للوهلة الأولى، قد يبدو الغزو الروسي لأوكرانيا مصيبة وقعت على روسيا، وذلك لأنه تعين على معظم الجنود الروس محاربة القوات الأوكرانية، في حين تسعى موسكو لنشر جنود آخرين خارج حدودها، كما ينبغي على روسيا هذه المرة أن تعيد نشر بعض الأسلحة والنظم العسكرية في أوروبا والتي سبق أن نشرتها في آسيا والشرق الأوسط. ثم إن الصفقات العسكرية التي عقدتها موسكو قد تراجعت قبل كل ذلك، ‘لأن الخطر أصبح يحدق بها اليوم، إذ منعت العقوبات الزبائن المعتادين لروسيا من إتمام تلك الصفقات معها، فضلاً عن الأداء العسكري الضعيف الذي أبدته روسيا والذي أحبط الروح المعنوية لدى الجميع.
إن كل تلك القيود والمشكلات حقيقية وواقعية، ولكن في حال صدّق المسؤولون الغربيون ما قاله وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكين، في حزيران الماضي، حول الحرب في أوكرانيا وبأنها أضعفت قوة روسيا بشكل كبير كما أضرت بمصالحها ونفوذها، فعليهم أن يعيدوا النظر بالأمر مجدداً، وذلك لأن روسيا ما تزال تتمتع بنفوذ دولي هائل، إذ تحتفظ موسكو بعقود دفاعية راسخة مع معظم زبائنها القدامى، وعلى رأسهم الهند وفيتنام، تلك الدولة التي تعتمد على روسيا في الاحتفاظ بتلك النظم. صحيح أن روسيا صار لزاماً عليها أن تنشر معظم جنودها ومعداتها في أوكرانيا، إلا أنها ماتزال تحتفظ بقواعد جوية وبحرية دائمة في سوريا، وذلك بفضل الموقع المباشر لتلك الدولة على البحر المتوسط، وهذا ما يتيح لروسيا مضايقة القوات الأميركية وإزعاجها في الشرق الأوسط. كما أن شركة فاغنر الرديفة للجيش الروسي تسيطر على قواعد عسكرية عديدة في ليبيا، وتعتبر هذه الدولة محوراً لوجستياً للأنشطة الروسية في منطقة الساحل الأفريقي. ومن المفترض لفاغنر أن تتابع عملياتها بشكل أو بآخر، حتى بعد مقتل زعيمها السابق، ييفغيني بريغوجين، في حادثة تحطم طائرة (وأغلب الظن أن ذلك جرى بالتنسيق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين). وتفكر موسكو أيضاً بإقامة أو استخدام قواعد عسكرية أخرى في القارة الأفريقية.
بالنسبة لروسيا، ثمة تحول إيجابي في عزلتها التي اكتشفتها مؤخراً، ويتمثل ذلك بتعاون دفاعي أعمق وأقوى مع الكثير من الدول المعادية للولايات المتحدة وأوروبا، وتلك المجموعة من الدول التي تمتد من فنزويلا وحتى كوريا الشمالية، قد لا تجمعها الكثير من القواسم سوى الأعداء المشتركين، كما لا يتمتع كل منها لوحده بقوة استثنائية، إلا أنها بوسعها مجتمعة أن تعين الكرملين على مواصلة حربه ضد أوكرانيا، وبوسعها أيضاً مساعدة بعضها على تحقيق طموحاتها الإقليمية، وهذا من شأنه زيادة الصراعات العسكرية في مختلف بقاع العالم.
بالنظر إلى كل تلك المخاطر المحدقة، لم يعد بوسع الولايات المتحدة نبذ أي دولة من تلك الدول واعتبارها عدواً قليل الشأن أو مجرد عناصر فاعلة. كما لم يعد بوسع واشنطن أن تعول على العقوبات وحدها، بصرف النظر عن مدى شموليتها، وذلك في الحد من نفوذ هذه الدول، ولهذا يجب على الولايات المتحدة أن تستثمر من جديد في شراكاتها وتحالفاتها حتى تخلق حالة توازن لمواجهة محور روسيا، لأنها إن لم تفعل ذلك فلن تتمكن من منع هذه الدول من نشر بذور الاضطرابات والفوضى في مناطق مختلفة من العالم.
