كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الخميس، ,وجود خلاف وصفته بـ"الخطير" بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة الجيش الإسرائيلي الذين يتهمونه بعدم اتخاذ القرار والحسم في قضايا استراتيجية تتعلق بالحرب على غزة.
وقال محلل الشؤون الأمنية والعسكرية لدى الصحيفة، رون بن يشاي، إن النخبة الأمنية الإسرائيلية ترى أن نتنياهو يعرض مكتسبات الحرب للخطر ويحدث ضرراً استراتيجياً عندما لا يكون حاسماً في 5 قضايا.
والقضايا المعلقة هي، صفقة تبادل الأسرى مع حماس، و"اليوم التالي" للحرب، واجتياح رفح، والحرب في الشمال مع حزب الله، وميزانية الحرب.
وأوضح بن يشاي، المعروف بصلاته الوثيقة بهيئة الأركان، أن خلافاً متزايداً نشأ في الأسابيع الأخيرة بين كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية وعلى رأسها وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي من جهة، وبين نتنياهو من الجهة الأخرى.
ويتهم وزير الدفاع ورئيس الأركان نتنياهو بأنه غير قادر على اتخاذ القرار في هذه القضايا مما يعرقل عملية إدارة الحرب، ويزيد من تعثر التقدم نحو تحقيق أهدافها وترميم صورة الردع.
"تمرد الجنرالات"
أشار بن يشاي إلى أن هذا الصدع بين المستويين السياسي والعسكري يذكرنا بـ "تمرد الجنرالات" عشية حرب 1967، عندما طالب رئيس الأركان آنذاك إسحاق رابين إضافة لقادة عسكريين آخرين رئيس الوزراء ليفي أشكول بأن يأمر بشن حرب ضد الدول العربية.
بدورها، المعارضة الإسرائيلية تتهم نتنياهو أيضاً بأنه بات رهينة بيد وزراء حكومته من اليمين المتطرف، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والذين يهددان بالانسحاب من الحكومة في حال لم يقض على حماس ولم يدخل رفح.
كما لوّح الوزير بمجلس الحرب الإسرائيلي غادي آيزنكوت، الثلاثاء الماضي، بالاستقالة متهماً نتنياهو بالرضوخ لابتزاز سموتريتش وبن غفير.
حكومة الحرب تجتمع لحسم الخلاف
مساء أمس الخميس، عقدت حكومة الحرب الإسرائيلية اجتماعاً لمناقشة تزايد هذا الخلاف، وتلاه اجتماع لمجلس الوزراء السياسي الأمني الأوسع، لمطالبة رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة باتخاذ قرارات واضحة بالقضايا المعلقة.
ويطالب قادة الجيش الإسرائيلي نتنياهو باتخاذ قرار بشأن 5 قضايا استراتيجية يقولون إنها ضرورية تتعلق بالحرب الحالية مع قطاع غزة وكذلك في الشمال مع حزب الله.
وأوضحت "يديعوت أحرونوت" أن كل هذه القرارات الاستراتيجية الحاسمة في القضايا الخمس المعلقة متداخلة وتعتمد على بعضها البعض، وبالتالي لذلك فإن المؤسسة الأمنية بأكملها، بقيادة وزير الدفاع غالانت، ورئيس الأركان هاليفي، وربما أيضا رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار، ورئيس الموساد دافيد برنياع، تطالب نتنياهو، باتخاذ هذه القرارات.
صفقة الرهائن
في مقدمة القضايا التي تنتظر حسم أمرها من نتنياهو، صفقة تبادل الأسرى مع حماس، ويطالب قادة الجيش نتنياهو باتخاذ قرار بشأن وقف الحرب إلى أجل غير معلوم للسماح بصفقة شاملة على عدة مراحل أو في مرحلة واحدة، بحسب الصحيفة ذاتها.
ووفقاً للمحلل رون بن يشاي، فإن الجيش الإسرائيلي، وبدعم من "الشاباك"، يطمئن نتنياهو بأنه "سنكون قادرين على هزيمة حماس سواء استمرت الحرب ودخلنا رفح، أو تم تأجيلها لبعض الوقت".
