تلقى تنظيم "داعش" في 28 من شهر كانون الثاني الماضي ضربة موجعة في محافظة درعا جنوبي سوريا، تمثلت في مقتل أحد الأذرع الرئيسية للتنظيم، المدعو أسامة شحادة العزيزي (أبو الليث) الذي كان يشغل منصب "والي حوران"، بعد ساعات من المواجهات المباشرة مع فصائل ومجموعات محلية هاجمت منزلاً كان يتحصّن داخله في مدينة نوى.
ولقي "العزيزي" مصرعه، بعد عام مضى على نشر موقع تلفزيون سوريا لتحقيق خاص، كشف فيه عن هوية "العزيزي" الذي يشغل منصب أمير "داعش" في الجنوب السوري وعضو مجلس شورى التنظيم.
وينحدر "العزيزي" من بلدة الشجرة غربي درعا من مواليد 1982، يكنى بـ (أبو الليث العزيزي) وله ألقاب عديدة أشهرها "الشايب"، وكان قد خرج عدة مرات عبر حواجز قوات النظام السوري إلى العاصمة دمشق، بوثيقة "إيصال طلب الحصول على بطاقة شخصية حديثة" تحت اسم "جمال عبد الرحمن العلي" وهو شقيق زوجته، الذي قتل بالقصف الروسي على حوض اليرموك غربي درعا في وقت سابق من العام 2018.
بعد أيام من مقتل "العزيزي" بدأت تتكشف تفاصيل إضافية عن سيرته وعمله داخل التنظيم، إذ بدأ عمله كإعلامي، ثم تدرج في المناصب إلى أن أصبح "والياً"، إلا أن خطأ أمنياً صغيراً كان كافياً لمعرفه موقعه والقضاء عليه، والأهم من ذلك، بدأت معالم العلاقة الوثيقة بين خلايا التنظيم في حوران والنظام السوري تتوضح شيئا فشيئا.
إعلامي برتبة "خليفة"
نشر "تجمع أحرار حوران" المتخصص بأخبار محافظة درعا جنوبي سوريا، تقريراً، جاء فيه، أن "العزيزي" كان ممن بايع تنظيم داعش مبكراً، مع إعلان لواء شهداء اليرموك بيعته للتنظيم عام 2015، وتحوله إلى اسم "جيش خالد بن الوليد"، ليكون العزيزي أبرز إعلاميي التنظيم، إذ أشرف عام 2017 على الإصدار المرئي الأهم لجيش خالد بن الوليد بعنوان "حصاد الحنظل"، حيث ظهر صوته فيه معلقاً على الأحداث.
ومع سقوط داعش في حوض اليرموك، نهاية تموز 2018، اختفى العزيزي مع العديد من قيادات وعناصر التنظيم، ليظهر لاحقاً كعضو مجلس شورى التنظيم في حوران، ومع وصول أبو الحسن الهاشمي القرشي، ليكون ثالث خلفاء التنظيم، تم تولية العزيزي منصب "والي حوران".
وبذلك أصبح العزيزي أحد أهم أركان التنظيم، وقد جعل من محافظة درعا، مقراً لخلافة التنظيم، وذلك بإقامة القرشي في مدينة جاسم بريف درعا تحت اسم "أبو عبد الرحمن العراقي".
وبعد عملية التسوية عام 2018، ووصول أسامة العزيزي لمنصب والي حوران في تنظيم داعش، اتجه العزيزي -الإعلامي أصلاً لدى داعش- إلى انتهاج أسلوب إعلامي جديد، يتخذ منهجاً وسطاً في طرح المواضيع من جهة، لكن في الوقت نفسه يسعى من خلاله لبث الفتنة بين أبناء حوران وإيقاع العداوة بينهم، وإظهار نهج التنظيم المتطرف على أنه النهج السليم، من خلال مهاجمة كل الأطراف في حوران.
وفي غضون ذلك، تمكّن العزيزي من اختراق مجموعات محلية بعد شرائها بالمال بهدف التنسيق المشترك معها ضد أهداف مشتركة، عرف منها مجموعة محمد المسالمة الملقب (هفّو) ومؤيد حرفوش (أبو طعجة) في حي طريق السد سابقاً، ومجموعة قاسم نميران الصبيحي، المعروف محلياً بـ "أبو طارق الصبيحي" في بلدة المزيريب.
وكان من أبرز الصفحات الإعلامية الرديفة للتنظيم، والتي كان أحد المسؤولين عنها العزيزي، ما عرفت باسم (درعا بلحظة)، حيث نشطت على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة من خلال قناتها على تلغرام، إضافة لصفحة رديفة أخرى باسم (كواسر حوران) يديرها كل من قاسم القرقطي، المرافق الشخصي لأبو طارق الصبيحي، ونزار أحمد الحريري المقيم في دولة ليبيا.
