لم يكن الإعلان الرسمي الصادر في شهر أكتوبر الماضي عن وزارة الكهرباء السورية بتوقيع عقد جديد مع شركة بيمانير الإيرانية لإعادة بناء محطة محردة بقدرة 576 ميغاوات وبقيمة 99.5 مليون يورو، مفاجأة للتوقعات خاصة إذا ما ربطنا هذا التطور بمساعٍ إيرانية قديمة متجددة للسيطرة على ملف الكهرباء السورية من كل النواحي التقنية والتشغيلية وتأمين المواد الأولية، وربط هذا الملف بالأجندات الإيرانية في سوريا، لاستخدامه كأحد أهم أوراق الضغط لضمان التبعية والخضوع للنفوذ الإيراني في سوريا مستقبلاً، كما تخبرنا الحالة العراقية.
صحيح أن الحالة العراقية أو حتى الأفغانية يمكن اعتبارها حالة متقدمة من ناحية السيطرة الإيرانية على ملف الكهرباء الوطني وتسخيره خدمة للأجندات الإيرانية، لكن ملف الكهرباء السوري يبدو أنه سيواجه المصير المتعثر نفسه.
ورغم أن الصادرات الإيرانية إلى سوريا كانت متواضعة (نحو 3% من السوق السورية) خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أن عنصراً واضحاً في تلك الصادرات كان يشغل الوزن الأكبر والقيمة العظمى فيها، ويكشف في الوقت ذاته عن نيات إيرانية مخبئة مهدت لها ظروف الحرب وتداعياتها.
موقع إيران في صناعة الكهرباء السورية
(قراءة تاريخية إحصائية)
قد تكون العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على نظام الأسد أصابت العملية الاقتصادية وعجلة الإنتاج في سوريا بسكتات قلبية، وأثرت سلباً في معدلات التبادل التجاري مع إيران لكن لا يمكن نقل هذا التصور على الموقع المتقدم الذي بدأت إيران في حيازته داخل صناعة الكهرباء السورية.
على العكس من ذلك، كانت العقوبات هذه المرة سبيلاً لإخلاء الساحة كلياً من المنافسين والشركات الأجنبية، خاصة الروسية، لإيران، التي غدت واحدة من الدول القليلة جداً التي يمكن أن تشارك في بناء محطات توليد الكهرباء في سوريا نظراً لقدرتها التقنية في بناء أجزاء محطات توليد الكهرباء كالتوربينات والمولدات، وصناعة محولات الطاقة والأسلاك والكابلات.
وفي الحقيقة، هذه ليست المرة الأولى التي تحظى بها إيران حصرياً بعقود بناء محطات الطاقة في سوريا. ففي وقت سابق من عام 2018، حصلت شركة مبنا الإيرانية على عقد لبناء محطة توليد كهرباء بقدرة 540 ميغاواط مع خط أنابيب لنقل الغاز، وبقيمة 411 مليون يورو في مدينة اللاذقية على الساحل السوري.
وفي عام 2017 أيضاً، وقعت إيران مذكرة إنشاء 5 مجموعات غازية في مدينة بانياس الساحلية باستطاعة 125 ميغاواط. وتضمنت المذكرة كذلك، إعادة تأهيل المجموعة الأولى والخامسة بالمحطة الحرارية في حلب، وتأهيل وتفعيل مركز التحكم الرئيسي للمنظومة الكهربائية السورية، ومركز التنظيم الرئيسي بنظام "اسكادا" بدمشق، فضلاً عن إعادة تأهيل محطة توليد التيم في دير الزور باستطاعة 90 ميغاواط، وإعادة تأهيل وتحسين أداء محطة توليد جندر في حمص.
هذه الأخبار والتقارير المتفقرة التي تتحدث عن عقود ومذكرات تفاهم موقعة بين الجانبين السوري والإيراني في مجال الطاقة خلال الأعوام الماضية تتشابك بتوافق تام مع الإحصائيات التي تنشرها دورياً منظمة تنمية التجارة الإيرانية، لتؤكد أن اتفاقات الطاقة لم تبقَ حبراً على ورق كما حدث مع أخواتها من الاتفاقيات الاقتصادية السابقة، ويجري تنفيذها تدريجياً على أرض الواقع، وأن إيران قد تكون تغلبت على روسيا في أحد أهم القطاعات الحيوية التي يتصارع عليها حلفاء الأسد في سوريا.
وبما أن الأرقام دائماً تقول الحقيقة، خلافاً لما يمكن أن تحمله التحليلات المختلفة، فإن الأرقام ذاتها التي جمعها موقع تلفزيون سوريا من إحصائيات منظمة تنمية التجارة الإيرانية تخبرنا أن سوريا تتربع على المرتبة الثالثة، بعد العراق وأفغانستان، لصادرات محطات توليد الكهرباء الإيرانية، كما يظهر في الجدول أدناه.
واتخذت صادرات محطات الطاقة الكهربائية الإيرانية إلى سوريا مساراً تصاعدياً خلال السنوات الخمس الماضية، لتصل في المجموع إلى نحو 64.5 مليون دولار. لكن أكثر من نصف هذه الصادرات يعود للأشهر السبعة الماضية من العام الجاري الذي تضاعفت فيه قيمة هذه الصادرات أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بأكبر قيمة لصادرات الأعوام الماضية، وهو ما يفسر إتمام إيران التقريبي لمحطة اللاذقية وحلب، وتوقيعها عقد محطة محردة الجديد المذكور آنفاً.
