستراتيجية التي تستهدف قواتها، وبعض الناس يطالبون بالحد الأدنى من الردع، أي ما يكفي لتدمير أهم مدن العدو بعد هجوم مباغت، وهذا ما عبر عنه جيفري لويس من معهد ميدلبيري للدراسات الدولية بالقول: "تفيد الأسلحة النووية في تدمير الدول التي تستخدم أسلحة نووية ضدك"، وعندما يتعلق الأمر بحدوث مواجهة مع دول من أمثال روسيا، عندئذ لن توفر كامل الترسانة الأميركية التي تشتمل على ما يربو عن 5000 رأس نووي ردعاً يزيد عن الردع الذي توفره الترسانة الفرنسية التي تشتمل على ثلاثمئة رأس حربي فحسب.

بيد أن الصين التي أصبحت أبرز مؤيدي فكرة أدنى قدر من الردع تتبنى اليوم المنطق القائم على أنه كلما زاد عدد الأسلحة النووية غدت الأمور أفضل، ولكن ماذا عن خصم الصين، أي الهند، وماذا عن عدوة الهند، أي باكستان؟ مع اقتراب سباق التسلح النووي الجديد، قد تصبح الأمور أشد تعقيداً مما حدث خلال الحرب الباردة أيام فترة التنافس والعداء ما بين الاتحاد السوفييتي وأميركا.

 

المصدر: The Economist