والهدنة، وفق تقديرات الجيش، لصالح إسرائيل لأنها تتمتع بحرية العمل العملياتية والتفوق الاستخباري في قطاع غزة، وبالتالي سيكون من الممكن استكمال قرار القضاء على حماس في فترة زمنية أطول.
ويرى الجيش الإسرائيلي أنه خلال الهدنة سيتمكن من توفير الأمن لسكان النقب الغربي للعودة إلى منازلهم، حتى لو تم تأجيل قرار القضاء على حماس لفترة أطول.
ويلخص المحلل رون بن يشاي الخلاف في قضية المحتجزين هي أن كبار القادة العسكريين يقولون لنتنياهو" لقد وصلنا إلى إنجازات تتيح لك أن تقرر بطريقة أو بأخرى.. فقط قرر".
"اليوم التالي" للحرب.. والبحث عن بديل لحماس
أما المسألة الاستراتيجية الثانية تتعلق بما يعرف بـ "اليوم التالي"، يرى قادة الجيش أن نتنياهو متردد ولم يتحرك سياسيا لتشكيل حكومة مدنية، بديلة عن حماس.
وفقاً للتقديرات العسكرية، فإن عدم وجود بديل يعني أن حماس ستعود إلى ترسيخ وجودها في قطاع غزة.
ويرى قادة الجيش بأنه لا فائدة من اجتياح رفح من دون إيجاد حكومة مدنية بديلة لحماس، لأنه بمجرد خروج الجيش من القطاع، ستعود للسيطرة على المنطقة الحدودية مع مصر وتجدد أنفاق التهريب.
وهنا، يقول الجيش الإسرائيلي ليس أمام إسرائيل سوى بديلين محتملين، الأول حكومة عسكرية تلزم الجيش الإسرائيلي بتعبئة فرقتين تتمركزان بشكل دائم في قطاع غزة وتتولى إدارتهما.
والبديل الثاني، هو أن يتوصل رئيس الوزراء إلى اتفاق مع الأميركيين بشأن تشكيل هيئة حكم محلية يشترك فيها أعضاء من حركة فتح في قطاع غزة، بدعم ورعاية من قوة عربية مكونة من الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن وربما من المملكة العربية السعودية والبحرين أيضاً، بحسب رون بن يشاي.
ويضيف بن يشاي، أن الجيش يعتقد أن السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن لا تستطيع السيطرة بشكل كامل على غزة بدلا من حماس.
ومع ذلك، فإن حكومة فلسطينية مكونة من أعضاء فتح الذين يعيشون في قطاع غزة، بموافقة ضمنية من أبو مازن وجماعته، وخاصة بدعم من قوة عمل عربية، يمكنها أن تفعل ذلك، بل وتساعد في تمويل إعادة بناء القطاع، على حد تعبير المحلل الإسرائيلي.
ويتطلب هذا الحل من نتنياهو وحكومته الانصياع لمطالب إدارة بايدن والموافقة من حيث المبدأ على حل الدولتين، خاصة وأن الجيش الإسرائيلي لا يتخذ موقفا بشأن هذه المسألة ويترك القرار للحكومة.
ولكن نتنياهو يرفض مناقشة هذه النقطة قبل القضاء على حماس، وينقل بن يشاي عن قادة الجيش أن نتنياهو أخبرهم في هذا الشأن: "أولا ستهزمون حماس وبعد ذلك سنقرر من سيأتي مكانه".
في حين، يصر الجيش الإسرائيلي على أن عدم التوصل إلى حل سيؤدي إلى وضع خطير تتلاشى فيه الإنجازات العسكرية للحرب، بحسب المصدر ذاته.
اجتياح رفح
يكمن الخلاف في المسألة الثالثة، وهي تنفيذ عملية عسكرية في رفح المتاخمة للحدود مع مصر، يزعم الجيش الإسرائيلي منذ أشهر أن لديه خطة قابلة للتنفيذ لإجلاء ما يقرب من مليون نازح من رفح، ولإجراء توغل بري داخلها وفي محيطها على مراحل من أجل تفكيك كتائب لواء رفح الثلاث التابع لحماس.
