لأول مرة منذ أكثر من عقد على النزاع، صار الفلاحون في شمال غربي سوريا حيث يسيطر الثوار يسقون محاصيلهم بسهولة أكبر بفضل إعادة تأهيل بحيرة اصطناعية مهمة، وهذا ما أحيا الأراضي العطشى هناك.
أصبح الماء ينساب من جديد من بحيرة بالا الاصطناعية ليصل إلى أحد السهول الخصبة في منطقة إدلب، تلك المحافظة التي يعيش فيها ملايين الناس، معظمهم نزحوا خلال الحرب المدمرة التي عصفت بالبلد.
وعن ذلك يحدثنا محمد رمضان، 42 عاماً، وهو يسقي محاصيله في قرية بالا، فيقول: "قبل أكثر من عشر سنوات، انقطع تدفق الماء إلى البحيرة بسبب انقطاع الكهرباء" بما أن الكهرباء تعمل على تشغيل المضخات.
ولذلك، اعتمد الفلاحون على ماء المطر منذ ذلك الحين، لكن ذلك لم يكن كافياً لنجاح زراعة محاصيلهم بحسب رأي رمضان الذي أردف يقول: "أصبح الماء يتدفق اليوم من جديد بفضل الله"، فصار الفلاحون ينوعون في محاصيلهم لتشمل الباذنجان الكبير والفلفل بدلاً من الاكتفاء بالمحاصيل الأساسية.
عادت البحيرة إلى الخدمة بعد سنوات عانت فيها من مشكلات منها سوء الصيانة والضرر الذي أصاب بعض مرافقها بسبب القصف.
هذا ولقد جرى إصلاح المضخات في محطة قريبة وربطها بشبكة الكهرباء، وأجريت عمليات تنظيف وصيانة عليها بحسب ما أوردته السلطات هناك.
تعمل هذه البحيرة على تجميع مياه المطر في الشتاء، مع سحب المياه عن طريق الضخ من نهر العاصي القريب من تلك المنطقة.
تعتبر الزراعة المصدر الرئيس للدخل بالنسبة لأغلب من يعيشون في 60 قرية تقريباً ضمن سهل الروج وهو سهل أخضر واسع تزرع فيه أنواع مختلفة من المحاصيل الخضراء والذهبية والتي تشغل مساحات مستطيلة حول البحيرة.
يعلق على ذلك رمضان وهو يضخ الماء من قناة قريبة بقوله: "عندما عاد الماء للتدفق من جديد، عادت الحياة للروج بأكمله".
أين سنرعى أغنامنا؟
كانت المواشي ترعى بالقرب من البحيرة، في حين كان الأطفال يسبحون في القناة المجاورة.
وقبل إعادة تأهيل البحيرة، يحدثنا وليد محمدية، 40، عن الوضع، فيقول وهو يحصد الكوسا بحماسة بالغة: "كانت أمورنا تقتصر على زراعة الفول والطماطم، ولكن صار بوسعنا اليوم أن نزرع المحاصيل التي لم نستطع تحمل كلفة زراعتها من قبل"، ويضيف: "لقد عادت الحياة عندما تدفق الماء من جديد".
تتمتع البحيرة بسعة تخزينية قصوى تعادل 14.5 مليون متر مكعب كما أخبرنا تمام الحمود المسؤول عن مصادر المياه في المنطقة.
هذا ولقد سيطرت هيئة تحرير الشام التي تترأسها فصائل مسلحة كانت مرتبطة بفرع القاعدة في سوريا على قضاء إدلب الذي يشمل أجزاء من محافظتي حماة وحلب واللاذقية.
وعند الانتهاء من مشروع الترميم الذي سيكلف نحو 2.5 مليون دولار، سيصبح بمقدور البحيرة ري أكثر من عشرة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، مقارنة بالأربعة آلاف هكتار التي تروى اليوم حسبما قاله حمود، والذي أعرب عن أمله بأن يسهم تخزين الماء في زيادة المحاصيل الزراعية، خاصة القطن الذي يحتاج لكميات كبيرة من الماء، والذي تعتبر زراعته أمراً مهماً لأنه يوفر المواد الخام للمصانع التي توظف أغلب سكان المنطقة.
يخبرنا جهاد السواق وهو الموظف المسؤول عن محطات الضخ في المنطقة بأن الهدف من استصلاح البحيرة هو "زيادة المساحات المزروعة لرفع إنتاج المحاصيل، ويقول: "سنشجع على زراعة عدد من أنواع المحاصيل الاستراتيجية التي تشمل قصب السكر وعباد الشمس وفول الصويا والتي انقطع إنتاجها منذ عام 2011".
بيد أن هذا المشروع لم يحمل السعادة للجميع، إذ يقول الراعي زكوان الحمدون، 53 عاماً، والذي يعيش في مخيم قريب للنازحين: "اعتادت أغنامنا الرعي داخل البحيرة، والآن أصبحت مملوءة بالمياه، إذن، أين سترعى أغنامنا الآن؟" قال ذلك عندما أخذت ماشيته تقضم حزماً صغيرة من العشب الذي نما بين الخيام داخل المخيم، وأضاف: "نطالب الحكومة المحلية بتوفير العلف على الأقل".
المصدر: Al-Monitor