أصدرت المحكمة الجنائية الابتدائية السابعة في إسطنبول، الأربعاء، حكمها بسجن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، الذي ينص على سجنه لمدة عامين و7 أشهر و15 يوماً، وحرمانه من العمل السياسي خلال فترة العقوبة، مما أثار جدلاً واسعاً في أوساط السياسيين والإعلاميين الأتراك.
وفي هذا الصدد ظهرت تساؤلات عدة حول قطعية الحكم، ووقت تنفيذه بحق "إمام أوغلو" وعما إذا كان سيفقده منصبه في رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى الذي حصل عليه وفق انتخابات نتائج حزيران من العام 2019، وهل يحرمه من حقه في الترشح إلى منصب رئاسة الجمهورية التركية أو الانتخابات النيابية عن حزبه الشعب الجمهوري (CHP) المعارض.
أجاب الصحفي التركي غوكجار طحينجي أوغلو عن الأسئلة المطروحة في مادة تحليلية نشرها على موقع (T24)، حيث سرد فيها تأثير قرار المحكمة على حياة "إمام أوغلو" السياسية، موضحاً تفاصيل القرار وكيفية تطبيقه على أرض الواقع.
وأشار الكاتب الصحفي إلى أن القرار يمنع "إمام أوغلو" من ممارسة حقوقه السياسية، مثل حق التصويت والترشح للانتخابات خلال فترة عقوبته البالغة سنتين و7 أشهر و15 يوماً، إلا أن قرار المحكمة لا يعتبر نهائياً، إذ يستطيع "إمام أوغلو" إطالة مدة البت في القرار عبر الاستفادة من قانون أقره حزب العدالة والتنمية (AKP) عام 2019 فيما يخص قضايا الإهانة، والذي ينص على إدراج قضايا التشهير والإهانة ضمن مهام المحكمة العليا، وذلك يستطيع المدعي عليه عرض القضية على المحكمة العليا بعد قرار محكمة الاستئناف.
قانون العدالة والتنمية.. وإمام أوغلو أول المستفيدين
وأوضح أن قانون "التشهير" بحق رئيس الجمهورية والمسؤولين الحكوميين الذي مرره حزب العدالة والتنمية، سيمكن "إمام أوغلو" من اكتساب المزيد من الوقت لعرض الحكم على محكمة الاستئناف والمحكمة العليا، وبذلك يستطيع الترشح للانتخابات المقبلة، إلا في حال صدق على القرار من قبل المحكمتين قبل بداية الانتخابات، أي في الأشهر الخمس المقبلة، وهو ما يصعب تحقيقه، بسبب ارتفاع متوسط معالجة القضايا في محاكم الاستئناف وحدها قرابة العام على أقل تقدير، ويمكن أن تصل إلى العام ونصف العام.
وأشار الصحفي إلى أن المشكلة لا تكمن في تطبيق الحكم نفسه، بل فيما بعد الحكم، إذ وفق الدستور يمنع على الأفراد الذين حكم عليهم بالسجن أكثر من عام واحد من الدخول والترشح في الانتخابات، وهو ما يتوافق مع قانون انتخابات البرلمان وقانون الإدارة المحلية، وهو ما يهدد مستقبل "إمام أوغلو" السياسي، إلا أنه ما يزال الأمر غير حاسم إلى حين صدور قرار محكمة الاستئناف والمحكمة العليا.
وبموجب قرار المحكمة، فيما لو صُدق عليه، يفقد "إمام أوغلو" منصبه في رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، ويجب على أعضاء المجلس البلدية اختيار رئيس جديد عوض عنه، والذي يشكل حزب العدالة والتنمية الغالبية فيه، وبذلك يمكن أن يخسر حزب الشعب الجمهوري رئاسة البلدية، التي تعتبر من أهم المكاسب السياسية للحزب.
واستذكر الكاتب قضية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي تسببت له بالسجن ومنع من ممارسة العمل السياسي، حيث صدر حكم بالسجن على الرئيس التركي بعد القصيدة التي ألقاها في شهر كانون الأول عام 1997 في مدينة سيرت في أثناء توليه منصب رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، وصدر قرار بسجنه وصدق عليه بتاريخ أيلول 1998، أي بعد نحو 9 أشهر من إلقائه القصيدة، وأصبح محظوراً عن العمل السياسي وجرد من منصبه وسجن لمدة أربعة أشهر.
العدل التركية: الاستئناف مفتوح
أدلى وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، بتصريحات أمس الخميس خلال اجتماع للجنة مراقبة العنف ضد المرأة، حول قرار المحكمة بسجن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو ومنعه من المشاركة في الحياة السياسية.