وكان رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي أعلن مرات عدة عن جاهزية هذه الخطط (سواء لإجلاء النازحين أو للعملية العسكرية).
ويقول المحلل الإسرائيلي، لكن نتنياهو لم يتخذ القرار ببدء الاجتياح بسبب الضغوط الأميركية، ومع إنه يصر على دخول رفح ويكررها في تصريحاته إلا أنه يتخذ القرار.
وفقاً لبن يشاي، فإن وزير الدفاع يوآف غالانت ورؤساء الأركان في الجيش مقتنعون بضرورة دخول رفح حتى لا يُسمح لحماس باستعادة قوتها هناك بعد انتهاء الحرب والعودة والسيطرة على المعابر مع سيناء المصرية وإعادة تسليح نفسها.
وفي الوقت نفسه، لا يعارض الجيش تأجيل اجتياح رفح لفترة من الزمن بشرط اتخاذ قرار استراتيجي بشأن إطلاق سراح المختطفين.
ويشير المحلل الإسرائيلي إلى أن الجيش الإسرائيلي ينتقد نتنياهو بشدة لأنه لم يأمر بعد بإجلاء النازحين إلى الملاجئ المعدة لهم في منطقة خانيونس وعلى شاطئ البحر شمالي المواسي، خاصة وأن عملية الإجلاء يجب أن تستغرق من 3 إلى 4 أسابيع.
وهنا، يرى قادة الجيش الإسرائيلي أن نتنياهو، تحت انتقادات دولية، يرفض إعطاء الأمر ما يمنع استخدام الضغط العسكري على حماس، وهي الاستراتيجية الأهم التي يتبعها الجيش لتحقيق أهداف الحرب واجتياح رفح جزء منها.
الجبهة الشمالية
يزعم قادة الجيش والأجهزة الأمينة في إسرائيل أن عدم الحسم في الجبهة الشمالية مع حزب الله قد يؤدي إلى "تطبيع" حرب الاستنزاف، في إشارة إلى تصاعد التوتر وتبادل القصف مع جنوب لبنان.
ومن المخاوف التي يطرحها الجيش الإسرائيلي في عدم الحسم في الشمال، هي عدم قدرة المستوطنين في منطقة الجليل على العودة إلى منازلهم قبل عام أو أكثر.
وهنا، يوافق الجيش الإسرائيلي على أن القرار بشأن ما إذا كان الذهاب إلى الحرب يقتصر على إبعاد حزب الله من الحدود، أو انتظار تسوية دبلوماسية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1701، ولكن ليس قبل الانتهاء من الحرب في قطاع غزة، بحسب رون بن يشاي.
ويوضح بن يشاي ذلك، لأن الجيش الإسرائيلي في حالة الحرب يريد تركيز كل قوته في الشمال وعدم تقسيمها مع جبهة غزة.
ويضيف، كما أن القرار بالنسبة لجبهة الشمال يتطلب الموافقة الأميركية أيضاً، فضلاً عن أنه يتعلق بحسم قضية "اليوم التالي" للحرب في غزة، وكذلك بالتطبيع مع السعودية.
ميزانية الدفاع الخاصة بالحرب
أما المسألة الخلافية الخامسة، هي ميزانية الدفاع، التي يكتنفها الكثير من الغموض خاصة وإنها ذات أهمية تتعلق بالتحضير لمواجهة محتملة مع إيران، بحسب "يديعوت أحرونوت".
وتشير الصحيفة إلى أن التحضير لمواجهة مع إيران يتداخل مع قضية "اليوم التالي" في غزة التي ستؤثر أيضاً على قرار من هذا النوع، ولأنها (بعد حسم اليوم التالي) ستحدد ما إذا كان من الممكن تشكيل تحالف أميركي إسرائيلي وعربي لمواجهة الخطر الإيراني في المنطقة.