هناك عوامل عديدة جعلت من العزيزي أحد أهم قادة التنظيم، أبرزها علاقته بخليفة داعش، وقدرته على قيادة التنظيم في الجنوب بطريقة "احترافية"، ولكن نتيجة لخطأ أمني صغير تم اكتشاف مكانه حيث قُتل في نهاية الأمر، وبحسب التجمع، فإن ما يلقب أبو الليث، أو الشايب، لم يكن يعلم أن نهايته قد اقتربت، وبطريقة بسيطة على الرغم من التدابير الأمنية العالية التي يتبعها مع مجموعات التنظيم ذاته.
تفاصيل قتل "رأس الهرم"
وخلال يوم 27 كانون الثاني الفائت، هاجمت مجموعات محلية في مدينة نوى، بعضها مرتبط بالأمن العسكري، وأخرى مستقلة، برفقة اللواء الثامن التابع إدارياً للأمن العسكري، واللجان المركزية، أحد المنازل في مدينة نوى، بناءً على اعترافات قيادي في تنظيم داعش، أشار إلى وجود مجموعة عناصر يتبعون للتنظيم في خمسة منازل تعتبر مقار لهم، ليتم فيما بعد اكتشاف وجود أسامة العزيزي في أحد هذه المنازل.
وسبق مقتل العزيزي بأيام قليلة، اعتقال مجموعة محلية في مدينة إنخل للمدعو سليمان خالد عرنوس، من بلدة عين زيوان في القنيطرة، والمعروف لدى التنظيم باسم "أبو وليد عين زيوان"، بعد دخوله لأحد المحال التجارية في المدينة.
وخضع عرنوس لتحقيقات مطوّلة، لمعرفة أي معلومات ممكنة عن التنظيم، وبحسب "تجمع أحرار حوران"، فإنه تمكن من الاطّلاع على التحقيقات بشكل كامل، ووفق المصدر، فإن عرنوس لم يكن يعلم أي تفاصيل عن العزيزي سوى أنه والي حوران في التنظيم، لكن معلومة صغيرة كان عرنوس يعلم بها، قادت المجموعات المحلية إلى العزيزي بالصدفة، فخلال التحقيقات مع عرنوس، قال إن التنظيم لديه خمسة منازل في مدينة نوى تدعى (المضافات) وهذه المضافات عادة مخصصة لاستقبال عناصر التنظيم خلال تنقلاتهم بشكل دوري.
وبدأت المجموعات المحلية بمداهمة المنازل تباعاً، لتجد أن هناك مجموعة من عناصر التنظيم تتحصن في منزل يقع ضمن الحي الشمالي لمدينة نوى، وبمجرد طرق الباب على الأشخاص، بدأ إطلاق النار من داخل المنزل وخلال الاشتباك تمكن أحد عناصر المجموعات المحلية من التعرف على العزيزي، وبعد ساعات من الاشتباكات، انتهى الأمر بمقتل العزيزي وبرفقته 5 عناصر من التنظيم.
معلومات عن الهيكلية الإدارية والتنظيمية
قال التجمع، إنه وبعد سقوط تنظيم داعش في حوض اليرموك بدرعا، استطاع التنظيم كبقية "التنظيمات الجهادية" التكيف مع الواقع الجديد، سواء من الناحية الميدانية أو الهيكلية الإدارية والتنظيمية، وحتى الاقتصادية، فلجأ إلى تشكيل مجموعات متناهية الصغر، إضافة إلى الهجمات الفردية التي تسمى في عقيدة التنظيم "الذئاب المنفردة"، وبعد تسلّم أسامة العزيزي، السلطة للتنظيم في حوران، قام بتقسيمها إلى قسمين.
يشمل القسم الأول منطقة الجيدور والقنيطرة، ووضع نائباً له عليها هو ابن شقيقه، ويدعى أبو علي الغريب وله لقب آخر يدعى أبو علي الدكتور، والثاني يشمل بقية المناطق إلى الجنوب من درعا ووضع نائباً له عليها يدعى شداد المقدسي.
وتشير اعترافات عرنوس، إلى أن أبو علي الغريب يتنقل بين الصنمين، وكفرشمس، تحت حماية المدعو محسن الهيمد، وهو أحد رجال اللواء كفاح ملحم رئيس شعبة المخابرات العسكرية سابقاً، ورئيس مكتب الأمن الوطني الحالي في النظام السوري، وقد جاءت معلومات عرنوس بناء على تبعيته التنظيمية للغريب، حيث كان يتلقى الأوامر منه بشكل مباشر.
واستطاع تنظيم "داعش" في درعا إنشاء هيكلية مختلفة عمّا كانت عليه خلال سيطرة جيش خالد بن الوليد والتي كانت تعتمد آنذاك على تقسيمات متعددة ومتخصصة، ولكل تقسيم أميره الخاص، لكن حالياً هناك تقسيم أكثر بساطة يعتمد على الوالي ونائبيه للمنطقتين الرئيسيتين، إضافة إلى أمراء جدد هم (أمراء الطرقات)، وهؤلاء يتم اختيارهم بحيث يكون كل أمير من مدينته أو بلدته، ويكون على معرفة كاملة بالطرقات للتنقل والحركة، وبالأشخاص من أجل تنفيذ عمليات الاغتيال.