وأكد "بوزداغ" في حديثه بأن القرار لا يعني أن "إمام أوغلو" سيواجه سجناً نهائياً أو حظراً سياسياً نهائياً: "يوجد تصور كما لو أن قضية الحظر السياسي وعقوبة السجن قد حسمت، في دولة القانون يمكنك الاعتراض على قراراتها عبر سلك طرق الاستئناف والطعن".
وشدد بوزداغ على استقلالية القضاء قائلا: "تمارس السلطة القضائية من قبل محاكم مستقلة ومحايدة، وتلويث القضاء بالسياسة في نهاية كل محاكمة يضر أيضا بقضائنا"، وتابع: "المسارات (القضائية) مفتوحة وتعمل بطريقة صحية" داعياً إلى ترك القانوني للمضي في سياقه.
"عقوبة على نجاحاتي"
واعتبر رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، على قرار المحكمة بسجنه ومنعه من مزاولة العمل السياسي، بمنزلة العقاب على نجاحاته وإنجازاته خلال فترة ترأسه البلدية.
وذلك خلال وضعه حجر الأساس لمركز رعاية وتأهيل المسنين في منطقة السلطان أيوب بحضور زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، ورئيس فرع الحزب في ولاية إسطنبول جانان كافتانجي أوغلو، ورؤساء البلديات التابعة للحزب.
وعلق "إمام أوغلو" على قرار المحكمة بالقول: "في بعض الأحيان لا يمر أي نجاح من دون عقاب في بلدنا، فأنا أرى أن هذه العقوبة لا معنى لها، وبأنها تُمنح لي كمكافأة على نجاحي، وأعلم جيداً أنهم غاضبون مني لم أسمح بتنفيذ مشاريعهم المسرفة".
وتابع: "مواجهة العالم لا تكون بارتداء رداء القضاء وضرب الناس، بل مواجهة العالم تكون بالعقل والعلم، وبما أن هذه الأمة لن تتخلى عن حقوقها، فسوف نثبت ما الفرق بين الغطرسة والشجاعة، مع أمتنا ورئيسنا (كليتشدار أوغلو) وقادتنا السياسيين الآخرين على طاولة الستة".
وأكد "إمام أوغلو" في كلمته على أن عام 2023 سيكون جميلاً: "سنعمل بجد، وسنواصل القيام بمهامنا من إسطنبول، سنبقى على رأس عملنا.، وسيكون عام 2023 بمنزلة العيد".
جدال تحت قبة البرلمان
ناقش البرلمان التركي قرار المحكمة الصادر بحق "إمام أوغلو" بحضور نواب حزب الشعب الجمهوري (CHP)، ونواب حزب الحركة القومية (MHP)، ونواب حزب العدالة والتنمية (AKP).
وقال رئيس الكتلة النيابية عن حزب الشعب الجمهوري، دوغان سوباشي، الذي ينتمي إليه "إمام أوغلو" في اجتماع البرلمان: "لا أنوي الحديث مطولاً عن هذا الموضوع، لكن لنضعه تحت عنوان قصير جداً، أرى أن هذا القرار هو قرار سياسي وليس قانونياً".
وأضاف: "لن يؤثر علينا هذا القرار بأي شكل من الأشكال، لا على مزاجنا وعلى عزمنا، وسنستمر في طريقنا. كان رئيس بلديتنا صباحاً في حفل وضع حجر الأساس لأحد المشاريع، وسيستمر على هذا المنوال".
بينما انتقد رئيس الكتلة النيابية عن حزب الحركة القومية، فولكان يلماز، التظاهرات التي دعت إليها المعارضة التركية لمعارضة قرار القضاء: "اجتمعنا البارحة تحت قبة البرلمان، ونجتمع اليوم أيضاً تحت قبة البرلمان، ولكن اليوم تخرج مظاهرات أمام مباني الخدمة العامة. أود أن أشير إلى أنه ليس من الصحيح القيام بذلك أمام مبنى الخدمة العامة عندما يكون هناك ساحات يني كابي وساحة مالتيبي".
وأكد رئيس الكتلة النيابية عن حزب العدالة والتنمية، محمد توفيق غوكسو، على أن القرار الذي اتخذته المحكمة يعتبر قراراً أولياً وليس نهائياً، ولم ينتج عنه نتيجة قانونية أو إدارية بعد: "العملية القضائية ما تزال مستمرة، ولا توجد إدانة نهائية أو حظر سياسي بحق رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، وفي حين أن هذا الوضع واضح للجميع، إلا أننا نرى جهودكم لتحقيق نتائج سياسية من خلال جلب التنافس السياسي الداخلي والصراع إلى ساحة سراجان كمثال".