تحالف قائم على الرغبات
عندما شنت موسكو غزوها الشامل على أوكرانيا، تحركت الدول الغربية بسرعة لتعزل روسيا عن الاقتصاد العالمي، فأصدرت عقوبات شاملة صممت خصيصاً لقطع موسكو عن التقانة الأميركية والأوروبية. وألغت أوروبا التي تعتمد منذ أمد بعيد على الغاز والنفط الروسي مشروعات جديدة مع موسكو، وبدأت تسعى لتوقيع عقود طاقة جديدة مع دول أخرى، كما جمدت واشنطن مليارات الدولارات من أصول المصرف المركزي الروسي، وهذا ما صعب على قطاع الأعمال الروسي إجراء أي تعاملات تجارية خارجية.
نجحت تلك القيود في مساعيها إلى حد كبير، إذ عانى الاقتصاد الروسي من حالة جمود منذ بدء الغزو، كما توقفت بعض المصانع عن العمل، بيد أن هذه القيود لم تمثل ضربة قاصمة أو أي شيء يدانيها كما توقع المسؤولون الغربيون، إذ تمنت العواصم الغربية أن يحول ما فعلته روسيا إلى دولة مارقة حسب تعريفهم، ولكن هذا التعريف يشمل عدداً كبيراً من الدول، وروسيا اليوم أصبحت شريكاً مهماً لجميع تلك الدول المارقة.
لنفكر على سبيل المثال في قطاع السلاح الروسي، فقد أخرجت العقوبات الغربية موسكو من سوق الأسلحة ذات الجودة العالية، بدون أن تبعد هذه الدولة التي تعتبر أكبر دولة مصدرة للنظم الدفاعية في العالم عن إجراء صفقات تجارية في هذا المجال. إذ منذ بداية الحرب في أوكرانيا، زادت موسكو من بيعها للأسلحة ذات الجودة المتدنية التي تشمل مروحيات قديمة لديها، والتي اشترتها دول عديدة. فقد قبلت ماينمار بشراء دفعة من الطائرات الحربية الروسية خلال الشهر الماضي، أما مالي وتوغو وأوغندا فكلها اشترت مروحيات حربية روسية، وقد أعربت هذه الدول بالإضافة إلى الطغمة العسكرية الحاكمة في بوركينا فاسو عن رغبتها بتعميق التعاون العسكري مع روسيا. وفي المنتدى العسكري الذي أقيم في موسكو تحت اسم "الجيش-2023"، أعلن مسؤولون روس وبكل عدوانية عن وجود مسيرات عسكرية روسية أمام الزبائن الأفارقة، على أمل أن يجدد ذلك الرغبة لديهم بشراء تلك النظم الرخيصة والتي أثبتت نفسها في ساحة القتال بأوكرانيا (على خلاف الكثير من الأسلحة الروسية الأخرى). وهذه الدول الأفريقية أفقر من أن تبرم صفقات بأسعار أعلى مع الكرملين، كما أن ما تشتريه لا يمثل قيمة مالية كبيرة بالنسبة لروسيا، ولكن هذه الدول تساعد موسكو على تعزيز نفوذها ومده في مختلف أنحاء القارة الأفريقية.
لابد أن تُقلق صفقات روسيا مع إيران المسؤولين الأميركيين والأوروبيين بدرجة أكبر، وذلك لأن هاتين الدولتين اللتين جمع بينهما عداؤهما لواشنطن تعملان على تطوير ما يمكن أن يتحول إلى شراكة دفاعية كبرى، إذ منذ الصيف الماضي، وروسيا تعتمد على المسيرات القتالية الإيرانية، وذلك في محاولتها تدمير البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، ومؤخراً لمهاجمة أهداف عسكرية أوكرانية.
