أثار إعلان القيادة المركزية الأميركية مقتل "أبو الحسن الهاشمي القرشي" زعيم تنظيم "الدولة" على يد الجيش السوري الحر في درعا، التساؤلات حول عدم كشف "أبو عمر المجاهد" المتحدث باسم التنظيم عن مكان وزمان الحادثة التي وقعت في جاسم شمالي درعا.
جاء الإعلان على لسان "المجاهد" خلال كلمة صوتية بعنوان "فليقتُلوا ويقتلوا" مكتفياً بنعيه وتنصيب زعيم آخر يدعى "أبو الحسين الهاشمي القرشي"، دون ذكر أي تفاصيل إضافية، وذلك عقب شهر ونصف من تاريخ مقتله في محافظة درعا جنوبي سوريا.
مصدر قيادي سابق في فصائل المعارضة في مدينة جاسم، تحدث لموقع تلفزيون سوريا، رافضاً الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن زعيم التنظيم "عبد الرحمن العراقي" الملقب بـ (سيف بغداد) قد قتل في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، في مدينة جاسم شمالي درعا، بعد ثلاثة أيام من شن أبناء المدينة بمساندة من اللواء الثامن وفصائل محلية، حملة أمنية استهدفت مقار ومنازل كان يتحصن بها قادة وعناصر التنظيم في المدينة ومحيطها.
وأضاف المصدر بأن جميع من شاركوا في حملة القضاء على التنظيم في منطقة جاسم هم من العناصر السابقين في فصائل الجيش الحر، نافياً ما تداولته وسائل إعلام موالية للنظام السوري عن مشاركة قوات النظام ضد تنظيم داعش.
وبحسب المصدر فقد قتل إلى جانب القرشي كلّ من القيادي "بكر الحمصي" والمنسق الأمني "أبو سليمان برقا" المنحدر من قرية برقا شمالي درعا، الذي كان يُنسب إليه إدارة الملف الأمني للتنظيم في محافظة الرقة حيث أشرف على إعطاء دورات أمنية لقادة في التنظيم، لاسيما تسلّمه فوج القعقاع الأمني في تلك الفترة.
مقتل القادة الثلاثة الذين كانوا يرتدون أحزمة ناسفة جاء من خلال تفجير المقاتلين المحليين في مدينة جاسم منزلاً كانوا يتحصنون به في المدينة، عبر تلغيمه وذلك بعد رفضهم تسليم أنفسهم للمجموعات المحلية، وفق القيادي.
وقتل أيضاً في معارك جاسم القيادي في تنظيم الدولة "وليد بيروتي" المعروف بـ (أبو حمزة الشامي) والمنحدر من مدينة طرابلس اللبنانية، وكان بيروتي المرافق الخاص للقائد العسكري للتنظيم "أبو سالم العراقي" في السابق.
القرشي إلى جاسم.. ما الهدف؟
وأكد ناشطون محليون في مدينة جاسم لموقع تلفزيون سوريا، أن القرشي دخل إلى مدينة جاسم قبل نحو عام ونصف عن طريق وسطاء في محافظة درعا، وكان يستخدم اسم "عبد الرحمن العراقي" بين عناصر التنظيم بهدف التمويه، ليتضح فيما بعد أنه الزعيم المُبايَع للتنظيم في سوريا.
اقرأ أيضا: رويترز: القرشي زعيم تنظيم الدولة فجر نفسه بعد حصاره في درعا
يحمل القرشي الجنسية العراقية، وشغل عدة مناصب إدارية في التنظيم منذ تأسيسه في سوريا، وتنقل بين عدة محافظات سورية، لتكون محطته الأخيرة مدينة جاسم جنوبي سوريا، حيث تزوج فيها من امرأة تدعى "ميسون الصلخدي" التي رفض وجهاء المدينة تسليمها للنظام السوري بعد طلب ضباط من الأخير تسليمهم إياها، بحسب ما صرح به أحد أقاربها لتلفزيون سوريا.
وقال قريب "ميسون الصلخدي" إنها في مدينة جاسم ولم يتعرض لها أي أحد بسوء، نافياً الشائعات التي جرى تداولها عن تسليمها للنظام السوري، غير أنها تحدثت لوجهاء المدينة عن عدم معرفتها بعمليات القرشي وعمله الأمني في المنطقة.