إلى جانب ذلك، دأبت إيران على توفير المواصلات الكهربائية كالأسلاك والكابلات، ومحولات الطاقة الكهربائية، التي وصلت قيمة صادراتها مجتمعةً خلال السنوات الماضية لنحو 31.7 مليون دولار، كما يظهر الجدول أدناه:
دليل تجارة محطات توليد الكهرباء والأسلاك والكابلات والمحولات الكهربائية مع سوريا
التاريخ |
صادرات محطات توليد الكهرباء (دولار) |
صادرات الأسلاك والكابلات (دولار) |
صادرات المحولات (دولار) |
من مارس 2021 حتى 22 سبتمبر 2021 |
39,180,761 |
1,343,441 |
1,090,053 |
من مارس 2020 حتى مارس 2021 |
2,419,069 |
7,065,392 |
1,030 |
من مارس 2019 حتى مارس 2020 |
11,566,643 |
711,722 |
98,550 |
من مارس 2018 حتى مارس 2019 |
275,573 |
869,885 |
625,871 |
من مارس 2017 حتى مارس 2018 |
2,917,998 |
3,273,078 |
0 |
من مارس 2016 حتى مارس 2017 |
8,084,310 |
11,973,130 |
4,629,430 |
المجموع |
64,444,354 |
25,236,648 |
6,444,934 |
عشرات الملايين المتفقرة هذه التي أنفقت بناءً على عقود الطاقة الموقعة بين الجانبين السوري والإيراني خلال السنوات الماضية قد لا تظهر الصورة الجلية لمدى رغبة إيران في الهيمنة على ملف الكهرباء السوري، بسبب عدم استكمال أغلب المشاريع الجارية والإجراءات الروتينية التي تصاحب البدء بمشاريع جديدة، لكن المرحلة القادمة ستشهد تصاعداً متسارعاً في قيمة الصادرات الهندسية والفنية، خاصة مع إعلان رئيس منظمة تنمية التجارة الإيرانية، على رضا باك، مؤخراً عن إصدار ضمانات بنكية بقيمة 300 مليون دولار لتصدير الخدمات الفنية والهندسية إلى سوريا، وهو ما سيرفع قيمة هذه الصادرات بشكل جنوني.
إن إقرار الحكومة الإيرانية بإصدار هذه الضمانات البنكية مرتفعة القيمة سيشجع الشركات الإيرانية الخاصة على التوغل أكثر ضمن قطاع الطاقة السوري، وسيرفع من قيمة الصادرات الهندسية والفنية الإيرانية إلى سوريا التي ستتصدر قائمة المستوردين، بعد أن كانت تحتل المرتبة الثالثة بعد العراق وأفغانستان.
نظام الأسد... ثاني أكبر مستورد للنفط الإيراني
لم تكن الصادرات الفنية والهندسة ومحطات توليد الطاقة الضخمة (البخارية والغازية) ومحولاتها وقطعها التقنية، التي شكلت النسبة الأكبر من الصادرات الإيرانية غير النفطية إلى سوريا، وأحدثت طفرة فيها خلال السنوات الخمس الماضية، أحد أدوات الهيمنة التدريجية الوحيدة على ملف الكهرباء السوري. بل إلى جانب ذلك، أسهمت تطورات السنوات السابقة في أن تكون إيران هي المورد الوحيد للنفط الخام ومشتقاته إلى سوريا.
أي أن الهيمنة الإيرانية التدريجية على ملف الكهرباء السوري في ظل استمرار الظروف الراهنة لن يقتصر على سيطرة إيران على المجال التقني والهندسي لمحطات توليد الطاقة التي شرعت إيران في إعادة إعمارها، بل تعداه إلى إمساك إيران بمفاصل العجلة التشغيلية لهذه المحطات من خلال توريدها لأغلب عناصر المواد الأولية اللازمة لإدارة عجلتها.
تظهر إحصائيات الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري 2021، والتي حصل عليها موقع تلفزيون سوريا من مصادر مفتوحة ومواقع تقوم بتتبع الناقلات الإيرانية بدقة باستخدام نظام التعريف التلقائي (AIS)، وصور الأقمار الصناعية، ومقارنة السفن وتصنيف الناقلات، ومجموعات بيانات الشحن، أن نظام الأسد يتربع على المرتبة الثانية لصادرات النفط الإيراني ومشتقاته بعد الصين.
وفي التفاصيل، يظهر حصول نظام الأسد على ما مجموعه 755,402 من البرميل النفطية خلال الأشهر العشرة الماضية، بمعدل وسطي يصل إلى 75,540 برميلاً/اليوم، لتحتل بذلك الصادرات النفطية الإيرانية إلى سوريا نسبة 7.13% من المجموع الكلي للصادرات النفطية الإيرانية، كما يظهر في الجدول أدناه:
الشهر من عام 2021 |
الكمية (برميل نفطي/اليوم) |
يناير/كانون الثاني |
77,905 |
فبراير/شباط |
0 |
مارس/اذار |
110,578 |
أبريل/نيسان |
50,69 |
مايو/أيار |
54,437 |
يونيو/ حزيران |
133,994 |
يوليو/تموز |
19,290 |
أغسطس/آب |
90,689 |
سبتمبر/أيلول |
140,377 |
أكتوبر / تشرين الأول |
77,434 |
المجموع |
755,402 |