وهكذا صار لزاماً على إيران تزويد روسيا بالصواريخ، بيد أن القيود التي فرضتها الأمم المتحدة على هذا النوع من الصفقات ستنتهي في 18 تشرين الأول، لذا سرعان ما ستأتي بعد المسيرات صفقات الصواريخ. وفي هذه الأثناء، تعد إيران قائمة موسعة لما تريده من الأسلحة الروسية، ويشمل ذلك طائرات حربية ونظم دفاع جوي. أما روسيا التي لا تريد أن تستعدي الدول العربية (بما أنها تتعاون معها هي أيضاً) قد لا تلبي كل طلبات طهران، كما قد تخفي جزءاً من الدعم الذي تقدمه لها إيران، إلا أن موجة التعامل العسكري بين إيران وروسيا قد ظهرت وتخللتها جولة أجراها وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في معرض للأسلحة أقيم بطهران خلال شهر أيلول الفائت. لذا لابد أن يستغرب الجميع في حال لم ترسل موسكو لإيران بعض الأسلحة على الأقل.
قد تسير العلاقات الروسية مع كوريا الشمالية على النهج الخطير ذاته، وذلك لأن موسكو تشتري قذائف المدفعية والصواريخ من نظام كيم يونغ أون، ومقابل ذلك، قد يمنح بوتين كوريا الشمالية المعدات التي تحتاج إليها بيونغ يانغ من أجل برامجها الخاصة بالأقمار الصناعية والغواصات. فلقد التقى بوتين بكيم مؤخراً في شرقي روسيا، حيث تبادلا البنادق والمسدسات على سبيل الهدايا. كما زادت روسيا من تعاونها مع ماينمار التي تعتبر أقل عزلة من سابقتها، وذلك بطريقة تجاوزت صفقات بيع طائرات حربية من روسيا لها. ثم إن المسؤولين الروس انشغلوا بشراء واسترجاع قطع الأسلحة من الطغمة العسكرية التي تحكم هذا البلد، وبالمقابل، قدمت موسكو لماينمار دعماً دبلوماسياً، وتدريباً على مكافحة الإرهاب. ولهذا قد يسخر البعض من المؤسسة العسكرية الروسية بسبب انعدام كفاءتها في ساحة الوغى بأوكرانيا، إلا أن ذلك قد يمنح جيوش الأنظمة المارقة في مختلف أنحاء العالم منظوراً ورؤية مختلفة.
دول مسلحة وخطرة
قد لايبدو محور روسيا الجديد مقلقاً في البداية، وذلك لأن الدول الأعضاء فيه تمثل مجموعة من البلدان الضعيفة واليائسة التي لا تمثل سوى تهديد ضعيف بالنسبة للغرب، صحيح أن كوريا الشمالية لديها سلاح نووي، إلا أنها دولة فقيرة وبعيدة عن الولايات المتحدة، وصحيح أنه بوسع إيران شن هجمات متقطعة على الدول العربية الشريكة لواشنطن، إلا أنها مجرد قوة إقليمية في أحسن أحوالها، في حين أن الدول الأفريقية العضو في هذا النادي ماتزال تعاني بسبب انعدام الاستقرار فيها.
بيد أن الأثر الذي سيظهر عند تعاون هذه الدول لن يكون تافهاً، ويشمل ذلك الأثر الذي سيظهر على كييف، إذ على الرغم من أن السلاح الذي يمكن أن تقدمه أي دولة شريكة في هذا الحلف من غير المرجح أن يكون حاسماً بالنسبة للدافع الذي يحث بوتين على إخضاع أوكرانيا، إلا أن تلك الأسلحة عندما تجتمع لابد أن تخلف أثراً كبيراً، لذا إن تمكنت روسيا من الاستفادة من ترسانة كبيرة من الذخيرة الموجودة لدى كوريا الشمالية، واسترجاع ما يكفيها من قطع الدبابات والصواريخ من ماينمار، وتشييد مصنع للمسيرات بمساعدة إيران، عندها سيسهل على روسيا أمر مواصلة حرب الاستنزاف الطويلة التي تشنها على أوكرانيا، أي أن التعاون بين دول هذا المحور قد عززت جهود الحرب الروسية، وبحسب تحليل صادر عن معهد واشنطن، فإن شركة الخطوط الجوية التابعة للدولة في فنزويلا، والتي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات لتورطها في شبكة إيرانية للإتجار بالأسلحة الممنوعة، قد تنقل الأسلحة والمعدات الإيرانية إلى روسيا.