"ازدادت عمليات الخطف والاغتيال في مدينة جاسم، وبعد تكشّف ضلوع عناصر من التنظيم خلف تلك العمليات دفع قادة المعارضة والوجهاء لإطلاق العمل العسكري الخاطف ضد خلايا التنظيم بهدف قطع الطريق على نظام الأسد الذي يحاول صبغ مناطق درعا بالسواد" وفق المصدر القيادي الذي تواصل معه موقع تلفزيون سوريا.
ولم يستهدف تنظيم "الدولة" طوال فترة وجوده في محيط مدينة جاسم وريف درعا الغربي قوات النظام، واقتصرت عملياته على استهداف قادة سابقين في الجيش الحر ومدنيين، ما يؤكد المعلومات عن وجود تنسيق بين قادة الصف الأول في التنظيم والنظام السوري، بحسب ناشطين من المنطقة.
ونشر القياديون في جاسم بياناً عقب الانتهاء من الحملة على التنظيم، ورد فيه أنّ "ثوار جاسم كانوا يراقبون تحركات عناصر التنظيم منذ عام 2019، وبعد عمليات الاغتيال التي طالت أكثر من 80 شخصاً في المدينة، من ضمنهم قياديون بارزون، وافتتاح التنظيم محكمة شرعية، قرروا على أثرها مهاجمة التنظيم في 14 من تشرين الأول".
يقع مقر المحكمة الشرعية، التي أنشأها التنظيم شمال محافظة درعا، في إحدى مزارع مدينة جاسم، المقر الذي كان يتخذه فصيل "أبابيل حوران" التابع للمعارضة مقراً عسكرياً لقواته قبيل سيطرة النظام السوري على المحافظة منتصف عام 2018.
وبحسب البيان فإنّ قياديي المدينة طلبوا المساعدة من اللواء الثامن شرقي درعا، وفصائل محلية غربي درعا، لحسم العملية العسكرية على التنظيم في جاسم.
وفي 22 تشرين الأول فجّر مقاتلون محلّيون في جاسم مزرعة تعود ملكيتها لزعيم التنظيم "عبد الرحمن العراقي" كان قد اشتراها بوساطة أحد أقارب زوجته "رامي محمد فالح الصلخدي".
المصدر القيادي في جاسم أكد أن "رامي الصلخدي" كان يعمل بشكل متخفٍ ضمن تنظيم داعش، وقام في الآونة الأخيرة بشراء عدد من العقارات في المدينة لصالح قادة التنظيم، كما ينسب لرامي مساهمته في إدخال عدد من عناصر تنظيم داعش إلى المدينة بالتنسيق مع ابن عمه "نضال الصلخدي" المرتبط بجهاز الأمن العسكري وبقيادات من حزب الله اللبناني والذي قتل مطلع شهر تشرين الأول الماضي بعملية اغتيال في المدينة.
ونشر "تجمع أحرار حوران" شريطاً مصوّراً في تشرين الأول المنقضي، تظهر فيه اعترافات "رامي" بشأن اجتماعه مع رئيس جهاز الأمن العسكري في مدينة درعا، العميد "لؤي العلي"، الذي طلب منه اغتيال شخصيات معارضة في مدينة جاسم.
وعثر على جثة "رامي الصلخدي" في 21 تشرين الأول المنقضي في الساحة العامة لمدينة جاسم، وتظهر عليها آثار إطلاق نار، بعد 4 أيام من احتجازه من قبل المجموعات المحلية في المدينة.
وثائق مزوّرة.. المرور عبر حواجز النظام
عثرت المجموعات المحلية خلال مداهمتها منازل كان يتحصن بها قادة وعناصر التنظيم في مدينة جاسم على عشرات الوثائق المزوّرة بينها 20 جواز سفر عراقياً فارغة المحتوى، إضافة لطابعة كان يستخدمها قادة التنظيم لاستصدار بطاقات شخصية وأوراق ثبوتية مزورة تتيح لهم ولنسائهم التنقل عبر الحواجز العسكرية التابعة للنظام السوري، معظمها بأسماء مدنيين متوفين.
