بالرغم من كل الجهود التي بذلها رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو قبل الانتخابات التركية الأخيرة في مايو 2023 ومعه زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشينار لترشيحه للرئاسة بدلا من رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، استطاع الأخير أن يثبت هيمنته على الحزب وعلى مسار المعارضة قبل الانتخابات ويضع نفسه مرشحا مشتركا للمعارضة.
وبعيد الانتخابات التي خسرها كليتشدار أوغلو سعى أكرم إمام أوغلو إلى الوصول لرئاسة حزب الشعب الجمهوري وطلب بأشكال مباشرة وغير مباشرة تنحي رئيس الحزب تحملا للمسؤولية في الخسارة في الانتخابات، لكنه لم ينجح ليثبت كليتشدار أوغلو حتى اللحظة سيطرته على المشهد داخل حزب الشعب الجمهوري بالرغم من احتمال تفكك تحالف المعارضة.
وبرر كليتشدار أوغلو ذلك بوجود انتخابات بلدية لا بد من التكاتف فيها لتأكيد الفوز كما حصل في 2019، وكان يرغب في إبقاء إمام أوغلو في السباق البلدي بعيدا عن منافسته في رئاسة الحزب.
يشير هذا الرفض والكلمات المختارة بدقة فائقة أن إمام أوغلو ما يزال يطمح لقيادة حزب الشعب الجمهوري. وبهذا المعنى فإن معركة إمام أوغلو وكليتشدار أوغلو على رئاسة الحزب لم تنته بعد
وكما يعلم المتابعون فإن الانتخابات البلدية في تركيا ستجرى في مارس 2024 ولهذا فإن رئيس الحزب أشار أنه يرغب في أن يركز إمام أوغلو على العمل في البلدية، ولعل أحد أهداف ذلك كما ذكرنا هو إبعاده عن التنافس على رئاسة الحزب والحفاظ على البلدية في ظل أن ترشيح أي مرشح آخر قد لا يجلب معه ضمانات بتكرار الفوز.
وفي هذا السياق خرج أكرم إمام أوغلو بتصريح غير واضح تماما حيث قال "أستعد للدفاع مجددا عن إسطنبول" ولم يقل أنا مرشح لرئاسة بلدية إسطنبول. وعندما تم سؤاله عن ترشحه رسميا رفض الإعلان رسميا بحجة أن ذلك ليس مناسبا الآن.
يشير هذا الرفض والكلمات المختارة بدقة فائقة أن إمام أوغلو ما يزال يطمح لقيادة حزب الشعب الجمهوري. وبهذا المعنى فإن معركة إمام أوغلو وكليتشدار أوغلو على رئاسة الحزب لم تنته بعد. ويتأكد ذلك إذا علمنا أن كليتشدار أوغلو علم عن موقف إمام أوغلو هذا من شاشات التلفاز حيث إن كليتشدار أوغلو لم يرد على اتصالات إمام أوغلو.
قد لا تكون المعركة ثنائية بين كليتشدار أوغلو وإمام أوغلو على الرئاسة، فقد يستمر إمام أوغلو في مسار بلدية إسطنبول حاليا لكنه سيدعم شخصا آخر لرئاسة حزب الشعب الجمهوري بدلا من كليتشدار أوغلو، وقد يكون هذا الشخص هو أوزجور أوزال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري.
وقد يكون هذا المسار مؤقتا بحيث يؤجل إمام أوغلو معركة رئاسة الحزب إلى ما بعد انتخابات البلدية، حتى يحصل على دعم الحزب من زاوية، ومن زاوية أخرى يدرك إمام أوغلو أنه إذا خسر البلدية فإنه سيخسر كل أوراقه في المنافسة في الحزب أو ما بعد الحزب إذا كانت عينه على الانتخابات الرئاسية بعد 5 سنوات. ووفق هذا المسار فإن إمام أوغلو يرى أن فوزه ببلدية إسطنبول سيوصله إلى رئاسة الحزب وإلى رئاسة الدولة بشكل أسهل أما إذا خسر فإنه يفقد ذلك بشكل كبير.
لم يكن إمام أوغلو على قدر الطموح بالنسبة لجزء مهم من سكان إسطنبول، مع مشاهد الباصات المتعطلة على الطرقات وأزمة الثلوج التي ما زالت عالقة فضلا عن خلافه مع جماعة كليتشدار أوغلو داخل حزبه
حتى الآن يبدو إمام أوغلو مرشحا لبلدية إسطنبول خياراً ممتازاً لحزب الشعب الجمهوري الذي يبدو أنه فقد الكونترول على تحالف الطاولة السداسية، حيث يميل الحزب الجيد إلى خوض الانتخابات منفردا على الأقل حتى اللحظة، ولكن بحكم قوة العلاقة بين إمام أوغلو وميرال أكشينار زعيمة الجيد قد يحصل إمام أوغلو على دعمها. (على كل الأحوال قد لا يحدث ما حدث في 2019 لأن تبعات انتخابات 2023 قدمت مدخلات جديدة لها آثار على آفاق التحالف).
على الجانب الآخر لم يكن إمام أوغلو على قدر الطموح بالنسبة لجزء مهم من سكان إسطنبول، مع مشاهد الحافلات المتعطلة على الطرقات وأزمة الثلوج التي ما زالت عالقة فضلا عن خلافه مع جماعة كليتشدار أوغلو داخل حزبه.
ما تزال أيضا القضية القانونية ماثلة أمام إمام أوغلو والتي قد يتم تفعيلها في أي لحظة، ولكني لا أعتقد أنه سيتم اللجوء لها قبل الانتخابات على الأقل.
باختصار أعطى إمام أوغلو الأولوية في مساره المستقبلي حاليا لفوزه ببلدية إسطنبول، ولكنها ليست نهاية المطاف بالنسبة له بل هي خطوة على طريق الوصول لرئاسة الحزب، ومن بعدها رئاسة الجمهورية أو الاتفاق على مرشح حليف له في رئاسة الحزب يسهل صعوده كمرشح عن الحزب للرئاسة لاحقا.