ليست روسيا الدولة الوحيدة التي يمكنها الاستفادة من هذا المحور، وذلك لأن تعميق التعاون قد يسهم في ظهور نظم دفاعية واسعة لا يوحد بينها فقط الدعم المادي المشترك بل أيضاً النهج والمدرسة نفسها. إذ يرغب المسؤولون الإيرانيون على سبيل المثال أن يتعلموا من نظرائهم الروس الكثير من الأمور المتعلقة بالاستخبارات السيبرانية والذكاء الصنعي، في حين تأمل موسكو أن تحصل على نصيحة من طهران بخصوص التهرب من العقوبات وتكييف السلع المدنية لصالح الاستهلاك العسكري. أما بيونغ يانغ فقد تسعى للحصول على دعم روسي في برنامج الغواصات لديها مقابل مدها بمزيد من السلاح.
ثم إن أي مساعدة روسية في برنامج الصواريخ الباليستية أو الفضاء لدى إيران وكوريا الشمالية -سواء أكان هذا الدعم فاعلاً أم خاملاً- لابد أن يقوي هاتين الدولتين بشكل كبير، وذلك لأن هذا النوع من المساعدة الروسية قد يمكن إيران من تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، في حال أرادت طهران فعل ذلك. كما أن هذا قد يشجع إيران ويدفعها للتفكير في خصومها الإقليميين الذين لن يتجرؤوا على الهجوم عليها وعلى أي من مواقعها النووية بعد اليوم. وبالشكل ذاته، قد تزيد المساعدة الروسية من شهية كيم لخوض غمار المخاطر، وهذا ما يمكن أن يزيد من فرص التصعيد العسكري في شبه الجزيرة الكورية. وفي حال قبلت روسيا بحكم الأمر الواقع إيران كدولة نووية قريبة من حدودها، وبكوريا كدولة تمتلك سلاحاً نووياً، فإن ذلك يمكن أن يدفع لانتشار السلاح النووي في دول أخرى أيضاً.
قد تحصل هاتان الدولتان على دعم من قوة خارجية أخرى أي الصين، إذ على الرغم من أن بكين قد لا تتحول إلى عضو حقيقي في محور موسكو، وبالرغم من أنها أعلنت وشددت بأنها طرف محايد في الحرب الأوكرانية، إلا أن المسؤولين الصينيين سبق أن ساعدوا هذه الشبكة الصاعدة التي تضم دولاً تابعة لروسيا، كما ساعدت بكين موسكو نفسها، إذ على سبيل المثال، ماتزال الصين تحتفظ بشراكة صناعية ودفاعية مهمة مع روسيا، كما أنها تستورد كميات كبيرة من السلاح الروسي، وتسهل تجارة روسيا في الرقائق الدقيقة، وتجري بين الفينة والأخرى تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات المسلحة الروسية. وبوسع بيكين تقديم مزيد من الدعم لموسكو ولغيرها من الدول الأعضاء في المحور خلال السنين المقبلة. كما يمكن للصين وروسيا أن تتقاسما (سواء بشكل ضمني أو علني) العمل بينهما فيما يتصل بتحديد الدعم الذي ستقدمه كل منهما ولأي دولة أضعف منهما سيجري تقديمه.
ولكن حتى في حال تقديم بكين لدعم خارجي ضئيل، لابد لأي تعاون بين روسيا ودول هذا المحور أن يصل إلى درجة عالية من تضافر الجهود، إذ يمكن للدبلوماسية الروسية على سبيل المثال مساعدة ماينمار على إقامة علاقات عسكرية مع كوريا الشمالية، بما أن الطغمة العسكرية الحاكمة لهذا البلد ترغب بذلك. ثم إن بوركينا فاسو ومالي والنيجر وقعت لتوها على معاهدة ثلاثية الأطراف للدفاع المشترك، لذا يمكن للتعاون العسكري الروسي مع أي من هذه الدول أن يفيد البقية، أي أن محور المعاقبين سيتجاوز حدود الأعضاء.
