بعكس تيار التغريد المختصر، ولغة البرقيات والرموز، والاستعجال، المسيطر على عالم اليوم، اختارت شابة سورية أعمق الآداب وأطولها نفساً، وهو أدب الرواية، لتعبر عن صدمتها بعصرها الغارق في القلق والقسوة.
"فاديا اعزازي"ابنة إدلب، كتبت أول رواية لها، باسم "إلى حيث أنتمي" بعمر 22 عاماً، وهو عمر يكاد يكون صغيراً على قراءة الروايات الجادة، فكيف بكتابتها.
سكبت فاديا في روايتها مشاعرها، وأحداثا كبيرة عاشتها، وألحت على إظهار هويتها الشخصية والوطنية، وبنت شخصيات وأحداثاً وحوارات قريبة من الواقع، لدرجة يظن فيها قارئ الرواية أن الكاتبة تتحدث عنه، أو أنها اطلعت على مذكراته الشخصية وأدخلتها في الرواية.
ورغم بساطة لغة الرواية وسهولتها، إلا أنها ليست مجرد سرد للوقائع وكأنها جريدة يومية أو سجل حوادث، وإنما هي تعكس صراعات عاشتها الكاتبة، وأسئلة جوهرية تطرحها دون أن تجد لها جواباً شافياً. أسئلة لها علاقة بالهوية والانتماء والثقافة، وعلاقة كل ذلك بالمكان، وتحديات تعدد الهويات والانتماءات والثقافات والأمكنة.
"هل المكان يستحق منا البقاء؟"
تدور أحداث الرواية حول سيدة اسمها "مينا"، يخونها زوجها، فيكون ردها على الخيانة بمحاولة تغيير مكان وجودها، والبحث عن مكان يشبه المكان الذي عاشت فيه طفولتها، تبدأ مينا برحلة الأماكن التي لا تشبهها سعيا للوصول إلى مكان يشبهها.
تقول فاديا اعزازي لموقع تلفزيون سوريا: "هناك عقبات تواجه مينا بطلة الرواية وتقف عثرة في طريقها، أهمها شخصية إشكالية، لن أكشفها لكم كيلا أفسد عليكم متعة وتشويق القراءة. سيرى القارئ بالنهاية إن كانت مينا ستحقق السلام الداخلي والانعتاق الذي تطمح له أم لا".
ورداً على سؤالنا عن كيفية دخولها عالم الرواية، وعن دافعها للكتابة، قالت اعزازي: "الدافع للكتابة كان إلحاح الشخصية الرئيسية مينا على ذهني. لقد ظهرت كومضة في خيالي، ولم تغادره، وإنما جعلتني أسهر ليالي لأكمل رسم هذه الشخصية في مخيلتي.. فأنا لا أعرف سوى أن مينا تنحدر من أب سوري وأم كورية، هذه هي الومضة التي أشعلت أسئلة كثيرة في ذهني لم أجد طريقة لإفراغها إلا في رواية طويلة".
ومع أن الكاتبة لم تضع خطة مسبقة لتحديد الجمهور المستهدف في الرواية، إلا أن الرواية خرجت وكأنها تخاطب وتستهدف جيلاً من الشباب الذين يبحثون عن هويتهم ومكانتهم في المجتمع، والموجودين في أماكن لا تشبههم، ولديهم حيرة في انتمائهم للأماكن التي وجدوا بها قسراً نتيجة الحرب التي دمرت بلدهم، ويفكرون بشكل دائم بمغادرة هذه الأماكن بحثا عن الأمان، ويتسائلون بكل مرارة: هل المكان يستحق منهم البقاء أم لا؟.
كما تحمل الرواية كماً كبيراً من العاطفة تجاه الأمهات وتضحياتهن بذاتهن، من أجل توفير حياة كريمة لأبنائهن. تصف فاديا لنا إحدى هذه الأمهات بقولها: "إحدى الأمهات لديها موهبة رسم كبيرة، أهملتها بسبب ظروفها في المهجر وعدم استقرارها، وتكريس كل حياتها لابنها".
ما ردود فعل القراء؟
أثار جمع الثقافتين الكورية والسورية في الرواية فضول القراء لاستكشاف وفهم ثقافة لم يسبق أن تعرفوا عليها، ولم يسبق أن شاهدوا أمثلة حية على نتائج امتزاجها بالثقافة العربية. فقلة قليلة فقط هم من سبق وتعرفوا على الثقافة الكورية، وأقل منهم من سبق وعرفوا زوجين أحدهما من سوريا، والآخر من كوريا.
وحول ردود الفعل تخبرنا فادية اعزازي "التقيت بقراء لروايتي بعد قراءتها، الانطباعات الإيجابية كانت بسبب سلاسة وانسيابية النص واتساق وانسجام التنقل بين الفصول، أما الانطباعات السلبية فتدور كلها حول هفوات في التنقيح والطباعة والإملاء".
وختمت الروائية فاديا اعزازي حديثها بالتشديد على أن عالم الرواية يتطلب الصبر والتفاني في الكتابة والقراءة بغزارة، والاقتراب من الناس، والاستماع إليهم، وقراءة وجوههم وحركاتهم لاستشفاف ما في دواخلهم، كما أن البحث عن دار للنشر أمر في غاية الأهمية.
اقرأ أيضا: الروائية مي جليلي: الرقيب يجلس على كتفي خلال الكتابة
فاديا عرفت بشغفها للقراءة منذ نعومة أظفارها، وكانت تحلم أن تكون روائية تستطيع من خلال كلماتها أن تلامس القلوب وتحمل رسالة، وتسجل تجاربها وتجارب من حولها، ومشاعرها الشخصية.
شغفها بالكتابة والتعليم وإرادتها لتحقيق التغيير جعلاها تخصص جزءا من منزلها في مدينة مرسين التركية لمحو أمية الأطفال الذين فاتتهم فرصة التعليم، حيث بدأت الفكرة من تعليم طفلة سورية عمرها 12 عاماً لتتطور الفكرة ويصل العدد إلى 47 طالبة.