تواصل موقع تلفزيون سوريا مع "أبو عبد الله جاسم" أحد المقاتلين الذين شاركوا في العملية العسكرية في مدينة جاسم، الذي حصل على وثائق توضح الهيكلية الإدارية للتنظيم في مناطق الجنوب السوري، مؤكداً أن عبد الرحمن العراقي المعروف باسم "أبو الحسن الهاشمي القرشي" كان يشغل منصب الأمير العام للتنظيم في سوريا، في حين يشغل المدعو "أسامة شحادة العزيزي" منصب أمير التنظيم في الجنوب السوري وعضو مجلس شورى التنظيم، و المدعو "أبو سالم العراقي" القائد العسكري للتنظيم في الجنوب السوري، قُتل في 9 آب الفائت بعملية نفذها مقاتلون سابقون في الجيش الحر غربي درعا.
وكشف "أبو عبد الله" أن "العزيزي" ينحدر من بلدة الشجرة غربي درعا من مواليد 1982، يكنى بـ (أبو الليث العزيزي) وله ألقاب عديدة أشهرها "الشايب"، خرج عدة مرات عبر حواجز قوات النظام السوري إلى العاصمة دمشق، بوثيقة "إيصال طلب الحصول على بطاقة شخصية حديثة" تحت اسم "جمال عبد الرحمن العلي" وهو شقيق زوجته، الذي قتل بالقصف الروسي على حوض اليرموك غربي درعا في وقت سابق من العام 2018.
"كما تم العثور على 3 بطاقات شخصية بصورة العزيزي وتفاصيل لشخص من دمشق عقب مداهمة المنزل الذي كان يسكنه في مدينة جاسم، إلى جانب المطبعة التي كانت بحوزته، ووثائق أخرى"، بحسب أبو عبد الله.
من جاسم إلى طريق السد.. التنظيم تحت الطلب!
في سؤال موقع تلفزيون سوريا عن مصير باقي عناصر التنظيم الذين فروا من جاسم، قال القيادي إن عشرات العناصر من تنظيم الدولة تمكنّوا من الهروب من مدينة جاسم منتصف تشرين الأول، وقسم كبير منهم توجه إلى حي طريق السد ومخيم درعا، إلى مقار تابعة لكل من "محمد المسالمة" الملقب بـ "هفو" و "مؤيد حرفوش" الملقب بـ "أبو طعجة" والقائد العسكري السابق للتنظيم في منطقة حوض اليرموك "يوسف النابلسي" المكنّى سابقاً بـ (أبو البراء) وحالياً بـ (أبو خالد).
يوسف النابلسي، المكنى بـ”أبو البراء” ينحدر من بلدة تل شهاب في ريف درعا الغربي، كان يشغل منصب رئيس مكتب الارتباط الخارجي لدى تنظيم داعش والمنسق الأول بين الخلايا الأمنية في مدن وبلدات المحافظة إبّان وجوده في معقل “جيش خالد بن الوليد” التابع للتنظيم في حوض اليرموك غربي المحافظة قبل سيطرة النظام عليها.
وأوضح القيادي أن إرسال الانتحاري "أبو حمزة سبينة" من قبل قادة التنظيم، لتفجير نفسه في منزل القيادي السابق في الجيش الحر "غسان أكرم أبازيد" في حي الأربعين بدرعا البلد كان المسمار الذي دق بنعش التنظيم في المحافظة.
التفجير الانتحاري في مضافة الأبازيد أسفر عن مقتل أربعة مدنيين وإصابة 5 آخرين بما فيهم القيادي "غسان أبازيد" بجروح متفاوتة.
وصدر عن عشائر درعا وأعيانها بياناً في 30 تشرين الأول اتهموا خلاله القيادي المعروف في تنظيم داعش “يوسف النابلسي” بوقوفه خلف عملية التفجير وتزعمه مجموعة محلية تسعى لإثارة الفتن والبلابل في مدينة درعا وزرع الشقاق والنزاع بين عشائرها وأهلها وتنفذ أجندات مشبوهة لصالح إيران وميليشيا حزب الله اللبناني.