التقارب في المكانة
لن يكون التعاطي مع هذا المحور سهلاً بالنسبة للولايات المتحدة، إذ يجب على واشنطن أن تقي نفسها من أي حرب في الشرق الأوسط وفي شبه الجزيرة الكورية مع مواصلة زيادة مواردها للذود عن أوكرانيا ولمنع الصين من الهجوم على تايوان. هذا وقد تزداد تلك الويلات في حال زيادة حالة عدم الاستقرار في أفريقيا، في الوقت الذي تنشر فيه فاغنر أجندة موالية لروسيا في الدول التي مد فيها الروس نفوذهم. وفي حال وجدت الدول الأفريقية في روسيا بديلاً مناسباً وشريكاً أمنياً ملائماً بعيداً الدول الغربية، عندها لابد أن يتعاظم نفوذ موسكو أكثر فأكثر في هذه القارة، خاصة بعد امتعاض الأهالي من الوجود الغربي فيها، ولكن هنالك سبب وراء تحول الراية الروسية إلى رمز شعبي للدعم المقدم للأنظمة العسكرية في عموم أنحاء منطقة الساحل الأفريقي.
لمواجهة هذه التحديات، ينبغي على السياسيين الغربيين التفكير بمحور روسيا بطريقة شمولية، بدلاً من النظر إليه على أنه مجرد سلسلة من الشراكات المنفصلة، كما يجب عليهم أن يعترفوا بالصلات والروابط التي تجمع بين مناطق مختلفة، وعليهم أن يدركوا بأن الدول التي يفرضون عقوباتهم عليها ويعزلونها لابد أن تتعاون مع بعضها، بالرغم من الشكوك المتبادلة التي ستبقى فيما بينها. ويمكن للمسؤولين الغربيين أن يدركوا بأن فرض مزيد من العقوبات لن يخفف أو يمنع التعاون القائم بين روسيا وشركائها، وذلك لأن هذه الدول اعتادت على العمل في ظل قيود أميركية وأوروبية، ولهذا ستقابل العقوبات الجديدة بحالة من التكيف مع ابتداع للحلول.
لذا وبدل فرض مزيد من القيود، من الأفضل أن تعمل الولايات المتحدة على تمتين علاقات الشراكة التي تربطها بدول أخرى وذلك حتى تواجه أعدائها وتحاربهم، كما يجب على واشنطن أن تساعد حلفاءها في منطقة الشرق الأوسط والمحيط الهندي والهادي، وذلك لأن الدول في تلك المناطق تعتبر من أضعف الدول في محور روسيا. ثم إنه كلما شعرت كوريا الجنوبية بأمان أكبر تجاه كوريا الشمالية، زاد احتمال إلغاء سيؤل لصفقاتها مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي والتي تقدم السلاح لأوكرانيا. وكلما ساعدت الولايات المتحدة خصوم إيران في المنطقة على دمج دفاعاتهم الجوية والصاروخية، زاد احتمال تمكن واشنطن من وقف انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط.
لقد وضعت الولايات المتحدة الأسس الصحيحة في هذا السياق، فقد سهلت التعاون العسكري الإسرائيلي مع بقية شركائها في المنطقة، كما أسست المجموعة الاستشارية النووية لمناقشة الأمن النووي وقضايا استراتيجية مع المسؤولين في كوريا الجنوبية. ولكن حتى تدير حالة انعدام الأمان لدى الدول الحليفة، يجب على واشنطن أن تهتم بتلك الدول على الدوام، أي أن اهتمامها لا يجوز أي يأتي على شكل موجات نشاط تظهر وتنقطع بين الفينة والأخرى. وفي الوقت ذاته، يجب على الولايات المتحدة أن تشجع قدر الإمكان الدبلوماسية بين شركائها في الشرق والأوسط وبين إيران، وكذلك بين الكوريتين، ولكن خلال سعي واشنطن لتحقيق حالة توازن لمواجهة محور روسيا، لابد للتهديدات والضمانات أن تصبح جزءاً من النسيج نفسه.
لن يكون النجاح في تحقيق هذه المهام سهلاً، لاسيما عندما يكون اهتمام واشنطن منصباً على الحرب في أوكرانيا، إلا أن استكمال المهام أمر ضروري ولازم، إذ في حال عدم وجود أي مساع في هذا الاتجاه، لابد عندئذ لمحور المعاقبين أن يكبر ويقوى بشكل يصعب معه على الغرب أن يدعم أوكرانيا وأن يدافع عن مصالحه في مناطق أخرى من العالم.
المصدر: Foreign Affairs