كيف تحصل مجموعات التنظيم على المال؟
تفيد المعلومات، بأن اقتصاد تنظيم داعش في درعا يعتمد على العديد من الموارد التي تجعله قادراً على الاستمرار، فلا يزال التنظيم يتلقى حصته المالية من قيادته بشكل شهري، ويقوم أحد القيادات باستلامها من منطقة البادية السورية التي تعتبر أكبر معاقل التنظيم حالياً.
إلى جانب ذلك، هناك نشاطات تجارية للتنظيم، إذ يمتلك العديد من المحال التجارية في محافظة درعا ويديرها أشخاص لحساب التنظيم، إضافة إلى الحوالات المالية التي تصل من العديد من الدول إلى قيادات التنظيم.
وكذلك يعتمد التنظيم على عمليات السلب والسرقة والخطف، حيث سبق وأن قام كل من أسامة العزيزي وأبو عبد الرحمن العراقي – زعيم التنظيم الذي قتل باشتباكات جاسم عام 2022 – بالتخطيط لحادثتي قتل صائغي ذهب في درعا، أحدهما ياسين تركي النحاس في مدينة داعل بتاريخ 3 تشرين الثاني 2020 عندما كان عائداً إلى منزله في سيارته الخاصة ليلاً تم مهاجمته وإطلاق النار عليه من قبل عناصر يتبعون للتنظيم، ما أدى لمقتله وسرقة سيارته وما تحتويه من الذهب قُدّر بـ 16 كغ، إضافة إلى 30 مليون ليرة سورية كانت بحوزة الضحية في السيارة.
وطالت عملية الاغتيال الأخرى محمد سعد الدين الدراوشة وابنه زين في بلدة الغارية الشرقية، بتاريخ 15 تموز 2021، ثم سرقة 2 كيلو غرام من الذهب من قبل عناصر التنظيم، لينفضح أمر المنفذين عبر زوجة أحدهم، ثم قتلوا بعمليات متفرّقة فيما بعد، وهم: سيف الديري من مدينة الشيخ مسكين، نور نبيل الرفاعي من الشيخ مسكين، أحمد عطالله أبو حصيني من بلدة تسيل.
علاقة متجذرة بين داعش والنظام السوري
واعترف عرنوس بأن جرحى تنظيم داعش في مدينة جاسم -قبيل الحملة على مقار التنظيم عام 2022- كان يتم إسعافهم عبر حواجز النظام العسكرية، كما أكدت الاعترافات، أن التنظيم فصل أحد عناصره في قطاع مدينة نوى بسبب قتله لعنصر من قوات النظام السوري في محيط المدينة دون الرجوع إلى قيادة التنظيم، ثم أعاده الأخير للعمل في صفوفه فيما بعد.
وفي 7 كانون الثاني الفائت، قُتل عمران الكردي أحد عناصر مجموعة محلية تعمل لصالح المخابرات الجوية التابعة للنظام في بلدة المسيفرة شرقي درعا، خلال اشتباكه مع عناصر من تنظيم داعش بسبب خلاف حصل فيما بينهم على طريق الكرك الشرقي – المسيفرة، قتل على إثرها أيضاً أحد طواقم تنفيذ الاغتيالات لدى التنظيم يدعى محمد عدنان العوض، من مدينة الشيخ مسكين.
وتشير المعلومات إلى أن العوض (لقبه بتّار) كان يقيم مع عناصر آخرين من التنظيم في بلدة المسيفرة، تحت حماية مباشرة من قبل مجموعة محلية تعمل لصالح المخابرات الجوية في النظام السوري.
وشدد التقرير، على أن عدداً من عناصر وقيادات التنظيم يتنقلون في الريف الشرقي لدرعا تحت حماية مباشرة من قبل المقدم علاء المسؤول عن حواجز ومقار المخابرات الجوية في الغرايا والمسيفرة والكرك الشرقي.
ومن أبرز أمراء التنظيم المسؤولين عن القطاع الشرقي: حسان إبراهيم الحريري، لقبه لدى التنظيم (عطا الشامي)، ينحدر من بلدة بصر الحرير، وهو من سكان منطقة الحجر الأسود سابقاً، ويعتبر المسؤول الأول عن ملف الاغتيالات في المنطقة، ومن مرافقيه، عنصر يدعى سامح سليمان الزامل، من مدينة الحراك، سبق أن كشف عن ارتباطه بمليشيا حزب الله اللبناني عام 2019 عقب تنفيذه عدة محاولات اغتيال في المدينة.