واتهم "خالد أبازيد" (أبو عمر) قائد العمليات العسكرية ضد التنظيم في حي طريق السد، كلاً من هفو وحرفوش بإيواء قادة وعناصر من تنظيم داعش بينهم "النابلسي" الذين تم تجنيدهم من قبل المخابرات الجوية وإيران.
في 26 تشرين الثاني توفي القيادي أبو عمر متأثراً بجراحه التي أصيب بها إثر انفجار سيارة ملغمة فجّرها قادة المجموعات المحسوبة على تنظيم داعش إلى خط المواجهات مع المجموعات المحلية في حي طريق السد.
ويشير القيادي الذي تواصل معه موقع تلفزيون سوريا إلى أن تنظيم داعش خسر 80% من عناصره وقادته بدرعا خلال معارك جاسم وطريق السد، وبقي قسم قليل يجري ملاحقتهم من قبل عناصر المعارضة في محافظة درعا.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد قتلى العناصر والقادة المحسوبين على تنظيم داعش وصل إلى 47 قتيلاً خلال المعارك التي جرت في كل من مدينة جاسم وحي طريق السد بدرعا، بحسب ما أفاد به المحامي عاصم الزعبي، مدير مكتب توثيق الانتهاكات في تجمع أحرار حوران.
وقال الزعبي إن المجموعات المحلية المهاجمة للتنظيم قتل من عناصرها 15 شخصاً بينهم قياديان اثنان وإعلامي، مشيراً إلى توثيق مقتل 3 مدنيين بينهم طفل برصاص الاشتباكات بين المجموعات المحلية وخلايا التنظيم في حي طريق السد بدرعا.
وختم الزعبي أن العديد من من قادة تنظيم داعش أقدموا على تفجير أنفسهم بوساطة الأحزمة الناسفة التي كانوا يرتدونها بعد رفضهم تسليم أنفسهم للمجموعات المحلية، الأمر الذي شكّل عقبة في معرفة المزيد عن تفاصيلهم وبياناتهم الشخصية.
أميركا.. الجيش الحر قتل زعيم تنظيم الدولة
أعلنت القيادة المركزية الأميركية في بيان لها يوم الأربعاء الفائت 30 تشرين الثاني، أن "الجيش السوري الحر" هو من نفذ عملية قتل زعيم تنظيم “الدولة” في درعا.
في حين حذفت صحيفة الوطن السورية المقربة من النظام كلمة "الحر" خلال نقلها بيان القيادة الأميركية، ناسبةً العمل ضد تنظيم داعش لقوات النظام، الأمر الذي نفاه ناشطون محليّون بدرعا تواصل معهم موقع تلفزيون سوريا مؤكدين عدم مشاركة أي عنصر من قوات النظام في المعارك التي دارت ضد خلايا التنظيم في مدينة جاسم ومنطقة طريق السد في مدينة درعا.
وقبل يومين من مقتل "عبد الرحمن العراقي" على يد مقاتلي جاسم، في 17 من تشرين الأول الماضي، أعلنت قناة سما المقربة من النظام السوري مقتله بعملية أمنية، الأمر الذي اعتبره قيادي محلي في مدينة جاسم أنه محاولة تمويه من قبل النظام السوري لتهريبه خارج مدينة جاسم.
وجاء ذكر "الجيش السوري الحر" على لسان القيادة الأميركية للمرة الأولى منذ سيطرة النظام السوري على محافظة درعا منتصف عام 2018 والتي أعلنت فيها أميركا التخلي عن الجبهة الجنوبية في مواجهتها العسكرية لقوات النظام، وإعطاء الضوء الأخضر لروسيا بالمشاركة في القصف الجوي لصالح النظام السوري.
ويبقى التساؤل المنطقي، هل باتت أميركا تبحث عن بدائل لشركاء كانت تدعمهم كقوات سوريا الديمقراطية التي أعلنت وقف التنسيق مع واشنطن، أم أنها بداية مرحلة جديدة للجنوب السوري في مواجهات محتملة واسعة النطاق بين الجيش الحر من جهة، وتنظيم داعش والميليشيات الإيرانية من جهة أخرى؟