تتناقض الأجواء المسرّبة من مفاوضات النووي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. في اللعبة السياسية فإن مثل هذا التناقض مبرر من قبل كل طرف لتحسين شروطه التفاوضية والسعي لتحقيق المزيد من النقاط أو المكاسب. منذ أيام يشيع الإيرانيون تأكيدات بأن الأميركيين اتخذوا قراراً برفع العقوبات عن إيران، الأمر الذي ينفيه الأميركيون ويعتبرون أن لا عقوبات سترفع قبل إنجاز الاتفاق النهائي.
تحاول واشنطن الضغط سياسياً وإعلامياً على إيران من خلال وضع مهل أمام التوصل إلى الاتفاق أو الانسحاب إذا لم تلتزم الجمهورية الإسلامية. مثل هذه اللعبة حدثت أيام الاتفاق النووي السابق في ولاية باراك أوباما حتى أن تقارير كثيرة توقعت انفراط عقد المفاوضات وانسداد الطريق أمام الاتفاق، لكن حدث العكس.
لنعتبر أن الاتفاق سيكون في عداد الأمر الواقع، لكن على هوامشه سيكون هناك كثير من الشروط والشروط المضادة. شروط المحافظين والحرس الثوري في إيران لا يمكن التغاضي عنها، كذلك بالنسبة إلى الضوابط الأميركية التي يفرضها الجمهوريون على الديمقراطيين، ومن بينها عرضه على الكونغرس والتصويت عليه. علماً أن الرئيس السابق باراك أوباما لم يعرض الاتفاق على الكونغرس الأميركي. هذا التطور قد يؤدي إلى تكبيل بايدن وإدارته.
يؤكد الإيرانيون رفضهم للتفاوض على النفوذ الإقليمي وعلى صواريخهم الباليستية، وأنهم يحصرون المفاوضات في الشق التقني حول الملف النووي فقط، لهذا الكلام تبعات سياسية متعددة، بينها ما سيطرح المزيد من الضغوط على الإدارة الأميركية من قبل الإسرائيليين والعرب، وهذا سيفتح الباب أمام استمرار عمليات الاستنزاف الأمني والعسكري الإسرائيلية ضد طهران وحلفائها، ومنها أخيراً عملية اغتيال أحد عناصر حزب الله في درعا، لهذه الخطوة جملة رمزيات ومؤشرات، أولاً حول المنطقة التي حدثت فيها عملية الاغتيال أي جنوبي سوريا، وثانياً بعد اجتماعات عسكرية أميركية إسرائيلية، تم البحث فيها بكيفية تقليص النفوذ الإيراني في الجنوب السوري ومنع استنساخ تجربة حزب الله في لبنان، كذلك تم البحث بشكل مركز بين رئيس الأركان الإسرائيلي وقادة عسكريين أميركيين في كيفية تطويق إيران وقدراتها العسكرية، ولو اقتضى ذلك تشكيل منطقة جوية آمنة قريبة من الحدود الإسرائيلية لمنع الطائرات المسيرة الإيرانية بدون طيار.
يؤكد الإيرانيون رفضهم للتفاوض على النفوذ الإقليمي وعلى صواريخهم الباليستية، وأنهم يحصرون المفاوضات في الشق التقني حول الملف النووي فقط
إذا كانت واشنطن تولي أهمية قصوى لإنجاز الاتفاق وتتنازل لطهران عن مسألة بحث النفوذ الإقليمي وتقليمه، فثمة خطوط أخرى تعمل بفعالية، العلاقات العراقية المصرية الأردنية والتي لها بعد استراتيجي، والمصالحات التركية القطرية مع الدول العربية وخصوصاً مصر ودول الخليج، بالإضافة إلى التنسيق الأميركي التركي في إطار تعزيز حلف الناتو، وفي إطار الإدارة المشتركة أو المنسقة لملف أفغانستان. كل هذه الخطوط والتحركات سيكون هدفها تطويق إيران أكثر على المدى الاستراتيجي البعيد.
تأتي هذه التطورات في إطار صراع تشهده المنطقة، ولا سيما الدول التي أعلنت إيران السيطرة عليها سابقاً وهي العراق، وسوريا، ولبنان واليمن، مع الإشارة إلى أن هذه الدول كلها تعاني من انهيارات مالية واقتصادية، في حين تبرز الدعوات الإيرانية فيها للاتجاه شرقاً، بدلاً من الرهان على الغرب بقيادة أميركا. الهدف الإيراني من ذلك هو الرهان على مرحلة رفع العقوبات، لتتمكن طهران من تعزيز أوراقها النفطية في المنطقة، والسماح لها ببيع النفط وتصديره، ومن هنا يأتي المشروع الإيراني المنسق مع حزب الله والذي انعكس في دعوة الأمين العام لحزب حسن نصر الله حول الاتجاه شرقاً وحول عدم الرهان على الغرب في الحصول على النفط والمحروقات، إنما هناك شركات أخرى مستعدة للمجيء إلى لبنان، بالطبع فإن نصر الله يقصد مشروعاً إيرانياً ومشروعاً روسياً للوصول إلى السواحل اللبنانية وضخ النفط إلى المصافي في جنوب لبنان وشماله، مع الإشارة إلى أن لبنان يمتلك محطات تكرير لا تمتلكها إيران، لكنها تحتاج إلى إصلاح، وهذا ما تراهن عليه إيران لتصدير نفطها مستقبلاً.
كل ذلك يأتي في ظل اجتماع ثلاثي عقد في بغداد بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والملك عبد الله الثاني. في إطار اللقاءات الساعية لتطوير العلاقة بين مصر والأردن والعراق إلى تحالف ذا أبعاد استراتيجية متعددة، من النفط إلى خطوط التجارة وغيرها من الاتفاقات السياسية. التي تسعى لخلق كيان مواز في المنطقة جميعاً، يشكل درعاً لدول الخليج.
ولا يمكن إغفال الاجتماع الذي عقد بين وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، ووزراء خارجية من الدول العربية ووزير خارجية تركيا وآخرين، حيث احتل الملف السوري أولوية في المباحثات، وكانت الرسالة الأميركية واضحة في عدم التطبيع مع النظام السوري ووقف هذا المسار طالما أن لا أفق للحل السياسي في سوريا، وطالما أن لا اتفاق قد تبلور حتى الآن مع روسيا حول المرحلة الانتقالية. هذا الموقف الأميركي من شأنه أن يلجم اندفاعة كل الدول التي كانت تسعى إلى فتح السفارات في دمشق أو تريد استعادة العلاقات بشكل طبيعي. كل هذه المشاهد تختصرها صورة واحدة وهي الصراع المستمر على الصعيد السياسي والاقتصادي والاستراتيجي في مقابل إعطائه طابع الصراع بين الشرق والغرب.