تنتشر ظاهرة الرُشا والفساد في وزارات ومؤسسات حكومة النظام السوري بكثرة، وسط امتناع الموظفين عن تسيير أمور المراجعين من دون "دفع المعلوم"، فضلاً عن طلب الرشا علناً وادعاء حاجة المعاملات إلى وقت أكثر كي تُنجز.
وزادت هذه الظاهرة بعد تريث حكومة النظام في تطبيق نظام "التحفيز الوظيفي" الصادر عام 2022، وإيقافها لما يُعرف بنظام المكافآت الدورية (الربعية) منذ أكثر من عام.
وبناء على ذلك، انتظر ياسين (41 عاماً) أكثر من أسبوعين ولم يحصل على كتاب براءة ذمة من وزارته بقصد تقديمه إلى محكمة بداية الجزاء السادسة في دمشق لتشميله بـ"مرسوم العفو" الأخير.
وكان ياسين قد صدر بحقه، عام 2022، قراراً بحكم المستقيل إثر ترك عمله لأكثر من 15 يوماً، موضحاً: "قرّرت ترك الوظيفة لعدم كفاية الراتب، وعند صدور مرسوم العفو شمل جرم ترك العمل"، مشيراً إلى أنّه اضطر إلى دفع رشوة لموظفة في مديرية الشؤون القانونية بالوزارة التي يتبع لها، حتى تنجز وتسرَّع له كتاب براءة الذمة.
وأضاف أنّه حتى في القصر العدلي بالحميدية "اضطر إلى دفع رشوة لموظفة في المحكمة، لتنفيذ الحكم الصادر بحقه والمتضمن إسقاط حكم السجن لمدة 3 سنوات، بعد شموله بالعفو وتغريمه بمبلغ مالي دفعه في مالية دمشق".
"كل موظفي القصر العدلي يتقاضون الرشوة"
تعليقاً على ذلك، قال محامٍ يعمل في القصر العدلي بدمشق لـ موقع تلفزيون سوريا، إنَّ "كل موظفي القصر العدلي في الدوائر المختصة (باستئناء القضاة) يتقاضون الرشوة علناً"، مؤكّداً أنه من المستحيل أنَّ تُنجز أية معاملة ما لم يُدفع للموظف، وفي حال أُنجزت مرحلة من معاملة ما من دون دفع، فإنَّه "في الخطوة التالية يتم (تنييم المعاملة) حتى يدفع صاحبها"، وفقاً لتعبيره.
وأضاف المحامي أنَّ أغلب المحامين يدفعون لموظفي القصر العدلي من أجل تسيير قضاياهم، مشيراً إلى أنَّ "يوميَّة أي موظف بالقصر العدلي لا تقل عن 100 ألف ليرة".
أمّا من الناحية القانونية، أوضح المحامي أنَّ "الرشوة جرم يعاقب عليه القانون (قانون العقوبات العامة) بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة أقلها ضعفا قيمة الرشوة".
وتابع: "لكن ما يحدث اليوم في مؤسسات النظام السوري ليس بالرشوة ذات الضرر الكبير على الوظيفة العامة والموظف أو الراشي، إنّما هي نتيجة لضعف الرواتب"، مردفاً: "الفساد والرشا ذات الأثر الكبير تكون على مستوى وزراء ومحافظين وقضاة ومديرين، وهؤلاء لا أحد يحاسبهم".
إيقاف نظام "التحفيز الوظيفي"
على صعيد موازٍ، أدى إيقاف حكومة النظام السوري لمرسوم "التحفيز الوظيفي"، مؤخراً، إلى استياء أغلب الموظفين بعد حرمانهم سابقاً من المكافآت الدورية، بحسب "مصطفى"، موظف في وزارة المالية التابعة للنظام.
وقال لـ موقع تلفزيون سوريا: "كنا سابقاً نأخذ مكافآت دورية وأحياناً شهرية من خلال عملنا في لجان فنية أو إدارية إضافة إلى الراتب الشهري"، مشيراً إلى أنه "منذ العام 2022 أوقف مجلس الوزراء منح المكافآت لحين صدور قانون التحفيز الوظيفي، وعندما انتهت الحكومة من دراسته وحان موعد تطبيقه تم إيقافه فجأةً بحجج واهية".
وشدّد "مصطفى" على أنّه لا يعمل اليوم من دون "دفع المعلوم"، مشيراً إلى أنَّ راتبه لا يكفيه سوى أيام قليلة، وأنه يعتمد على ما يسمّيه "الإكرامية"، التي يحصل عليها من تسيير أمور المراجعين بطريقته الخاصة.
وكانت اللجنة المركزية للحوافز والعلاوات التشجيعية والمكافآت في وزارة التنمية الإدارية التابعة للنظام السوري قد أقرّت، نهاية العام 2023، نظام "التحفيز الوظيفي" للعاملين، في مديريات التربية بمحافظات الحسكة وطرطوس واللاذقية والرقة وإدلب وحلب، إضافةً إلى مديريتي الصحة في دمشق وريفها.
والحافز -وفق نص قانون التحفيز الوظيفي- هو "بدل معنوي أو مادي يمنح كأداة تحفيزية لقاء جهد أو سلوك أو عمل، يسهم في رفع مستويات الأداء بالجهة العامة، وزيادة الإنتاجية، ورفع مستوى الخدمات المقدمة، وتحسين صورتها".