تأخذ معركة تغيير وجه منطقة الشرق الأوسط بعداً أكثر شراسة وضراوة. الحرب في الاقتصاد المعطوفة على الحروب الأمنية المستمرة تكون أقسى من الحرب العسكرية. وفي ذلك تجارب متعددة تثبت وجهة النظر هذه أبرزها وأقربها ما حصل في العراق بعد حربي الخليج الأولى والثانية، ومعركة إسقاط الاتحاد السوفييتي.
وجدت منطقة الشرق الأوسط في قلب معركة دولية تنسجم مع متطلبات تغيير الخرائط وإذابة الحدود على أسس سياسية مصلحية بغلاف ذات طابع أيديولوجي. الدول التي أصبحت في عداد المحور الإيراني تعيش انهياراً مكتمل المعالم، في شتى أشكال وأنواع ومتطلبات الحياة. دول لم يعد لدى مجتمعاتها القدرة على الاستمرار في العيش أو توفير أدنى متطلباته ومقوماته. والأسوأ أن هذه الدول أو الجماعات تفضل الذهاب إلى خيارات التهديد الأمني والعسكري لنفسها وشعوبها بهدف شد العصب وتأمين الالتفاف لعدم الاصطدام بالمطالب المعيشية الدنيا.
في موازاة ذلك، ثمّة حرب سياسية وعلى النفوذ بين إيران ودول عربية وخليجية متعددة، بالإضافة إلى حرب أمنية مفتوحة بين إيران وإسرائيل، تحولت إلى حرب السفن المستمرة والتي لن تتوقف في المدى المنظور، وسيكون أثرها كبيراً على الوقائع العسكرية في المنطقة ومناطق النفوذ فيها، في ظل العقبات التي تواجه المفاوضات الإيرانية الأميركية لإعادة إحياء الاتفاق النووي. حرب السفن هذه تتوالى فصولاً؛ فبعد استهداف طهران لسفينة إسرائيلية في خليج عمان، تبحث إسرائيل عن آلية الردّ، وهي تريد لردها أن لا يكون تقليدياً. مع استبعاد خيار اللجوء إلى الحرب. وفي وقت سعت فيه تل أبيب الى حشد أكبر تأييد دولي لموقفها ضد إيران، وعملت على طلب عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي، كانت حركة الملاحة البحرية في الخليج العربي مهددة من خلال اعتداء ايران على سفينة جديدة ما أدى إلى حدوث خلل. مشهد يذكر بفعلة قامت بها إيران في الثمانينيات ملوحة بتهديد أمن الخليج وإغلاق المضائق فاستدعت ضربة أميركية، المشهد اليوم مشابه، علماً أن طهران أقدمت على خطوتها الثانية بهدف التهديد بأن أي ضربة قد تتهددها ستنعكس اهتزازاً في الخليج كله، وكانت طهران بذلك تحاول استباق أي ضربة وفتح باب التفاوض.
في هذا الوقت تعيش إيران أسوأ أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، حالها كحال المجتمعات في الدول التي والتها أو أعلنت الانتماء إلى المحور الإيراني
في هذا الوقت تعيش إيران أسوأ أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، حالها كحال المجتمعات في الدول التي والتها أو أعلنت الانتماء إلى المحور الإيراني.
في مواجهة هذا التصعيد، تبحث إيران عن فتح أي نافذة لها، وفي ظل التعقيد القائم أمام مسار مفاوضات الاتفاق النووي، تعمل طهران على إثبات قدرتها على الحضور الإقليمي وتقديم دعاية الوقوف إلى جانب المجتمعات الموالية، فتبرز فكرة الرهان على الصين والشراكة الاستراتيجية الصينية الإيرانية كبديل عن الغرب، بالإضافة إلى داعية توفير طهران النفط والمحروقات لسوريا ولبنان، وهذا يفتح أفق الصراع أكثر ويوسعها، خصوصاً في ضوء رسائل التهديد المتبادلة بين الإيرانيين والإسرائيليين عبر الروس والفرنسيين، وآخرها، تهديد إسرائيلي باستهداف أي شحنة نفط متوجهة إلى سوريا أو لبنان، وبدورها ردت إيران على الرسالة برسالة مضادة بأن ردهاً سيكون قوياً جداً على أي ضربة تتعرض لها.
هناك من يعتبر أن الاتفاق لن يحصل قبل أشهر، وهذا التأخير سيكون مرتبطاً بجملة عوامل ليس بعيدا عنها خيار التصعيد العسكري والأمني. هناك اهتمام أميركي بالوضع الإقليمي وعدم ترك إيران في حالة اتساع النفوذ على طول رقعة الشرق الأوسط. ثمة رأي قوي داخل الإدارة الأميركية بأن الاتفاق لن يكون يسيراً وإن لم يطرأ عليه أي تغير جوهري. خصوصاً أن هناك مجموعة شروط أميركية قاسية على إيران الالتزام بها، وبحال لم تلتزم فلن يتم توقيع الاتفاق.
تركيبة الوضع الاجتماعي والمعيشي والاقتصادي في مقاربة موضوعية عن قرب للواقع السوري حالياً تؤكد أن النظام لا يمكنه الصمود، حتى داخل المنظومة الموالية لم يعد قادراً على ضبط أوضاعها وترتيب الحدّ الأدنى من متطلبات العيش، يحيل هؤلاء هذا الحجم الكبير من الانهيار إلى مسؤولية قانون قيصر وفعاليته والتي لا يمكن تفاديها على الإطلاق، بل إن تداعياتها ستكون كبيرة جداً مستقبلاً ليس داخل سوريا فقط بل في كل دول الجوار، ولا سيما الدول والجماعات التي توالي النظام في سوريا وتعمل على توفير أي أسلوب من أساليب الدعم له، ولنا في التجربة اللبنانية على وقع الانهيار أكبر الدلائل على ذلك. الأثر الفعلي لقانون قيصر سيكون له نتائج كبيرة على بطانة النظام مستقبلاً، وهي بدأت بالظهور من خلال التفلت القائم، والذي يضرب أساسات ومرتكزات القبضة الحديدية له. هذه كلها تقود حتماً إلى خلاصة واحدة وهي استحالة قدرة النظام على الاستمرار.